لابد أنه كان حماس شبابي النسبي الذي أدي بي لأن أتصور أن خبرتي في الشئون السياسية العالمية وتقدرتي علي الحكم علي الرئيس الأمريكي باراك أوباما تضارع خبرة استاذنا الكبير محمد حسنين هيكل. أنا الآن مجبر من باب الاعتراف بالحق أن أقول إن هيكل كان محقا وأنا مخطيء في حكمي علي الرئيس أوباما.. مازلت اعتقد بجدية أن أوباما رجل شريف علي المستوي الشخصي، وأنه لو ترك لنفسه ولو لم تقيد يداه لفعل ما كنت أتوسم فيه بدءا بانصاف الفلسطينيين وغلق معتقل »جونتانامو« المخزي، والأهم أن يضع العراق علي طريق ما كان عليه قبل الاحتلال الغاشم له، وأرجاع الثروات المنهوبة منه، بالإضافة إلي التصالح مع سوريا وإيران والانسحاب من أفغانستان وعدم التدخل في شئون دول الخليج مباشرة أو غير مباشرة لم يفعل باراك حسين أوباما أي شيء مما سبق ذكره وهو ما وعد به إلي حد كبير في حملته الانتخابية، وأخلف وعده وبدلا من ذلك فتح الرئيس أوباما جبهة جديدة بحجة قديمة في ليبيا.. إلي حد كبير كان هذا ما يتوقعه الأستاذ هيكل بينما تصورته أنا مستحيلا من رجل علي خلق وتاريخ وخلفية ومن جذور افريقية، يتميز بالهدوء والتريث في الكلام، علي عكس الذي سبقه، وأقصد »بوش« الابن ما كرم الله وجهه ولا أدخله جناته. الحقيقة حتي هذه اللحظة أشعر أن المثل القائل »أسمع كلامك يعجبني وأري أعمالك استعجب«. ينطبق علي الرئيس أوباما بحذافيره الهدوء واللسان »الحلو« والمجاملات الموزونة من أوباما للعام العربي ولشباب ميدان التحرير إلي آخره. ما هي سوي واجهة جميلة للولايات المتحدة، استبدلوا بها الواجهة القبيحة لبوش الابن وشلته من تجار الحروب المفضوين مثل نائبه »دك شاني« ووزير حربيته »رامز فلد« إلي آخره من المحافظين الجدد والإعلاميين الأجد كل ذلك توقعه المفكر السياسي المخضرم هيكل ولم أتوقعه أنا نتيجة غرور الشباب النسبي.. المعرفة بالرياضات البحثة والطبيعة النظرية والعلوم الهندسية لاتكفي أو تغني المعرفة بالحياة والخبرة السياسية التي يمتلكها هيكل الذي كان مراسلا حربيا في حرب كوريا عندما كنت أنا ألعب في الحضانة. كذلك معرفتي بالتاريخ الذي درسته في الكتب لا تضارع من عاش التاريخ بنفسه إلي جانب الرئيس عبدالناصر ساعة بساعة. ربما ملأني الغرور لأني درست الفلسفة وعلم الاجتماع والأدب المقارن إلي جانب الاقتصاد السياسي وكتب كلوزافتس في التكتيك الحربي، ولكني لم أعاصر الأزمات الحقيقية المختلفة التي مرت بها مصر في عصر عبدالناصر والسادات ومبارك، كما عاصرها هيكل ساعة بساعة إلي جانب السلطة العليا إلي البلاد. رحم الله أمرؤ عرف قدر نفسه فلزم حده، ولن أثق مرة أخري في حكمي علي رئيس جمهورية أمريكي عندما يكون هناك رجلا متخصص أكبر مني سنا له حكم مختلف مائة في المائة، وسوف التزم الحذر في المستقبل إذا كان مازال في العمر بقية وهناك مستقبل. وفي كل الأحوال موضوع السن نسبي ولكن يجب أن نتذكر أن النسبة في حد ذاتها حقيقة لا تعتمد علي أي مبدأ نسبي في نهاية الأمر. لقد قضيت الليل استمع إلي كلمة الرئيس أوباما بخصوص ليبيا ويؤسفني أن أقول إن تعليقي باختصار شديد هو التالي. لباقة في اختيار الكلمات القاء رائع ومؤثر للغاية، ووجه جميل يدعو إلي الثقة والمحبة وعلي الرغم من كل ذلك لا توجد أي مصداقية أو منطق فيما قاله الرئيس أوباما بشأن التدخل الأمريكي إلي جانب حلف الاطلنطي في ليبيا. كان الأحري به أن يضع خلفه لافتة يكتب علها »ناتو تكنولوجي للإيجار« علي وزن النانو تكنولوجي التي لم أفلح في تأسيسها في مصر. كل مجموعة تريد أن تحكم بلدا ما، كل ما عليها أن تتبع الوصفة التالية. اوجد مشاكل ومظاهرات وانقلها عبر الفضائيات إلي العالم بأجمعه، واستأجر مجموعة وشركات إعلامية للتهليل في محطات أوروبية وناطقة بالعربية. اذهب إلي احدي دول حلف الاطلنطي المهمة واتفق معهم علي مقايضات وامتيازات سياسية ومالية في مقابل تعضيد سياسي وحربي للدولة المعنية. اجمع نقطة رقم واحد مع النقطة رقم اثنين واكسب قرار أو قرارين للأمم المتحدة لاعطاء الشرعية للمهمة غير الشرعية بتعضيد من »الناتو« تكنولوجي للايجار الحقيقة هناك حقيقتان لا يمكن الجدال فيهما. الأولي أن النظام الليبي يستحق التغيير منذ 03 عاما الثانية أن تدخل حلف الأطلنطي والولايات المتحدة هو تدخل لا يوجد سبب حقيقي له سوي الثروة البترولية لليبيا وعدا ذلك هو نفاق واضح وضوح الشمس. أرجع مرة ثانية إلي الخطأ في التقدير واستهانتي بتجربة الحياة والحكمة التي لا تكتسب إلا بالخبرة وطول العمر فضيلة الشباب هي الحماس والمقدرة علي الكفاح وحروب التحرير، أما الفضيلة الوحيدة للمشيب فهي الحكمة والتريث والمقدرة علي عقد السلام والخروج من حروب التحرير إلي حيز واقع جديد كله أمل وحب وسلام. ارجو من الشباب ألا يرتكب نفس الاخطاء التي ارتكبتها عندما تأثرت ببكاء ابنتي التي بكت من الفرح بالانتصار الإنساني الكبير عندما فاز الرئيس باراك حسين أوباما، فبكيت معها متأثرا من هذه اللحظة الإنسانية التاريخية والتي تشبه في اتجاهات عديدة اللحظات المؤثرة في ثورة شباب مصر التي أظن انها ثورة تصحيح لمسار بدأ سنة 2591، إذا لم أكن مرة ثانية مخطئا أنا لا أعاند المنطق والحق أبدا، وعلي استعداد لتصحيح موقفي، ولكن بالحجة والدليل والبرهان وليس أبدا في »ماتش« من الصياح والهتافات »وخدوهم بالصوت ليغلبوكم« وهي الطريقة السائدة في الإعلام المنفلت في كل زمان ومكان بما في ذلك الأحداث المؤسفة التي حدثت في العاصمة البريطانية بسبب الميزانية التقشفية للدولة. كيف يطلب من البريطانيين ربط الحزام علي البطون بينما تحرق حكومة دافيد كامرون مئات الملايين من الدولارات كل ليلة فوق سماء ليبيا باسم شركة التجارة الدولية والناتو تكنولوجية علي حد قول البريطانيين؟ اختتم بكلمة للفيلسوف والشاعر الألماني الأكبر »يوجن ولفجانج غوتة« وهذا هو آخر كلام: »الذي ترثوه من آبائكم تعلموه حتي يحق لكم أن تملكوه«. حضارة مصر هي أكبر ملك في الوجود.