قبل المضي ليتوقف جانبا أي موضوع آخر ، فحرق كنيسة في بلادنا فعل اجرامي يدخل في مصاف الخيانة العظمي، بهذا المعيار لابد وأن يكون الحساب ... شئ آخر لابد التنويه عنه وهو أسلوب التعامل مع هذا الحدث الجلل من قبل تليفزيون الدولة ، فقد أصابت الكاميرا بالانتقال الي القرية ونقل ما يقوله أهلها مباشرة، مسلمين ومسيحيين، صوتا وصورة، بسماتهم وكلماتهم التلقائية وسجيتهم العفوية، لقد نزلت أقوالهم بردا وسلاما علي قلوبنا نحن المشاهدين المروعين لهول ما حدث . ننتقل الآن الي واشنطون من خلال ما هو أسرع من اسطورة بساط الريح والجن الأزرق .. ولنبحث عن السريرة ونفتش عن النواي التي في الصدور ... الصورة لدينا انتقلت اليهم بحذافيرها ويدركون هناك أن المصريين حريصون كل الحرص علي استعادة التعددية السياسية التي سلبت منهم ذات يوم منذ نحو ستين عاما .. ويريدون بناء نظام ديموقراطي سليم هذه الآونة وبأسرع ما يمكن و... أصوات متعددة في واشنطون تدعو وتشجع علي ضرورة دعم مصر بكل سبيل لتحقيق أهدافها هذه، ويدركون أيضا مدي ضيقنا وشكوكنا كشعب في السياسة الامريكية ، والمعونة الامريكية أو المساعدات التي تأتي منهم ويسبقها سوء الظن، فهكذا تعلمنا من تجاربنا معهم ... وزارة الخارجية الامريكية خصصت مبلغ 150 مليون دولار من فوائض معونات سابقة وتعرض تقديمها هذه الآونة لسد جانب من الخسائر الفادحة التي تتحملها البلاد، وهو قدر هزيل من معونة يمكن ان يتحملها أي مليونير مصري من الوزن الخفيف (بمعيار هذه الايام)! انما حرص أوباما أو حذره وتخفيفه من آرائه واقواله حول الاحداث في مصر وتونس أيضا، فأدت ربما الي عدم ملاحظة ما طرأ علي الاستراتيجية الامريكية من تحول ايجابي و كبير تجاه التغيير الذي يكاد يكتسح العالم العربي، رغم عدم الارتياح الذي يبديه أهم حلفاء أمريكا في المنطقة وأولهم اسرائيل والمنظمات اليهودية التابعة لها من ناحية و.. نمسك عن الحلفاء الآخرين ..! موقف أوباما هو ما اريد التوقف امامه لأنه كما ثبت مؤخرا يراهن علي اتجاه الشعوب الي الديموقراطية، ويعتبر أن الحكومات الديموقراطية عندما تقوم فهي الاكثر استقرارا في هذا العصر وبالتالي تتوافق ومصالح أمريكا أكثر من الحكومات المستبدة ، وفق التفكير السائد في الماضي.. فأوباما يعتقد انه طالما التغيير مرغوب فيه ، فهو اذن حتمي و لابد لأمريكا ان تتحالف مع هذه القوي الجديدة التي تتشكل في العالم، لأن حركة التاريخ تتحرك مسرعة ولابد من مواكبتها . ولم يكن معروفا حتي الأسبوع الماضي ، أن أوباما قد بعث بمذكرة رئاسية في شهر اغسطس الماضي الي عدة وكالات أمريكية يقول فيها إن " دلائل متعددة تدل علي عدم رضا شعبي متنام و مضاد لانظمة حاكمة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا .." و طلب من تلك الوكالات أن تستعد لتغييرات كبري ستجري، محذرا من دخول المنطقة الي مرحلة انتقال جذري ..." ولم يمض غير ستة أشهر الا والمظاهرات في الشوارع تجتاح تونس ثم مصر لتسقط نظامي حكم رئيسين عتيدين من رؤساء المنطقة وهذان حتي الآن .. أما دافيد اجناسيوس الكاتب والمحلل السياسي الأشهر لواشنطون بوست فهو من كشف عن هذه المذكرة الوثيقة و كتب يقول إن أوباما لم يبد أي بادرة لانقاذ اي من هذين الرئيسين، لأن التغيير كمبدأ لديه هو التطورالايجابي للامور، بل نائب مستشار الامن القومي قد صرح علنا بأن "لنا مصالح في استقرار تلك الدول من خلال التغيير، لأن أحوالهم ما كانت تبدو لنا بمستقرة" واضح أن واشنطون ارتأت في المد الديموقراطي الذي يقوده الشباب في العالم العربي أنه البديل المفضل لنموذج الثورة التي قد تقودها عناصر دينية كما حدث مع ثورة الملالي في ايران ، أو ربما في ثورة تقودها عناصر من منظمة القاعدة... فالبيت الأبيض قام بدراسة شاملة لتجارب تحولات ديموقراطية سابقة في كل من اندونيسيا والفلبين وصربيا وبولندا وتشيلي وغيرهم.. واستقر الرأي علي أن تغييرا ديموقراطيا يحدث هو الأقل خطرا علي مصالح امريكا من الرهان علي الانظمة المستبدة.. خصوصا بعدما تأكد أن متطرفين اسلاميين لم يختطفوا التغيير، لا في مصر ولا في تونس، ولا أثر لنفوذ منظمة مثل القاعدة في التغيير بل توصلوا إلي ان هذه تغييرات يمكن التعايش معها.. قد تكون العلاقة مع مصر بنظامها الجديد مختلفة عما سبق، وربما تكون ارضية العلاقة وعرة عن ذي قبل، ولكن لا اعتقاد لديهم بانها ستكون علاقة عدائية بالمعني المفهوم . لذا ولكل ما ذكر في السطور السابقة، تموج في واشنطون حاليا نوعية اهتمام بمصر يفوق المعهود، مع قدر غير قليل من التعاطف أيضا .. ولذا توجد نوعيات شتي من معونات يمكن أن تدفع واشنطون بسهولة الي تقديمها هذه الآونة ، مع الادراك بأن الشعب المصري عازف عن التطلع الي أمريكا ولنا شكوكنا حول نواياها، الا أننا نري أيضا وفي ذات الوقت أن من مصلحة الولاياتالمتحدة ان تعوض بدلائل عن حسن نواياها منها الآتي: أولها الاعفاء من الديون، فإن مصر مدينة بمليارات للولايات المتحدة ولأوروبا و هذه ديون يمكن اسقاطها أوضغطها بنحو وافر... ثانيا اتفاقية تجارة حرة تفضيلية مع مصر سبق وكاد أن يبدأ التفاوض حولها في عهد بوش (2005) ثم حدث تراجع لأسباب غير مفهومة .. ثالثا دفع شركات القطاع الخاص الامريكي للاستثمار في مصر.. واخيرا وليس آخرا أن تقدم أمريكا الدعم بكل سبيل للنظام الجديد في مصر لتثبت انها جادة في وقوفها مع طموحاتنا أو: سيتذكر الشعب ذلك جيدا!