كريستين فخري مصرية كانت في مخيم »كاليه»: لم أتخيل حجم الأحزان التي رأيتها في عيونهم حياة التشرد والضياع هي القاسم المشترك بين عدة أنواع من اللاجئين، من خرج من وطنه تحت وطأة الحرب، أو من قرر بيع وطنه من أجل حفنة دولارات.. الكل يبحث عن الأمن ولايجده، ومن يتشدق بحماية حقوق الإنسان يدوس عليها الآن في معسكرات اللاجئين، فلن يرحب بك أحد إذا ما ضاع وطنك منك أو شاركت في خرابه تحت أي لافتة مزيفة. من كاليه الفرنسية تحكي متطوعة مصرية مآس اللاجئين علي أرض أوروبا بلاد ما يطلق عليه حقوق الإنسان.. لن تجد في عيون اللاجئين سوي الحزن علي وطن ضاع وآسي علي مستقبل مجهول فلا أحد يحبهم في أوروبا ولا مسئول أو سياسي يرحب بهم حتي أموال المساعدات تسرقها المافيا قبل أن تصل لهم. تحاصرهم الكراهية وقلة الأموال وحياة التشرد وانتشار الأمراض دون علاج أو رعاية. مخيم كاليه للاجئين.. هذا الكامب الشهير في شمال فرنسا، والذي قامت الحكومة الفرنسية بإخلائه بالقوة في سبتمبر 2016.. هذا المخيم الذي كان يضم عشرات الآلاف من اللاجئين من مختلف الجنسيات والذين كان حلمهم عبور بحر المانش والوصول لإنجلترا أثار مؤخرا اضطرابات شعبية كبيرة في فرنسا، إضافة إلي أزمات دبلوماسية بين فرنساوإنجلترا، وجذب مئات المؤسسات الخيرية والمجتمعية لمساعدة تلك الأعداد الضخمة من المهاجرين الذين كانوا يبيتون في العراء.. كريستين فخري عملت في منظمة »إليز كير» التي كانت تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين، وحكت لنا عن تفاصيل ستة شهور قضتها في هذا المعسكر. حدثينا أولا عنك وكيف وصلت إلي كاليه؟ - تخرجت في كلية سياسة واقتصاد في جامعة القاهرة، وحصلت علي شهادتي من القسم الفرنسي للجامعة والتي تعتمد أيضا من جامعة السوربون بباريس، وهو ما أهلني للحصول علي منحة دراسية في باريس حصلت من خلالها علي درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية والإغاثة الإنسانية.. وبعد الجامعة في بداية عام 2016 كانت قضية كاليه تشغل الرأي العام، وانضممت لمنظمة »إليز كير» الإنسانية التي كانت تقدم مساعدة ميدانية وطبية للاجئين، وعندما ذهبت للمخيم كان به عشرات الأفراد، وعندما تركته بعد ستة أشهر كان قد تحول لدولة داخل الدولة، مدينة متكاملة بها أكثر من عشرة آلاف شخص، لذلك قررت الدولة الفرنسية فض هذا المعسكر بالقوة لأنها استشعرت بأن الوضع أصبح خارج سيطرتها. ما طبيعة دورك في المعسكر؟ - كنت بمثابة الوسيطة بين اللاجئين والأطباء، وكنت أقوم بالترجمة، وقبل الترجمة كنت أتحدث مع اللاجئين وأحاول الاقتراب منهم لمحاولة إقناعهم بالسماح لنا بمساعدتهم.. في البداية كان رد الفعل عدائياً نوعا ما نحونا لأنهم خائفون منا، وهم يعتقدون أننا هنا لإعادتهم لبلادهم ومنعهم من السفر لإنجلترا.. لكن عندما تعاملت معهم ووجدوا أني أتحدث لغتهم تغير الأمر تماماً، كما أنني كنت البنت الوحيدة في المجموعة التي تقوم بعمل ميداني، لذلك كان دوري مهماً في التعامل مع السيدات بالمخيم وأطلقوا علي هناك اسم »بنت النيل» وحصلت علي ثقتهم ودخلت حياتها وهو أمر صعب. ما جنسيات اللاجئين الذين تواجدوا في كاليه؟ - المجموعتان الرئيسيتان كانتا من السودانيين والأفغان، وكان هناك بعض السوريين والإريتريين والأثيوبيين والعراقيين والبدون أيضا، وهم الذين ليس لهم جنسية، كلهم لم يكن لديهم رغبة في البقاء بفرنسا، كانوا يريدون الذهاب لإنجلترا إما لوجود أقارب لهم هناك أو لعامل اللغة.. كما أن قوانين اللجوء في إنجلترا أفضل من غيرها. وهل كان هناك مصريون؟ - نعم كان هناك حوالي مائة أو مائتين.. لكن معظمهم كان يخفي هويته لأن المصريين ليسوا من الجنسيات التي لها أولوية في اللجوء للدول الأوروبية. ولماذا رحلوا إلي هناك؟ - لم أر أحدا في معسكر كاليه ذهب لأسباب سياسية، معظم من كانوا هناك من المصريين ذهبوا لأسباب اقتصادية. وهل وجد هؤلاء المصريون ما يحلمون به في الغربة؟ - بعضهم قال إنه يعيش في العراء في المعسكر لكنه في النهاية يأكل ويشرب من خلال المساعدات المقدمة من الجمعيات ويمني نفسه بإيجاد عمل بعد ذلك وإرسال أموال لأهلهم بعد ذلك.. لكن هناك نماذج كثيرة قابلتها دفعت ثمنا غاليا جدا. هل يمكن أن تحكي لنا عن بعض هذه النماذج؟ - قابلت امرأة إثيوبية تتحدث العربية أول ما رأتني بكت كالمجنونة وقالت لي ساعديني، وعرفت بعدها أن أحد عساكر الشرطة الفرنسيين اغتصبها ولم تقل لزوجها وتخاف أن تكون حملت وبالفعل كانت مخاوفها في محلها بعد أن ساعدتها علي إجراء كشف الحمل ولم أدر ماذا أفعل لها. وكيف تماسكت بعد مشاهدة كل هذه المآسي؟ - قبل الذهاب لم أكن أتخيل أبدا حجم الأحزان التي سأراها في عيون الناس، كنت أعتقد أنني دخلت النار.. لكن مع الوقت صرت أحب ما أفعله وأجد نفسي أحاول أن أساعدهم بقدر استطاعتي، ومن واجب كل فرد أن يساعد من هم في محنة.. وأنا الان أتمني بشدة أن أكرر التجربة، وحاولت بالفعل الذهاب إلي معسكرات اللاجئين في لبنان والعراق، لكن الظروف لم تسمح. ما أخطر اللحظات التي قضيتيها هناك؟ - أتذكر في مايو 2016 حدثت مشاجرة كبيرة بين لاجئ أفغاني وآخر سوداني، وعلي الفور انقسم المخيم لمعسكرين وظهرت أسلحة خرطوش وتبادل إطلاق نار وحرق المخيم باستخدام أنابيب البوتاجاز، والمشكلة أنني كنت محبوسة بالداخل مع زملائي لأن اللاجئين أغلقوا كل المداخل لمنع الشرطة من الدخول واستمر هذا الوضع خمس ساعات وكان من الممكن أن أفقد حياتي في هذا اليوم. كيف ترين تعامل فرنسا مع اللاجئين مقارنة بالدول الأخري؟ - لا يمكنني أن أقارن الوضع هنا بالدول الأخري.. لكن بصراحة الدولة الفرنسية والتي تملك إمكانيات ضخمة لم تساعد اللاجئين بالشكل الكافي، بالعكس دورها أثر بالسلب علي حياتهم، وكان هناك ضباط شرطة فاسدون وارتكبوا جرائم اغتصاب، كما تواطأ بعضهم مع المهربين الذين يحصلون علي المال مقابل العبور لإنجلترا، حتي عندما قررت الدولة إخلاء المعسكر لحماية المواطنين في كاليه، لم توفر مراكز استقبال كافية للمطرودين وتركتهم في الشوارع بأماكن متفرقة.