مصر كانت أول من أدرك خطورة الأطماع الإسرائيلية في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن مما جعلها تقدم كل غال ونفيس لحماية القدس، لإدراكها خطورة الموقف وآثاره علي المنطقة العربية، وهو الأمر الذي أثبتت الأحداث صحته فيما بعد. ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية ارتباط تحكمه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم، لذلك لم تكن المصالح الخاصة لها دور في العلاقات الثنائية بين الدولتين، فقبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجري في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها التي كان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت فيها، لتلعب الهزيمة في الحرب دوراً أساسيا في تفجير ثورة يوليو. وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت قضية فلسطين في مقدمة اهتمام قادة الثورة، خاصة بعد حادث غزة ضد الضباط المصريين عام 1955، وبسبب مواقف قادة الثورة، كانت إسرائيل طرفاً أساسياً في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، ثم قامت بعدوانها الواسع المنفرد عام 1967 بعد مواقف مصر السياسية الواضحة في دعم القضية الفلسطينية، والوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية في المياه والأراضي العربية، ورفضها لتهديدات بني صهيون، وفي عام 1969 وقع الرئيس جمال عبدالناصر علي توقيع اتفاقية القاهرة تدعيماً للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية الي أن توفي. ليأتي بعد ذلك الرئيس محمدأنور السادات، ويستكمل مساندة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن حقوقه في مفاوضات السلام عقب حرب أكتوبر، والتأكيد المستمر علي عروبة القدس، فكان أول من اقترح فكرة اقامة حكومة فلسطينية مؤقتة، عندما ادعت رئيسة وزراء اسرائيل »جولد مائير» بعدم وجود شعب فلسطيني وخلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد عام 1973 في الجزائر ساعدت مصر منظمة التحرير الفلسطينية حتي تتمكن من الحصول علي اعتراف كامل من الدول العربية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وفي أكتوبر عام 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً علي طلب تقدمت به مصر وقتها، وكان آخر جهود السادات هو ما بادر به بدعوة الفلسطينيين والاسرائيليين للاعتراف المتبادل. واستمر من بعده الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك علي نفس النهج، حيث توجهت الجهود السياسية والدبلوماسية المصرية إلي مساندة الموقف الفلسطيني، فساعدت مصر في إجلاء القيادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان، وفي الاتفاق الأردني الفلسطيني 1985، وفي إعلان القاهرة لوقف العمليات الخارجية 1985، وفي الانتفاضة الأولي 1987، وكذلك إعلان الدولة الفلسطينية عام 1988، وسحب السفير المصري من اسرائيل بعد وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا، وفي عام 1989 طرح مبارك خطته للسلام حيث تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف الاستيطان الاسرائيلي، وفي سبتمبر عام 1993 شارك الرئيس مبارك في توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي، وفي 2003 أيدت مصر وثيقة »جنيف» بين الاسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع في المنطقة. وأيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون عام 1993، وقامت برعاية العديد من الاتفاقات التنفيذية له في القاهرة وطابا بعد ذلك، وصولاً إلي الانتفاضة الثانية، حيث استضافت مصر القمة العالمية في شرم الشيخ، ثم مفاوضات طابا، وساندت الموقف الفلسطيني دولياً، وقامت برعاية الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، وضمان انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية بدءاً من غزة، فضلا عن إطلاق مفاوضات جادة للتسويةالسياسية. واستمر عطاء مصر حتي مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وعد الشعب الفلسطيني بالوقوف بجانبه، بعدما تعرضت غزة مؤخراً لحرب إسرائيلية شاملة وعرض مبادرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد تساقط العديد من الضحايا، كما شهدت القاهرة شهر أكتوبر الماضي إنجاح مفاوضات إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، واتفق جميع الأطراف علي ضرورة تفعيل اتفاق القاهرة وإجراء انتخابات عامة في فلسطين قبل نهاية العام الجاري. وجاء الرد المصري علي قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس حازماً، مؤكدة استنكارها لقرار الولاياتالمتحدةالأمريكية بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ورفضها لأية آثار مترتبة علي ذلك، مشددة علي أن اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفاً لقرارات الشرعية الدولية، ولن يغير من الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال وعدم جواز القيام بأية أعمال من شأنها تغيير الوضع القائم في المدينة.