تعتبر مؤسسة الأزهر إحدى القواعد الهامة للدور المصري في إفريقيا، لاسيما أنها المؤسسة التعليمية الأكثر إقبالا من الطلاب الأفارقة الوافدين لمصر، كما ترسل مبعوثين إلى مناطق مختلفة داخل القارة لتعليم اللغة العربية، ونشر الدين الإسلامي ، يضاف إلي ذلك وجود مراكز ومعاهد إسلامية تابعة لها منتشرة داخل إفريقيا. ويتميز الأزهر عن غيره من المؤسسات التابعة لدول أخري، في طرحه لنموذج إسلامي معتدل ووسطي يتلاءم مع المسلمين الأفارقة. كما يمتلك رجال الأزهر زخما تاريخيا في القارة يساعدهم علي أداء دورهم، فقد لعبت مؤسستهم قبل ثورة يوليو 1952، دورا سياسيا من خلال اتصالها بزعماء الحركات الإصلاحية المعارضة للاستعمار، كحركات عثمان بن فودي والحاج عمر التكروري وأحمدو لوابو في غرب إفريقيا ، وكذلك حركة السنوسية في ليبيا والمهدية في السودان. هذا الدور في إفريقيا، جاء انعكاسا للأدوار المتعددة التي لعبها الأزهر قبل ثورة يوليو، حيث كان بمثابة البيت السياسي الذي يلجأ له المصريون لمواجهة الاحتلال وظلم الحكام، كما ظهر في مقاومة الحملة الفرنسية وإشعال ثورتي القاهرة الأولي والثانية، ثم مقاومة الاحتلال الإنجليزى، و المشاركة في ثورة 1919. غير أن هذا الدور تركز بعد الثورة، واستقلال معظم الدول الأفريقية في المساحة الثقافية والتعليمية سواء باستقبال طلاب لتعليمهم الإسلام واللغة العربية أو إرسال دعاة أو إنشاء مراكز إسلامية لدعم عملية نشر الإسلام فى إفريقيا، لاسيما أن هناك أكثر من 35% من سكان القارة من الوثنيين. وحتى هذه المساحة التي ركز فيها الأزهر علي مدار أكثر من خمسة عقود بدت أمامها معوقات ضيقت من مساحة فعاليته كمؤسسة في أفريقيا، خاصة إذا علمنا أن 65% من الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر هم من الأفارقة ، كما أن 75% من المبعوثين الأزهريين للعالم يذهبون إلي قارة أفريقيا وفق مصادر بالأزهر. - الكليات الشرعية أبرز هذه المعوقات هي اقتصار منح مؤسسة الأزهر للطلاب الأفارقة الوافدين من الدول الأفريقية علي الكليات الشرعية والدينية، بينما الدخول للكليات التطبيقية (الهندسة، والطب، والزراعة) يستلزم إجراءات معقدة كطلب الدول الأفريقية، وموافقة السلطات المصرية علي الطلب. وتكشف إحدى الدراسات عن تركز معظم الطلاب الوافدين في الكليات الشرعية واللغوية ، حيث تصل نسبتهم إلي حوالي 85% ، فيما تحوز الكليات التطبيقية والعملية علي 15%. ويرى البعض في ذلك ثغرة في دور الأزهر، لاسيما أنه من المفروض مراعاة الاحتياجات التنموية لإفريقيا، كما أن التركيز علي تخريج دعاة قد لا يكون ملائما للمصالح المصرية نفسها في القارة، فالطالب الذي يتخرج فى الكليات التطبيقية ربما يكون أكثر فعالية فى مجتمعه من ذلك المتخرج من الكليات الشرعية حينما يعود لبلاده. - جامعة الأزهر إلا أن رجال الأزهر يختلفون مع وجهة النظر تلك، ويعتبرونها تحمل مؤسستهم أكثر مما تحتمل، فهناك جامعات مصرية أخري من الضروري – حسب رأيهم - أن تفتح ذراعيها بشكل أكبر للطلاب الأفارقة الراغبين في دراسة العلوم التطبيقية. اللافت للنظر أن بعض الأكاديميين المصريين يرون أن تأثير الدعاية في المجتمعات الأفريقية قد يفوق تأثير خريجي العلوم التطبيقية في ظل عدم الاستقرار السياسي للحكومات، والذي يتبعه تغيير القيادات البيروقراطية ، فالدعاة لهم تأثيرهم العميق علي هذه المجتمعات، وترتبط صورة مصر إيجابا أو سلبا بهم، وهذه التأثيرات لا تتغير بتغير الأجواء السياسية، فالعامل الثقافي أقوي من السياسي، وحتى الفنى الذى تركز عليه الدول الأوروبية، في مجتمعات تتراجع فيها أهمية العلم. وهنا يتمتع الأزهر بميزة نسبية هي امتلاكه لسمعة محترمة ومنهج وسطي لا يكتسب عداء الحكومات الأفريقية، علي عكس المناهج الإسلامية المتشددة التي تروج لها بعض الدول الراغبة في مزاحمة دور الأزهر. غير أنه حتى بافتراض التركيز علي تلك فإن بها مشاكل عدة لابد من مواجهتها، فالطالب الأفريقي الذي يحظى بمنحة في الأزهر، يصرف له 200 جنيه شهريا، بينما باقي طلاب الدول الذين يأخذون منحة يصرف لهم 160 جنيها. ورغم أن هذا يعد تمييزا للأفارقة خاصة أن هذا المبلغ يجاوره غذاء وسكن وسفر مجاني، إلا أن ذلك المبلغ يراه الكثير من الطلاب الأفارقة قليلاً للغاية، ولا يتناسب مع مستويات الأسعار في مصر، إلا أن المسئولين بالأزهر يرون أن ذلك "ليس بأيديهم"، فالميزانية المخصصة من الحكومة لمنح الأفارقة صغيرة، وتحتاج إلي مضاعفتها ، فهناك 1650 طالباً أفريقيا من أجمالي 3 آلاف طالب بمدينة البعوث الإسلامية التي واجهت ضيق مرافقها بوضع طالبين في كل غرفة بدلا من طالب واحد. - الثقافة الأفريقية يضاف إلي ذلك، فإن هناك شكاوى من الطلاب بغياب الثقافة الأفريقية وهيمنة الثقافة والتاريخ المصري عن المناهج الشرعية والدينية، فالطالب الأفريقي مثله مثل الأسيوي والمصرى، يدرس مناهج متشابهة، ورغم دفاع البعض بأن هذه المناهج دينية عامة، إلا أنه لابد من مراعاة أن الداعية المتخرج يذهب إلى بلاده ليجد واقعا قد لا يتواءم مع ما درسه، ومن ثم فإدخال مواد دراسية خاصة بالثقافات الأفريقية، وعلاقتها بالدين قد تيسر له عمله حين يعود، كما يعاني هؤلاء الطلاب الأفارقة من معاملة سيئة وجافة بل و"عنصرية" أحيانا من بعض موظفي الأزهر، بسبب المدركات السلبية لدي عامة المصريين عن إفريقيا بأنها قارة الجوع والإيدز، وهو ما يولد لدى البعض شعوراً بالاستعلاء علي الأفارقة. ورغم أن الأزهر يقبل قدوم طالبات للدراسة، وذلك خلافا لمؤسسات أخري في العالم الإسلامي التي تطلب وجود "محرم"، إلا أن هذه الميزة النسبية لا تفعل بالقدر المطلوب، فلا يزيد نسبة الطالبات عن 10% من إجمالي الأفارقة الذين يأتون إلى مصر. ورغم كل هذه المشاكل، إلا أن الأزهر مازال عليه إقبال من الطلاب الأفارقة أكبر من الجامعات المصرية، حيث يحوز علي 70% من إجمالي الطلاب القادمين إلى مصر، بل إن عددهم يزداد من عام إلى آخر، فأعداد الطلاب الأفارقة فى منتصف الثمانينات لم يكن يتجاوز ألفي طالب، وارتفع في عام 2003 ليصل إلي خمسة آلاف طالب. - مبعوثو الأزهر أما بالنسبة للشق المتعلق بإيفاد الأزهر مبعوثين أو معارين أو متعاقدين، فإنهم غالبا يكونون من المبعوثين. فقدرات الدول الأفريقية لا تستطيع استقدام معارين أو متعاقدين. ويواجه المبعوثون من الدعاة عوائق كبيرة في القارة، أبرزها عدم معرفة لغة البلدان التي يسافرون إليها، فمعظم المعارين لغتهم الفرنسية والإنجليزية ضعيفة للغاية، ناهيك عن عدم إدراكهم أو فهم لعادات وثقافات الشعوب الأفريقية أو حتى إلمامهم بطبيعة الأوضاع السياسية حولهم. ويخلق ذلك فجوة وعزلة في آن واحد بين الداعية المصري والمجتمع الأفريقي، ويروي بعض من ذهبوا إلى أفريقيا أن بعض الدعاة تنتابهم حالة من الاستياء جراء العادات التي يرونها في القارة، ولا يستطيعون التكيف معها . كما أن مشكلة مبعوثي الأزهر أنهم يحرصون علي الادخار بسبب ضعف مستواهم المعيشي في مصر، حيث يري معظمهم أن فترة البعثة إلى إفريقيا، هي لعمل مدخرات العمر، ولو علي حساب الشكل العام للداعية المصرى . ورغم أن إفريقيا تحوز علي 75 % من إجمالي المبعوثين من الأزهر إلى العالم البالغ عددهم حاليا بحوالي 400 داعية، إلا أن المشكلة أيضا تكمن فى تركزهم في الغرب والوسط الأفريقى، وبعض بلدان القرن الأفريقي، لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية، فالغرب الأفريقي معظم دوله تدين بالإسلام ومحبة للغة العربية، كما أن ثمة علاقات تاريخية مع مصر ترتبط بمكافحة الاستعمار، ولعب انتشار الطرق الصوفية في هذه المنطقة دورا في التواصل مع الأزهر. غير أن هناك مناطق في أفريقيا يقل فيها تواجد الأزهر، رغم عظم المصالح المصرية فيها مثل إثيوبيا التي يوجد بها مسلمون لا تقل نسبتهم عن 40%، ودول الجنوب الأفريقى، وهو ما يبرره البعض بضعف الميزانية المخصصة لنشاط الأزهر. وينطبق الحال علي المراكز الإسلامية في أفريقيا التي تتشابه مع ما سبق في تركزها بأفريقيا. - تحديات خارجية وخلافات للمعوقات التي ترتبط بأداء الأزهر نفسه، هناك تحديات خارجية يواجهها الأزهر حاليا، وتفرض عليه صياغة استراتيجية واضحة للتعامل معها، حتى لا تتقلص فعاليته في إفريقيا وغيرها من مناطق العالم، أبرزها الحملة علي الإرهاب التي تقودها الولاياتالمتحدة منذ عام 2001 والتي انتقلت إلى الدول الأفريقية، خاصة عقب محادثات الرئيس الأمريكي بوش مع القادة الأفارقة حينما زار خمس دول بالقارة في عام 2003. ولأن الولاياتالمتحدة تعتبر التعليم الدينى أحد العناصر التي قد تفرخ عناصر إرهابية، لذا فقد بدأت في الضغط علي بعض الدول الأفريقية ومنها مصر للتعامل مع قضايا تتصل بهذا التعليم أو مناهجه. ونال التعليم الأزهري قسطا من الهجوم، وقبل سنوات قامت إحدى البعثات الأمريكية بتفقد المعاهد الأزهرية، واطلعت على مناهجها الدراسية. يضاف إلي أن بعض المؤسسات الدينية التابعة لدول إسلامية تزاحم الأزهر في مناطق تركزه فى غرب إفريقيا، وترفض أسلوبه المعتدل، وتروج لمذاهب إسلامية متشددة. كما أن هناك عدم تنسيق بين المؤسسات العربية التي تلعب نفس الأدوار التي يلعبها الأزهر، مثل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية التي تنطلق من ليبيا. كما أن هناك بيئة معادية للعرب في بعض الدول الأفريقية وهو ما ينعكس علي مبعوثي الأزهر، فمازال بعض الأفارقة ينظرون للعربي علي أنه تاجر رقيق يحتقر السود الأفارقة. - اقتراحات إن تلافي العقبات التي تعترض دور مؤسسة الأزهر يستلزم صياغة توجه للتعامل مع القارة ينطلق من تحديد أي المناطق التي ينبغي للأزهر أن يعمل فيها، وتتوافق مع المصالح المصرية، كما أن ذلك يستتبعه دراسة لخريجى الأزهر من الطلاب، وهل بالفعل مارس خريجوه بعد عودتهم لبلادهم دورا متوازنا وسطيا معتدلا عقلانيا أم لا؟ أما علي مستوي الدعاة ومراكز الأزهر، فإذا تم تحديد المناطق الأكثر أهمية لمصر، فهذا سينعكس علي ضرورة إعداد مبعوثي الأزهر وتأهيلهم لغويا وثقافيا، وكذلك إنشاء مراكز أو معاهد للأزهر في تلك المناطق. كما أن التعاون والتنسيق بين الأزهر والمؤسسات المصرية الفنية والإعلامية العاملة في أفريقيا أصبح مهما حتى لا تضيع الجهود أو تتكرر. المصدر: ملف الأهرام الإستراتيجى