لعب الأزهر الشريف -جامع وجامعة- دورا كبيرا في أفريقيا لنشر الدعوة الإسلامية الصحيحة، وتعليم اللغة العربية، وطارد التطرف القارة السمارة من خلال بعثات دعوية وتعليمية كان من ثمارها جيل من الأفارقة المسلمين الذين أصبح لهم شأن كبير في بلادهم بفضل الله وبسبب شرف الانتماء للمؤسسة الدينية الإسلامية الأهم في العالم. وحاليا مازال الأزهر يحتضن الآلاف من الطلاب الأفارقة ببعثات مجانية من مراحل تعليمية كالثانوية الأزهرية حتي الانتهاء من مرحلة التعليم الجامعي علي نفقته كاملة بمدينة البعوث الإسلامية التي تعتبر من أكبر التجمعات لطلاب مسلمين من مختلف الجنسيات علي مستوي العالم. ولم تكن علاقة الأزهر بأبناء القاهرة السمراء وليدة عهد حديث بل تمتد لمئات السنين حيث أكد التاريخ وكثير من الدراسات التاريخية علي أن علماء مؤسسة الأزهر لها دور كبير في نشر اللغة العربية وصحيح مفاهيم الدين الإسلامي الوسطي في معظم الدول الإفريقية منذ عهد بعيد وحتي الوقت الحالي، والذي بدأت فيه العلاقات تأخذ طابعاً أكثر فاعلية بين مصر وكثير من الدول الإفريقية للاستفادة من الخبرة المصرية في مجالات شتي.. وفي فترة الثمانيات من القرن الماضي أنشأت مصر الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا والذي يتبع وزارة الخارجية المصرية، وتمثله حاليا الوكالة المصرية للشراكة مع إفريقيا من أجل التنمية، ومهمته ايفاد الخبراء المصرية في المجالات التعليمية والصحية والهندسية والزراعية لغالبية الدول الإفريقية.. واستعان الصندوق بأعضاء من هيئة التدريس بقسم اللغات الإفريقية بجامعة الأزهر لتدريس اللغة العربية ببعض الجامعات الإفريقية مما كان له أثر بالغ الأهمية، من خلال استعانة الجامعات الإفريقية بشرق إفريقيا حتي الآن بأساتذة قسم اللغات الإفريقية في تقييم امتحانات ومناهج اللغة العربية بها.. كما ذكر »علي مبارك» في الخطط التوفيقية أن أروقة الأفارقة تعددت في الجامع الأزهر وكان منها أروقة: السنارية والدارفورية والبربر والمغاربة والجبرتية والدكارنة والفلاتة» والتي تتبع أهل أفريقيا الوسطي والبرنية التابعة لغرب أفريقيا، وكان للمعاملة الكريمة التي لاقاها الأفارقة في الأزهر الشريف دور كبير في توثيق العلاقات بين المصريين والشعوب الأفريقية. وفي القرون الماضية ترجم الأفارقة محبتهم وإجلالهم لعلماء الأزهر في تواصل حقيقي تمثل في طلب الفتوي السليمة من أهل الاختصاص، بعد أن أصبح علماء الأزهر محط أنظار العلماء الأفارقة ومصدر ثقتهم، وكثيرا ما أرسلوا بطلب المشورة والفتاوي في مسائل كثيرة وكان منها : رسالة الفقيه »اللمتوني» إلي الإمام »جلال الدين السيوطي» عام 898 ه والتي طلب فيها أن يفتيه في أحوال سلبية كانت منتشرة في غرب أفريقيا آنذاك ومنها أيضا رسائل »أحمد بابا التنبكتي» إلي علماء مصر.. كما أرسل الأزهر - منذ عهد بعيد- كثيرا من المبعوثين إلي البلدان الأفريقية لنشر الإسلام واللغة العربية، مما ساهم في انتشار الإسلام بشمال إفريقيا والصومال وغرب أفريقيا والسودان، وغيرها من دول أفريقيا.. كما أن لعلماء الأزهر مساهمات واسعة بالرؤي والأبحاث، في المؤتمرات الافريقية كما تحرص الجامعات والهيئات الثقافية والدينية الأفريقية علي حضور علماء يمثلون الأزهر في هذه المؤتمرات. كما يوجد حاليا 20 مبعوثا أزهريا بجنوب أفريقيا بالإضافة إلي 27 معهدا أزهريا تدرس المواد الدينية وفقا للتعاليم الوسطية بدول مختلفة بأنحاء أفريقيا. كما كان للأزهر دور بارز بحركات إصلاحية في أفريقيا خلال القرن التاسع عشر للقضاء علي البدع والخرافات كان زعماؤها من المتصلين بالأزهر والمتأثرين بتعاليمه مثل »المهدية» في السودان، و»السنوسية» في ليبيا، و»حركة عثمان بن فودي» في غرب أفريقيا، و»حركة الشيخ أحمدو لوبو»، و»حركة الحاج عمر التكروري» حيث احتمي هؤلاء بالثقافة الإسلامية، وتأثروا بمصر، واتصلوا بالأزهر ورجاله ويتضح ذلك جليا في كتاباتهم ومبادئهم ودعوتهم رغم بعض الخلافات بين هذه الحركات.. كما كان للأزهر دور داعم لبعض الدول الأفريقية في كفاحها الوطني من أجل الحصول علي حريتهم واستقلالهم، وحل أزماتهم السياسية ومازال حتي الآن دور الأزهر مستمرا بكافة أنواع الدعم التنويري والإنساني لإفريقيا من خلال إرسال قوافل طبية وسبل إغاثة لكثير من الدول مثل النيجر والصومال والسودان وغيرها من الدول الأفريقية. وفي أبريل الماضي تم إرسال قافلة إغاثية لأفريقيا الوسطي وسط استقبال وترحيب رئيسة البلاد برعاية الدكتور »أحمد الطيب» شيخ الأزهر. كما أقامت القافلة ندوات لنشر ثقافة التسامح والسلام والعيش المشترك بين أبناء أفريقيا الوسطي، والوقوف علي احتياجات المسلمين هناك والعمل علي زيادة المنح الدراسية بالأزهر والمساهمة في ترميم المساجد والمعاهد التي دمرتها الحرب الأهلية.. كما أرسل الأزهر في الثالث من يوليو الماضي قافلة إغاثية إلي العاصمة النيجيرية »أبوجا». ومن هنا يتبين عظمة دور الأزهر في القارة الأفريقية وامتداده التاريخي من العصر الإسلامي حتي العصر الحالي، ومازال يقدم لأفريقيا كل الدعم التنويري والإنساني حتي يضمن عيش الجميع في سلام وتآخي حث عليه الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحرص الأزهر علي بيان ونشر وسطيته في كل بقاع الأرض.