فاض الكيل، أيا كانت الأسباب لفتنة تخبو وما تلبث أن تستعر، أطراف تلتقي بالأحضان، ونسمع من كلمات الحب والأخوة ما يطمئن ويشفي غليل الناس عقب كل حادث فتنة طائفية.. ولكن تظل الكثير من الجذور التي صنعت مناخا يشجع كل من يسعي للمساس بمصر اللعب في هذه المنطقة. ويصمت الآباء والرموز الدينية والروحية، من المسلمين والمسيحيين لتتكرر نفس الجمل والزيارات والقبلات، حتي نفيق علي مشكلة جديدة، وما لبثت المشكلة أن أصبحت كارثة.. وتنذر الكارثة بضياع وطن.. ومن هنا كانت كلمات المجلس العسكري حاسمة، يد تمتد بقوة القانون وقبضة الحق الحديدية لكل من تسول له نفسه عن عمد أو غفلة للدفع بالوطن إلي مجهول لن ينفع حينها الندم. في الساعات الخطيرة يجب أن ننسي أشخاصنا ولا نذكر إلا بلدنا، سواء كنا أفرادا أو كيانات سياسية أو تجمعات طائفية أيا كانت الديانة مسلما أو مسيحيا، فإذا كانت التضحية واجبة لنكسب البلد. فما بالنا وهؤلاء يعبثون ببلدهم، الموقف الآن تمليه الحكمة والوطنية والأمانة والصدق مع النفس والآخرين، والاخلاص للوطن قبل أي شيء آخر. هذا هو المطلوب منا شعبا، تواجهه مسئولية من الحكومة والمجلس العسكري. وهو ما بدا هذه المرة بقوة، سواء باجراءات علي المستوي الشعبي والرسمي بتشكيل لجنة »العدالة الوطنية« أو »بيت العائلة« أو علي مستوي الاجراءات الفعلية الواقية لمتطلبات الأخوة الأقباط واستصدار القوانين الحاسمة لعلاج الجذور ومواجهة أي نتائج طارئة اذا تكررت لا قدر الله مثل هذه الأفعال غير المسئولة.. فليس معقولا، أن تضيع البلد، بسبب قصة حب أو لهو شاب وامرأة.. ملعون هذا الحب!. جاءت واقعة الفتنة الطائفية بإمبابة، لتجسد ذروة حالة احتقان ومظاهر فوضي عانت منها المدن المصرية طوال الأيام الماضية. تعاملت معها الحكومة بهدوء يصل إلي درجة التراخي، رغم ما تدركه من خطورة هذه الحالة في اعاقتها عن تحقيق أهدافها، من الأمن والاستقرار ودفع عجلة الإنتاج. وخاصة أنها ترفض أن تكون حكومة تسيير أعمال، وجميع اعضائها وعلي رأسهم الدكتور عصام شرف يعتبرونها حكومة انتقالية تخطط وتعمل علي التحول من المرحلة الانتقالية إلي بدء انطلاق مصر إلي عالم جديد في كل المجالات. وهو ما تأكد خلال اللقاء بين الدكتور شرف ورؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف. وأشاع روحا من التفاؤل الحذر. تفاؤل يحتاج إلي خروج مصر من عنق الزجاجة، وإذا استمر الوضع علي ما هو عليه فسنظل مهددين بالاختناق داخل الزجاجة، وللأسف في منظور قريب لا يتعدي شهوراً ثمانية، مع استمرار إنفاق الاحتياطي النقدي الأجنبي، الذي تناقص 9 مليارات دولار منذ بداية يناير حتي الآن.. بواقع ثلاثة مليارات كل شهر. إذا وصل المعدل صفرا لا قدر الله فإن طعامنا سيكون بالديون.. والمنح والاعانات. وهو أمر لا يليق بمصر وشعبها. الأمر لن يستقيم إلا بالأمن والإنتاج.. فكفي صمتا عن كل ما يخل بأمن واستقرار مصر.. وكفي صمتا أو مواربة في الأقوال والأفعال لاجتثاث الفتنة الطائفية. ولأن النذر تهدد وطنا يحترق، فعلينا أن نأخذ تحذير المجلس العسكري مأخذ الجد. فما يبدو من أهوال، يجعل القلق والخوف ينتاب كل مصري علي ثمار الثورة.