بعد مائة عام بالتمام والكمال من الوعد المشئوم لوزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور لليهود ببناء وطن قومي لهم في دولة فلسطين في عام 1917، جاء القرار المشئوم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نهاية عام 2017 بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس بما يعني الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل. في الحالتين صدر الوعد ممن لا يملك إلي من لا يستحق. يعد هذا القرار بمثابة نكبة رابعة للعرب والمسلمين، فمن وعد بلفور 2017 إلي نكبة 1948 مروراً بنكسة 1967، وأخيراً القرار الأحمق لترامب في 2017. من شأن هذا القرار أن يعرقل عملية السلام التي شرع فيها الرئيس ترامب عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. معني اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل أن تتخلي الولاياتالمتحدة عن دورها الذي كانت تدعيه كوسيط لعملية السلام، كما يعد قفزة أمريكية غير مبررة خارج إطار الشرعية الدولية، وخرقاً لجميع قرارات الأممالمتحدة مما يزيد القضية تعقيداً بدلاً من حلها. القدس ليست فقط مجرد مدينة فلسطينية، ولكنها رمز عربي وإسلامي، وقضية القدس هي أم القضايا وهي مفتاح تحقيق الاستقرار في المنطقة. ينبني السلام العادل علي إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية وتشمل قطاع غزة والضفة الغربية وحق عودة اللاجئين في أشتات الأرض إلي وطنهم فلسطين، وأي حل آخر لن يحقق السلام العادل والاستقرار في المنطقة العربية والتي تسبب فيها الاستعمار البريطاني منذ قرن من الزمان. لقد ظلت قضية القدس أحد أبرز الثوابت العربية طوال العقود الماضية من خلال الالتزام بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة علي أراضيه التاريخية وفقاً لحدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. جاء قرار دونالد ترامب تنفيذاً لتصديق الكونجرس الأمريكي علي قانون صدر عام 1995 وينص علي: »الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ويترتب علي ذلك نقل سفارة الولاياتالمتحدة إلي القدس»، ورغم مرور 27 عاماً علي هذا القانون وتتابع العديد من الرؤساء الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن أحداً من هؤلاء الرؤساء لم يضع هذا القانون موضع التنفيذ حتي جاء قرار الرئيس ترامب بتفعيل هذا القانون الأسبوع الماضي. وكانت إسرائيل قد احتلت القدسالشرقية في أعقاب حرب 1967، وأعلنت لاحقاً ضمها إلي الجانب الغربي من المدينة واعتبرتها عاصمة موحدة لها علي خلاف إرادة المجتمع الدولي وقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن. إذن القدس مدينة فلسطينية محتلة وجزء لا يتجزأ من دولة فلسطين العربية، وبالتالي يكون القرار الأمريكي باطلاً ومخالفاً لكل الأعراف الدولية، إن هذا القرار الأهوج يفقد الولاياتالمتحدة مصداقيتها كوسيط محايد » ولو في الظاهر » وكراع لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهوما يعزز خطاب الكراهية والعنف والتطرف في المنطقة. إن هذا القرار الأحمق لن يغير من الوضع القانوني للقدس وفق قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن وأبرزها القرار 242 الذي يعتبر القدسالشرقية جزءاً من الأراضي العربية المحتلة من جانب إسرائيل، وتؤكد العديد من قرارات مجلس الأمن هذه الحقيقة واعتبار ما تقوم به قوة الاحتلال الإسرائيلي من تغير في هوية المدينة باطلا ولاغيا ينطوي هذا القرار المعيب علي إهدار جميع الاتفاقيات السابقة التي تمت برعاية الولاياتالمتحدة. رفضت جميع دول العالم هذا القرار مما جعل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يصرح بأن الوضع النهائي لمدينة القدس سوف يترك للتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين. رفض كل من فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تواضروس بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مقابلة نائب الرئيس الأمريكي كرسالة إدانة واضحة من المسلمين والمسيحيين. أعجبني تعليق كوريا الشمالية علي القرار حيث أعلنت أنه لا وجود لدولة إسرائيل حتي تعترف بالقدس عاصمة لها!. السؤال الآن، هل تجرؤ الدول العربية علي تفعيل قرار القمة العربية بعمان عام 1980 الذي يقضي بقطع علاقات الدول العربية مع أي دولة تقدم علي نقل سفارتها إلي القدس؟؟