تعددت أروقة الأفارقة فى الجامع الأزهر كما ذكر «على مبارك» فى الخطط التوفيقية منها أروقة «السنارية والدارفورية والبربر والمغاربة والجبرتية والدكارنة والفلاتة» (أهل أفريقيا الوسطى) والبرنية (غرب أفريقيا)، وساهمت المعاملة الكريمة التى حظى بها الأفارقة فى الأزهر فى توثيق العلاقات وإذابة الفوارق بين المصريين والشعوب الأفريقية. وبسبب المكانة العظيمة لعلماء الأزهر الشريف أصبحوا محط أنظار العلماء الأفارقة ومصدر ثقتهم، وكثيرا ما أرسلوا بطلب المشورة والفتاوى فى أمور شتى مثل رسائل «أحمد بابا التنبكتى» إلى علماء مصر، ورسالة الفقيه «اللمتونى» إلى الإمام «جلال الدين السيوطى» 898 ه حين طلب منه أن يفتيه فى أحوال سلبية كانت منتشرة فى غرب أفريقيا آنذاك. وأرسل الأزهر المبعوثين إلى البلدان الأفريقية لنشر الإسلام واللغة العربية، مما طبع كثيرا من بلاد القارة بالصبغة الإسلامية، وانتشر الإسلام فى شمال إفريقيا والسودان والصومال وغرب أفريقيا. ولعلماء الأزهر مساهمات واسعة فى المؤتمرات الافريقية بالرؤى والأبحاث، وتحرص الجامعات والهيئات الثقافية والدينية الأفريقية على حضور ممثلى الأزهر هذه المؤتمرات. وكان عدد مبعوثى الأزهر فى جنوب أفريقيا يصل إلى 20، ويوجد حوالى 27 معهدا أزهريا فى أنحاء أفريقيا. وسعت حركات إصلاحية فى أفريقيا خلال القرن التاسع عشر كان زعماؤها من المتصلين بالأزهر والمتأثرين بتعاليمه مثل «المهدية» فى السودان، و«السنوسية» فى ليبيا، و«حركة عثمان بن فودى» فى غرب أفريقيا، و«حركة الشيخ أحمدو لوبو»، و«حركة الحاج عمر التكرورى» للقضاء على البدع والخرافات التى سادت هذه الشعوب، وتثقف هؤلاء الرجال ثقافة إسلامية، وتأثروا بمصر تأثرا شديدا، واتصلوا بالأزهر ورجاله ويتضح ذلك جليا فى كتاباتهم ومبادئهم ودعوتهم رغم الخلافات الهامشية بين مبادئ هذه الحركات. والمتتبع للعلاقات المصرية الأفريقية يتضح له أن دور الأزهر فى أفريقيا امتد إلى مؤازرة الأفارقة فى كفاحهم الوطنى من أجل الحصول على حريتهم واستقلالهم، وحل أزماتهم السياسية. وتضمن دور الأزهر أيضا إرسال قوافل طبية وسبل إغاثة إلى النيجر والصومال والسودان وغيرها من الدول الأفريقية، وذهبت قافلة إغاثية فى أبريل الماضى لأفريقيا الوسطى وسط استقبال وترحيب رئيسة أفريقيا الوسطى «وفوستين ارشانج تواديرا» برعاية الدكتور «أحمد الطيب» شيخ الأزهر وأقامت القافلة بعض الندوات لنشر ثقافة التسامح والسلام والعيش المشترك بين أبناء أفريقيا الوسطي، والوقوف على احتياجات المسلمين هناك من الناحيتين التعليمية والدعوية والعمل على زيادة المنح الدراسية بالأزهر والمساهمة فى ترميم المساجد والمعاهد التى دمرتها الحرب الأهلية. وأرسل الأزهر قافلة إغاثية أيضا إلى العاصمة النيجيرية «أبوجا» تنفيذا لتوجيهات شيخ الأزهر فى الثالث من يوليو الحالى. ومن هنا نجد أن دور الأزهر فى القارة الأفريقية ظل بارزا منذ العصر الإسلامى وحتى الآن، وتأثيره الحقيقى خارج حدود مصر يعد امتدادا طبيعيا لدوره الأصيل داخل مصر والوطن العربي.