الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابات، وخاصة تلك التي تتعلق بالاجناس الأدبية من شعر وقصة ومسرحية وغيرها، إذ يتطلب ذلك خبرة ومعرفة بوعي طفل اليوم، والطريقة السليمة التي يمكن الولوج إلي عالمه بلغة عربية صحيحة وفكرة ثقافية وعلمية واضحة، عالم الطفل رغم شفافيته، إلا أنه أصبح من العوالم المعقدة من أثر العوامل الخارجية التي تصنع في تشكيله، مثل الاسرة والانترنت ونوع التعليم الذي يتناوله. الكتابة للاطفال تحتاج وقفة تأمل واختيار مناسب للنص، وخاصة إذا كنا نريد أن يعرف لغته العربية دون تعقيد أو استسهال في استبدال اللغة العربية بالعامية أو باحدي اللغات الاجنبية التي باتت منتشرة ومتسربة بين اللغة العربية، مما أثر عليها، وجعلها تتراجع تراجعا كبيرا بين الاجيال في كل مراحل العمر. ما يحدث حولنا من تراجع في اللغة العربية لدي أطفالنا يدعونا إلي الوقوف مع مؤلفي قصص وحكايات الاطفال لترسيخ لغتهم العربية في كل ما يقرأونه.. صناع الحكايات والقصص يروون لنا بصوت مسموع هذا الاسبوع ما الذي يحدث مع أبطال قصصهم وهم يروون حكاياتهم للأطفال هل هم يكتبون باللغة العربية الفصحي أم بالعامية؟، وهل عندما يحاكون الأطفال يتحدثون بأي اللغتين الفصحي أم العامية، وعلي جانب آخر هل القصة المكتوبة باللغة العربية تصل للطفل فعلا ؟ وهل أطفالنا يقرأون ؟ أم يفضلون سماع الحكاية ؟ نظرة سريعة لتاريخ اللغة العربية نجد أنه في عام1888 صدر قرار خديوي بأن تكون اللغة العربية هي اللغة الأولي في المدارس، والمكاتب.وفي عام1893 يصدر رياض باشا باسم خديوي مصر قرارا بالا تعطي نظارة ( وزارة) المعارف شهادة الدراسة الابتدائية او الثانوية او النهائية لطالب لا يعرف اللغة العربية معرفة مستوفاة.وفي عام 1942 صدر القانون رقم 62 بايجاب استعمال اللغة العربية في علاقات الأفراد والهيئات بالحكومة ومصالحها وتكلف جميع الوزارات بذلك كل فيما يخصها.وفي عام 1946 يصدر القانون رقم 123 ليضيف مادة مهمة تقول : تكتب باللغة العربية لافتات المحال والشركات التجارية والصناعية ولا يمنع ان تكتب اللغة الأجنبية بجانب العربية وفي عام 1958 يصدر جمال عبد الناصر القانون رقم 115 ليؤكد كتابة العطاءات والمكاتبات والمحررات باللغة العربية..تترجم اذا كتبت بلغة أخري الي العربية.ثم يصدر المجمع اللغوي قراراته المتتابعة بلا جدوي. ماذا يحدث اليوم مع رواد أدب الطفل واللغة العربية ؟ الشاعر أحمد سويلم : العيب ليس في اللغة العربية هناك فرق كبير بيت الحديث اليومي.. ولغة الكتابة..فالحديث اليومي مقبول بالعامية الممزوجة ببعض الفصحي..أما لغة الكتابة عامة فان الفصحي تمنحها البقاء والتأثير.ولأن كل شيء يبدأ بالطفل..فاللغة ايضا باعتبارها اهم مكونات الثقافة تبدأ بالطفل.وهنا يثور سؤال : بأي مستوي لغوي نكتب لأطفالنا ؟ من المؤكد أن الفصحي متعددة المستويات من البساطة الي التعقيد.. ومن ثم فإن كاتب الطفل عليه أن يعرف اسرار هذه اللغة وعلي كل المستويات ويختار منها ما يناسب المرحلة العقلية التي يوجه اليها عمله..فالعيب اذن ليس في اللغة وإنما في من يستخدمونها.وما يشيعه البعض عن صعوبة العربية وتفضيل اللغة الأحنبية.. او العامية..يدخل في باب الاحساس بالدونية والبعد عن الهوية والأصالة. المسئولية هنا تقع اولا علي اسلوب تدريس العربية الذي يبتعد تماما عن التشويق والامتاع..ويدخل في باب الواجب الممجوج والعبء الثقيل علي السمع والعقل والحافظة.. مما يجعل الصغار ينصرفون بل ينفرون من هذه اللغة التي لا تسهم في تشكيل وعيهم.. في هذا السياق..توجد دراسات لغوية كثيرة..تبرز بساطة اللغة ومفرداتها بعيدا عن الحوشية والغموض والتعقيد.. فلماذا لاتأخذ بها المناهج وتستخدمها.. وتقدمها لأطفالنا حتي يقبلوا علي لغتهم ويفخروا بهويتهم ويستعيدوا وعيهم بها بعد ان جذبتهم اللغات الأخري الاجنبية والمهجنة ولغة الميديا الالكترونية وغيرها. ثانيا- اننا باعتبارنا اصحاب الأقلام في هذا المجال..مشاركون في مسئولية تقديم الفصحي المبسطة لاطفالنا في صياغات مناسبة ومضامين جذابة..حتي ننقذهم من هذا التشتت اللغوي الذي يسود حياتهم. كما ان هناك طرفا ثالثا يرتكب جريمة كبري في حق اللغة وهو الاعلام المرئي اذ صار يشيع تلك اللغات واللهجات البعيدة عن لغتنا الجميلة بحجة المعاصرة والتغريب تارة.. وبحجة صعوبة الفصحي علي صغارنا تارة اخري.. وليت الاعلام ينتبه الي افلام الكرتون المترجمة او الناطقة بالفصحي المبسطة السليمة والتي يلتف حولها الاطفال في متعة وسعادة. إنها مسئولية مشتركة تتطلب ارادة ووعيا واحساسا بالانتماء..واستعادة الهوية.. أنها قضية تستحق ان تكون مشروعا قوميا. سماح أبو بكر: لغتنا العربية متفردة في رحابة الصحراء وعمق البحر، وسحر الليل ووضوح النهار، تلك هي اللغة العربية.. لغة متفردة لا مثيل لها في دقتها وجمالها، تنطلق حروفها كجواد عربي أصيل لتشكل أروع التشبيهات وأدق الصفات ببراعة مدهشة ،الكثير يعتقد خطأ أن اللغة العربية صعبة، تستعصي علي الفهم، ولا يدرك أنها في غاية الجمال والرقة، فما من لغة برعت في الوصف مثلها... عشقي للغتي العربية وقراءاتي المتعددة في دواوين الشعر العربي وعيون التراث فتحت لي آفاقاً من الدهشة والبهجة ومنحتني خيالاً رحباً ، ولأن عالم الأطفال هو السحر والدهشة والخيال كان حلمي أن أسكنه ترافقني حروف لغتي العربية... يقيني أن الطفل خامة طيعة وأرض خصبة، لذا حرصت بكل نص أكتبه أن ًجعل اللغة العربية صديقة له فكانت المفردات سهلة، سلسة تتسلل حروفها حاملة أرق وأدق المعاني وأجمل التشبيهات وفيضاً من المعلومات التي تزخر بها اللغة العربية المتفردة..مثلاً في قصتي ( غابة بين الأمواج ) حرصت أن أقدم أصوات الحيوانات في أحداث القصة بأسلوب عذب بعيد عن المباشرة.. فكانت هذه الجملة ( واختلط الصهيل بالهديل، والنباح بالصياح ) يتعرف الطفل هنا علي أصوات الحمام والحصان والكلب والديك.. وهم أبطال القصة تترسخ اللغة في ذهن الطفل طالماً قدمت له بأسلوب بعيد عن المباشرة وبالفعل بعد أن قرأ الأطفال القصة وبعد عدة لقاءا ت بمختلف الفضاءات معهم ترسخت في اذهانهم المعلومة وصارت أصوات تلك الطيور والحيوانات يتردد صداها في وجدانهم.. وعن كتب التراث العربي الزاخرة بكل صنوف العلم والأدب ، قدمت للنشء كتاب ( ثلاثون كتاباً وكتاب ) وهو عرض لثلاثين كتاباً من كتب التراث العربي ومن ضمنها كتب في الشعر واللغة ككتاب ومعجم( العين ) للخليل بن أحمد الفراهيدي.. وغيرها من أمهات الكتب،و المدهش أن الكتاب لاقي إعجاباً كبيراً من النشء حتي أنني أقمت عدة ندوات لمناقشة الكتب معهم واغلبهم طلاب بمدارس دولية تطغي فيها اللغات الأجنبية علي اللغة العربية، وأدركت أننا حين نقدم للطفل أو النشء اللغة بأسلوب ممتع من خلال احداث مشوقة، لا يشعر بغربة نحوها وشيئا فشيئا يصبح صديقاً لها لينهل من بحرها الزاخر أجمل اللآلئ وأندر الأصداف، ذلك البحر الذي وصفه شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلاً علي لسانها في قصيدته الشهيرة :أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي عبده الزرّاع: اللغة والكتابة للأطفال مسئوليتنا منذ أن كتب كامل كيلاني قصصا للأطفال في عشرينيات القرن الماضي، وقد اهتم اهتماما خاصا باللغة العربية، باعتبار أنه كان محققا للتراث، لدرجة أن بعض المفردات اللغوية في الكثير من قصصه كان يصعب علي الأطفال فهمها، فيضطر إلي أن يعمل لها هامشا يبسط فيه معانيها، وجاءت أجيال من كتاب الأطفال بعد كيلاني اعتنت باللغة العربية اعتناء كبيرا مثل، جيل عادل الغضبان، وبرانق، والابراشي، انتهجوا نفس نهج الكيلاني في الكتابة بتبسيط المفردات في هامش، وكانت الأطفال في ذاك الوقت تستوعب هذه القصص وتهضمها، نظرا للإهتمام الكبير بتدريس اللغة العربية في المدارس، والاهتمام بالقراءة الحرة، وحصة المكتبة، التي ساعدت الطفل علي حب القراءة والإطلاع، ومن ثم استيعاب اللغة بسهولة ويسر، وظل الوضع علي ما هو عليه في جيل الثلاثي الشهير أحمد نجيب، وعبد التواب يوسف، ويعقوب الشاروني، هذا الجيل الذي أحدث طفرة في الكتابة، وأنتج إنتاجا غزيرا ومتنوعا، والجميل في الأمر أنه بسط في اللغة بشكل لافت، لدرجة أنه اختفي الهامش من القصص لسهولة مفرداتها، مع الوضع في الإعتبار بأن كل مرحلة عمرية من المراحل المختلفة لها قاموسها اللغوي، ومفرداتها الخاصة التي تناسب قدرات أطفال هذه المرحلة، فأطفال مرحلة ما قبل المدرسة تعتمد اعتمادا أساسيا علي الصورة والمفردات القليلة والبسيطة التي تناسب قاموسه اللغوي البسيط، وتتدرج صعوبة اللغة من مرحلة عمرية إلي أخري، والكاتب الذي لا يلتفت إلي أهمية دراسة المراحل العمرية المختلفة للطفل، ويكتب دونما النظر إلي الفئة العمرية التي يتوجه لها، يكون قد فشل في توصيل مضمون قصصه، ولأن اللغة هي الوعاء الذي يتم توصيل المضمون من خلاله، يجب علي كاتب الطفل ضرورة البحث عن المفردات البسيطة وتوظيفها لخدمة مضمون قصصه وإبداعه، وظل كتاب الأطفال في الأجيال المختلفة يهتمون باللغة العربية في الكتابة للطفل، وتجلي هذا واضحا في الإنتاج الأدبي لجيلي الستينيات سمير عبد الباقي، أحمد سويلم، وعلي ماهر عيد، وجيل السبعينيات أحمد زرزور، وأحمد الحوتي، أنس داوود، وشوقي حجاب، وجار النبي الحلو، ولم تنحدر اللغة العربية إلا من أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، خاصة بعد انحدار مستوي التعليم، وإهمال حصص الهوايات والقراءة الحرة، وحصص المكتبة التي كانت تحبب الأطفال في القراءة والاطلاع ومن ثم إتقان اللغة، بل همشت مادة التربية الدينية من المراحل التعليمية المختلفة وذلك بعدم ضمها إلي المجموع، فانصرف التلاميذ عنها كلية، رغم أهميتها في إثراء قاموس الطفل بالمفردات ومعانيها، فلم يعد يقبل الأطفال علي القراءة والاطلاع مثلما كان يحدث قديما، والذي زاد الطين بلة حينما إنتشر الانترنت في بداية الألفينية الجديدة، لدرجة أنه دخل معظم البيوت المصرية، واستطاع أن يسرق الأطفال من الكتاب والمجلة، وأصبح الجيل الجديد يقرأ علي الانترنت قراءات سريعة ليست موثقة وغير معروف مصادرها، قراءات غير مؤسسة للوعي ولا للثقافة، وظهر ما عرف بلغة »الفرانك» وهي لغة هجين يستخدمها الشباب علي الشات، هذه الكتابة -في ظني- أنها صنعت بخبث شديد للقضاء علي اللغة العربية، وهي لغة مزيج بين الانجليزية والعربية، مما ساهم بشكل لافت إلي انحدار مستوي التلاميذ في اللغة العربية، وهذا أدي إلي انحسار القراءة وعدم الاقبال عليها مثلما كان قديما، لأن البديل التكنولوجي أصبح أكثر دهشة وجذبا لعقل ومخيلة الطفل، ولكن مع انتشار ورش الحكي، وورش الكتابة والرسم، استطعنا أن نعيد الاعتبار مرة أخري للكتاب والمجلة، والمناقشات التفاعلية بين الأطفال والمؤلف من خلال الورش والندوات، وتقوم بهذا الدور الكاتبة مني لملوم من مركز الحرية للإبداع بالاسكندرية، ولذا فهناك أدوار متكاملة لترسيخ اللغة في وجدان أطفالنا، أري أولا: ضرورة اهتمام وزارة التربية والتعليم باللغة العربية في المدارس، خاصة المرحلة الابتدائية، وان تكلف كتاب وشعراء الأطفال الكبار، ان يكتبوا قصصا واشعارا خصيصا لهذه المراحل بدلا من النصوص الجافة، الخالية من الإبداع.. والتي نفرت التلاميذ من القراءة.. وان يعيدوا حصة المكتبة والقراءة الحرة كما كانت، وانا يعاد الاعتبار لمادة التربية الدينية، كما أري ضرورة ان يهتم كتاب الأطفال بزيارة المدارس، اقامة ورش للكتابه بين التلاميذ، وأن يقرأ عليهم قصصه كي يناقشوه فيها.. وأن تقرر بعض قصص الأطفال الجيدة علي مرحلة ما قبل المدرسة كي نربط التلاميذ بجماليات اللغة منذ الصغر، علاوة علي ضرورة اهتمام القائمين علي اصدار مجلات الأطفال بزيارة المدارس، واقامة ورش تفاعلية معهم، والتقاط الصور التذكارية.. ونشرها في المجلة كي نربط التلاميذ بالمجلات.. وقد قمت بهذه التجربة أثناء رئاستي لمجلة قطر الندي، ونجحت نجاحا منقطع النظير، وساهمت هذه الزيارات للمدارس وبيوت وقصور الثقافة في انحاء البلاد.. الي ارتفاع نسبة التوزيع بشكل ملحوظ. د. أماني الجندي : الطفل يواجه انشطارا لغويا لقد تعاملت مع الطفل في كل مكان في مصر من واقع دراستي التي حصلت فيها علي الدكتوراه والماجستير في الاعلام وثقافة الطفل وتخصصي في أدب شعبي للطفل بالمجلس الاعلي للثقافة، من هذا الواقع اكتشفت أنه يجب أن تتكاتف كل الجهات التعليمية والثقافية الموجهة للطفل ان تتعامل معه باللغة العربية حتي لايحدث للطفل انشطار لغوي، عندما يجد الطفل نفسه أمام تليفزيون يتحدث بالعامية واسرة تتكلم الانجليزية وسط العربية في تعاملهم اليوم ومدرسة تتحدث العربية وقد يكون معلم العربية علي مستوي جيد فيحبب الطلبة في اللغة أم معلم يكره التلاميذ في اللغة وتصبح لديهم عقدة في تعلم العربية، والحكي القصصي يجب ان يكون باللغة العربية وهي مسائل بسيطة كأن نقول للطفل أن فصلك الدراسي يقع في الدور الثالث بدل من فصلك في تالت دور، الفرق بسيط والمعني واضح ولكنه باللغة العربية الفصحي وهكذا يأتي تعاملنا مع الأطفال تدريجيا، فالاطفال يمكن تعليمهم اللغة العربية في سنوات مبكرة من خلال كلمة وصورة في مرحلة ما بين 4-6 سنوات ثم نعلم الطفل من عمر 6-7 تكوين الجملة ومن عمر 8-10 نخفي الصورة ونبرز الجملة وكلما كبر الطفل زاد شغفة بالقراءة وهنا يمكن تكوين خياله بالحكي باللغة العربية وخاصة الحكايات المتعلقة بالاساطير والخوارق لاثراء خيال الطفل والحكايات لابد ان تكون خارج المنزل في المدرسة وداخل المنزل من الام او الجدة او احد الاقارب، والحكايات التي تتعلق بالازمنة ليقارن بين التاريخ والحديث، وأهم مرحلة عمرية في حياة الطفل لتعلم اللغة هي المرحلة من عامين إلي ثلاثة أعوام.وعلي المدارس الحكومية والخاصة العودة الي مسرح المدرسة الذي يعلم الطفل إجادة اللغة العربية.