تصدر مختلف مراكز الدراسات الاستراتيجية، حول العالم، تصنيفاتها السنوية للجيوش والقوات المسلحة في دول العالم، اعتماداً علي تحديد قدرات تلك القوات، بما يمكنها من ترتيبها وفقاً لقوتها، وقدراتها القتالية. ولعل أهم تلك التصنيفات، المشهود لها بالدقة والموضوعية، هوالتصنيف، الأخير، الصادر عن "جلوبال فاير باور" (Global Fire Power) كأحد المراكز الحديثة في هذا المجال، التي وضعت القوات الأمريكية علي رأس القوي العسكرية في العالم، يليها الجيش الروسي، ثم الصين، وصنفت القوات المسلحة المصرية في المركز العاشر عالمياً، متقدمة أربعة مراكز، بعدما كانت في المركز الرابع عشر. ونظراً لعدم التخصص، وتأثراً بما يحدث في المسابقات الفنية، وتقييمات نجوم السينما، فإن معظم القراء ليسوا علي دراية كاملة، بمنهج عمل المراكز البحثية، المتخصصة في الشئون العسكرية والأمن القومي، عند إصدار مثل تلك التقارير أوالتصنيفات، والتي تتم وفقاً لضوابط محددة وموضوعية. وبالرغم من التزام الفيفا بالقواعد العالمية في تصنيفها الشهري لفرق كرة القدم، القائمة علي أرقام محددة، ونتائج الكشوفات الطبية، والتي يعتبرها البعض، المنظمة الأكثر التزاماً، إلا أن تصنيفات القوات العسكرية، الصادرة عن منظمات بحثية مشهود لها بالكفاءة، تظل هي الأكثر مصداقية، لاعتمادها علي المعلومات والبيانات الدقيقة فقط، دون أهواء شخصية، فيتم تقييم الجيوش والقوات العسكرية، وفقاً للعوامل التالية: العامل الأول: هوتعداد القوي البشرية للجيش، وخاصة نسبة القوات العاملة إلي القوات الاحتياطية، وبالتالي يدخل في هذا الحيز أسلوب استدعاء الاحتياطي، وتوقيت الاستدعاء، وكذلك نوعية التدريب لهذا الاحتياطي، والمرحلة العمرية لقوات الاحتياط. ولا يقتصر عامل التعداد البشري علي العدد فحسب، وإنما يأخذ في الاعتبار، نوعية تعليم الفرد المقاتل، ويكفي القول بأن أحد أهم العناصر التي ساهمت في تقدم ترتيب الجيش المصري، هونوعية الجنود في الوحدات المقاتلة المصرية، الحاصلين، حالياً، علي شهادات جامعية، بعد أن كان معظمهم، في الماضي، لا يجيد القراءة والكتابة. ويؤثر في عامل تعداد القوة، عنصراً رئيسياً، لا يقل أهمية عن سابقيه، وهوجنسية أفراد القوات المسلحة، إذ لا تقبل القوات المسلحة المصرية أن ينضم إلي صفوفها أفراد من جنسيات أخري، حتي ولوحصلوا علي الجنسية المصرية، ضماناً للولاء، وهوما تعاني منه جيوش عدد من الدول، ذات التعداد السكاني المحدود نسبياً، والتي تقبل المجنسين بين صفوفها. العامل الثاني: هوالخبرة القتالية السابقة لهذا الجيش، خاصة إن كانت في مجالات متخصصة، مثل محاربة الإرهاب، أوالقيام بعمليات خاصة محدودة، أوعلي نطاق واسع. وتعتبر مصر وإسرائيل، حالياً، أكثر الدول في العالم التي خاضت حرباً تقليدية، تم فيها استخدام، الأرض، والفرد المقاتل، والمعدات التكنولوجية المتطورة، آنذاك. ولا يمكن مقارنة حرب مصر وإسرائيل في 73، بحرب الخليج، التي تُعرف بأنها كانت حربا من طرف واحد. العامل الثالث: هوحجم الصناعات العسكرية الموجودة في الدولة، وخاصة في مجال الذخائر المتطورة، التي تعد المحدد الرئيسي لمدة العمليات العسكرية المنتظرة. كذلك مدي قدرة هذه المصانع علي التنفيذ الهندسي للأسلحة العسكرية المتطورة التي يعتمد عليها الجيش. العامل الرابع: تعتبر ميزانية الدفاع هي أكثر العوامل تأثيراً في تحديد قدرة الدولة علي تحديث وتطوير ورفع كفاءة قواتها المسلحة. فضلاً عما تتيحه للقوات المسلحة من قدرة علي تنفيذ التدريبات باستخدام الذخيرة الحية المكلفة، وإجراء الصيانة الدورية، وغير الدورية، للأسلحة والمعدات الموجودة بترسانتها. العامل الخامس: المستوي التدريبي للجيش، وقدراته المسلحة، وخاصة المناورات العسكرية. كما يعتبر التدريب المشترك، مع دول أخري، مقياساً رئيسياً لتحديد قدرات وإمكانات الدولة، خاصة عند اختيار الدولة التي ينفذ معها التدريب المشترك؛ فالتدريب المشترك بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية، مثل مناورات "النجم الساطع" (Bright Star)، التي يشترك فيها آلاف الجنود، من الدولتين أومن عدة دول، تؤكد علي كفاءة واستعداد القوات المسلحة المصرية، مقارنة بأي دولة أخري في المنطقة، نظراً لما تكتسبه الدول المشاركة في التدريبات المشتركة من خبرات، وتكتيكات جديدة. العامل السادس: وهوالروح المعنوية للقوات المقاتلة، والذي لم يُدرج ضمن عوامل تصنيف القوات المسلحة للدول، إلا بعد انتصار مصر علي إسرائيل في حرب أكتوبر 73. فبالرغم من التفوق العددي والنوعي للجيش الإسرائيلي، إلا أن مصر حققت انتصارها المجيد، بفضل ارتفاع الروح المعنوية لقواتها المقاتلة، التي لم ترض إلا بالنصر. وحديثاً، كان أوضح الأمثلة للتدليل علي أهمية ذلك العامل، هوما حدث في مدينة الرمادي بالعراق، عندما ظل الجيش الأمريكي يدرب الجيش العراقي لمدة عامين كاملين، فضلاً عن إمداده بأحدث الأسلحة من الترسانة الأمريكية، والتي لم يسمح بخروج مثلها لدول أخري، إلا أنه مع أول طلقة من عناصر داعش، انسحبت القوات العراقية، تاركة سلاحها كاملاً ليقع في أيدي عناصر داعش المتطرفة، وهوما نرجعه إلي افتقاد الروح المعنوية للدفاع لدي القوات العراقية. العامل السابع: وجود قوات شبه عسكرية، أوشبه نظامية، تعمل علي تأمين الأهداف والمرافق الحيوية للدولة، حتي تتفرغ القوات العسكرية للمهام القتالية. وأعتقد أن إسرائيل هي أكثر الدول اتباعاً لهذه القاعدة، ومصر بما لديها من قوات الأمن المركزي، والولايات المتحدةالأمريكية بما لديها من حرس وطني. العامل الثامن: وجود عقيدة قتالية عسكرية للدولة، تناسب قدرات، وإمكانات، وطبيعة الأهداف المخصصة للقوة العسكرية. وتعتبر مصر من أكثر دول المنطقة ذات العقيدة القتالية العسكرية الخاصة بها، بعد خبرتها في حرب 73. العامل التاسع: التفرغ للمهام العسكرية، بمعني عدم وجود مهام إضافية أخري، تنهك القوات المقاتلة الرئيسية، وتقلل، بالتالي، من قوتها العسكرية الرئيسية. ولقد كان ذلك وضع مصر قبل حرب 67، حيث تواجد أكثر من ثلثي القوات المقاتلة في اليمن، منهكة في أعمال ليست ذات طابع تقليدي. العامل العاشر: مدي اعتماد جيوش الدولة علي الأنظمة الإلكترونية الحديثة في كافة المجالات، سواء في المعدات، أوفي استخدام الأقمار الصناعية، وأنظمة التتبع، وأنظمة تأمين خط الحدود، ... إلخ. العامل الحادي عشر: وفرة الأسلحة والمعدات المتطورة ضمن الترسانات الحربية للدول، وهوما آراه من أهم العوامل التي حققت لمصر التقدم، أربعة مراكز، في هذا التصنيف الجديد. فوجود مثل تلك الأسلحة والمعدات المتطورة، يحقق للدولة تنفيذ سياساتها الدفاعية، واستراتيجيتها في المنطقة. وقد تقدمت مصر في هذا العامل بعد قيام الرئيس السيسي بإتمام صفقة المقاتلات الرافال الحديثة، وحاملات المروحيات ميسترال من فرنسا، والغواصات البحرية من ألمانيا، إضافة إلي الطائرات الميج والسوخوي من روسيا، وبوصول تلك الأسلحة والمعدات، أصبحت مصر قادرة، فعلياً، علي تنفيذ مهامها القتالية والدفاعية، لتحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة. كان ذلك عرضاً مبسطاً للملامح الرئيسية، التي يتم علي أساسها، تقدير قوة الجيوش في العالم، وتصنيفها بين باقي الجيوش. وقد صدر هذا التقدير الأخير لمؤسسة "جلوبال فاير باور" ليضع القوات المسلحة المصرية في المركز العاشر عالمياً، لتكون قادرة علي تأمين حدودها، وأمنها القومي، وأبعادها الاستراتيجية، خاصة أن استقرار مصر بعد أحداث ثورات "الربيع العربي"، بفضل قوة جيشها، قد زاد من استهداف العديد من القوي لها.