في لحظة عصيبة قررت أن أمسك القلم وأكتب.. شعرت كأن إعصارا من مشاعر القلق والخوف يغمرني.. وأنا كالغريق أبحث عن قشة اتشبث بها!! لذلك شعرت بحاجة ملحة لأن ألقي بأحزاني وآلامي علي الورق ربما أنزلت أثقالا ناءت بها قدرتي علي التحمل، وربما وجدت رسالتي طريقها إلي قلبك الكبير فتقرأينها ضمن مايصل إلي بريدك، وتتعاطفين معها، فيتحرك قلمك، أنت أيضا علي الورق، ولكن في إتجاه آخر.. إتجاه من يمد يده دائما لنجدة الآخرين. وإليك قصتي بالتفصيل.. سأروي لك قصتي عسي أن تكون عبرة لغيري.. فأنا الآن أشعر بالنهاية.. نهايتي كإنسانة.. نهايتي كشابة في ربيع العمر.. ونهاية لأمومتي التي عشت أحلم بها، وشاء قدري أن أحطم بيدي هذا الحلم عندما أوشك أن يتحقق. لن أقول إنني هويت إلي تلك البئر السحيقة بإرادتي.. أبدا.. أقسم بالله العظيم إنني لم أكن السبب، لم أتعمد، بل لم أتخيل نفسي أبدا أسير في هذا الطريق المسدود، بل كانت السبب إنسانة تجردت من إنسانيتها، وفقدت الحد الأدني من الضمير، فأصبح الناس في نظرها أدوات تستخدمهم بأحقر الوسائل من أجل المكسب الوفير!! كنت أنا وأختي طالبتين بالجامعة الأمريكية، من عائلة ميسورة، أبونا ثري يعمل في التجارة، فتح الله تعالي عليه باب الرزق من أوسع أبوابه. كنا نعيش في سعادة، ومتفوقتين في دراستنا ووهبنا الله قدرا عاليا من الجمال، نعيش في رفاهية، ولا يؤخر عنا والدنا أي شيء مهما كان. كان هذا فعلا ماضيا! حتي جاء اليوم الأسود.. يوم لبينا فيه دعوة إحدي زميلاتنا في الجامعة، هي كانت شخصية مختلفة عنا، متحررة جدا، روشة، »ستايل« فأحببنا بدافع الفضول أن نذهب معها إلي حيث دعتنا، وكانت الدعوة علي قراءة الفنجان عند إحدي السيدات المحترفات هذا اللون من قراءة الطالع . لم أكن أنا وكذلك أختي نؤمن بذلك الدجل، لكننا ذهبنا بروح الدعابة، وحب الاكتشاف والفضول، لذلك لم أخبر زوجي.. آه نسيت أن أقول لك إنني متزوجة من شاب أحبه ويحبني ولذلك لم ننتظر حتي نكمل دراستنا الجامعية فتزوجنا. لم أخبره لأني أعرف إنه سيأخذ الموضوع بتهكم وسخرية. المهم أنني ذهبت من أجل الفرجة وتضييع الوقت في شيء مثير، وذهبت معي أختي الصغيرة، وصديقتنا صاحبة الاقتراح والدعوة. استقبلتنا سيدة في منتصف الخمسينيات تقريبا ودعتنا للجلوس حتي تعد لنا فناجين القهوة. شربنا القهوة وكانت بالفعل مختلفة، شعرنا بعد شربها بتيقظ وصفاء ذهني عجيب، وظللنا نتحدث ونضحك بلا حواجز أو حدود! وقرأت السيدة الفنجان لي ولأختي، واستمتعنا بالتنبؤات الجميلة التي تزف لنا قرب الأحلام التي نتمني تحقيقها. وغادرنا منزل هذه السيدة ونحن في قمة السعادة. في الصباح استيقظت وكذلك أختي علي صداع رهيب يكاد يمزق رأسينا، تناولنا القهوة لعلها تخفف من وطأة هذا الصداع المفترس، لكنها لم تكن مثل قهوة الأمس، وبدأت اشعر بالصداع يزداد. فعرضت علي أختي أن نذهب إلي السيدة قارئة الفنجان لنشرب قهوتها »العجيبة« وفعلا ذهبنا، وإبتسمت السيدة، وإنفرجت أساريرها لرؤيتنا، وأسرعت تعد لنا القهوة. وكأنها سحر! تبدد الصداع تماما مع قهوتها، وعدنا إلي حالتنا الطبيعية، ومزاجنا اللطيف. لكنني لمحت في عيني السيدة نظرة غريبة في تلك المرة، فشعرت بقشعريرة في جسدي إشمئزازا ونفورا منها. ورغم ذلك، لم أستطع أن أمنع نفسي ولا أختي من التردد عليها ليس من أجلها، ولكن من أجل قهوتها العجيبة. حتي جاء اليوم الرهيب.. اليوم الذي كشفت فيه هذه السيدة عن نواياها، وعن المؤامرة الدنيئة التي وقعنا أنا وأختي ضحايا لها. قالت إن هذه القهوة غالية جدا، وهي قد قامت بالواجب واستضافتنا كثيرا.. والآن جاء الدور علينا لندفع ثمن هذا الكيف الغالي! وعرفنا الحقيقة.. لقد وقعنا نحن بنات الحسب والنسب في الفخ الرهيب.. فخ الإدمان! لقد كانت تضع لنا الأفيون في القهوة حتي نصبح مدمنات دون أن ندري.. والآن وبعد أن تمكنت منا تفضح المؤامرة الدنيئة. وبدأت فصول الرحلة المريرة في حياتي.. فكيف أصارح زوجي الذي أحبه بما أنا فيه؟ كيف أصارح أهلي الذين ربوني أحسن تربية ولم يبخلوا عليّ بأي شيء. لم نكن ندرك معني العبودية.. لكننا عرفناها الآن مع الإدمان! لقد نفدت كل أموالنا أنا وأختي، وبدأت شكوك والدنا فينا بعدما تزايدت مطالبنا من المال بصورة غير طبيعية. وتحت ضغط شديد منه لمعرفة الحقيقة، صارحناه والبكاء يغطي وجهينا.. ابتلع الصدمة بصبر وقوة وقرر أن يعالجنا في أحسن مصحات هنا وبالخارج. ولكننا عدنا بعد العلاج مرة ثانية، إنهارت إرادتنا أمام جبروت المخدر، وفقدنا آدميتنا في هذه المحنة الرهيبة. والكارثة الآن.. إنني عرفت مؤخرا إنني حامل! أي أن الحلم الذي عشت أحلم بأن يتحقق طوال ثلاث سنوات منذ زواجي سوف يتحقق.. ولكن كيف؟ وقد أصبحت مدمنة! أرجوك لاتهملي رسالتي.. إكتبي عن مأساتي، وإفتحي لي قلبك وعقلك وإرشديني ماذا أفعل. كيف أنقذ نفسي. وكيف أنقذ حلم حياتي من الضياع؟! المعذبة ه . ج -الكاتبة : يا سبحان الله! إنها يد الشر التي تمتد إلي الناس الآمنين فتغتصب سعادتهم، وتنزع البسمة من فوق وجوههم وتسرق الأمان والسكينة من حياتهم! والله ياسيدتي لقد تألمت جدا مع سطورك المبللة بالدموع، المثقلة بالألم، وتمنيت أن أمسك برقبة هذه الأفعي المجرمة وأعصرها في قبضة يدي.. لكن مافائدة التمني الآن وماجدواه. المهم.. كيف نعالج الموضوع الآن أعتقد إن الله وهبك طاقة استثنائية يمكنك إذا أحسنت استخدامها، وتقويتها داخلك أن تمكنك من الخروج من هذه الكارثة، وتحقيق المعجزة. إن خوفك علي الجنين الذي يتحرك الآن في أحشائك.. وعشرات الأسئلة والمخاوف التي إمتلأت بها رسالتك عن تأثير إدمانك علي إبنك المرتقب.. وسؤالك عن دمائك التي أصبحت ملوثة بالمخدر وهل ستؤثر علي المولود، فيأتي إلي الدنيا مشوها. إن هذا الخوف الفطري المنطلق من اسمي عاطفة في الوجود: عاطفة الأمومة كفيل بأن يعطيك القوة، ويعيد إليك الإرادة المهزومة، وروح التحدي التي لاتخرج إلا في مثل تلك اللحظات الإستثنائية في حياة الإنسان. تقربي إلي الله.. وإطلبي منه بإخلاص وصدق أن يهبك القدرة والإرادة لعبور هذه المحنة، ليس من أجلك فحسب، بل من أجل هذا القادم البريء.. وتأكدي إنك ستجدين قدرات هائلة تتفجر داخلك تلقائيا.. وأنا علي ثقة إنك ستنجحين هذه المرة.. وسيكون علاجا بلارجعة.. فكم من قصص لأشخاص كانوا مثلك، وقهروا الإدمان بإرادة من حديد.. وقدرة إنسانية هائلة فجرتها لحظة فريدة كالتي تعيشينها الآن. ثقي في ربنا.. وثقي في نفسك وفي القدرات الداخلية، والقوة الانسانية داخلك.. وخوضي معركتك من أجل أمومتك العظيمة.. حلم حياتك المنتظر.. والذي سيتحقق قريبا إن شاءالله..