خلال 15 يومًا فقط.. 5843 فرصة عمل جديدة في 31 شركة ب 10 محافظات    سيد عبد العال رئيس حزب التجمع ل"صوت الأمة": حديث الرئيس طمأن الجميع.. والقضاء الملاذ الآمن لحفظ الحقوق والدفاع عنها    وزير الاتصالات يؤكد الحرص على تمكين الشباب من المنافسة فى سوق العمل الحر    الجامعة اليابانية تبرز زيارة "أخبار اليوم".. شراكة لنموذج تعليمي فريد    النائب أمين مسعود: ضرورة وجود استراتيجية واضحة للصناعة    روسيا- أوكرانيا.. ماراثون دبلوماسى للبحث عن حل سياسى    الخارجية الروسية تحذر من محاولات الاستيلاء على الأصول السيادية في الغرب    فليك: برشلونة يسير على الطريق الصحيح.. ولامين يامال رائع    تقارير تكشف علاقة سارة نتنياهو باختيار رئيس الموساد الجديد.. اعرف التفاصيل    هشام نصر: هذه حقيقة فسخ عقد "بنتايج" وجلسة الأسبوع المقبلة لمناقشة تطورات أرض أكتوبر    تأجيل محاكمة مسؤول وآخرين في قضية رشوة مصلحة الضرائب    تأجيل محاكمة 25 متهما بقضية "هيكل اللجان الإدارية" لجلسة الغد    المتسابق مهنا ربيع: كرسي دولة التلاوة له هيبة    أصالة تحسم جدل انفصالها عن فائق حسن : «الناس صارت قاسية»    عمومية المحامين توافق على زيادة المعاشات وعزل مراقب الحسابات (فيديو)    طالب يُنهي حياته شنقًا داخل منزل أسرته في قنا    بعد 4 أشهر من الزفاف.. زوج ينهي حياة زوجته بالمنوفية    شيكابالا يطالب مجلس الزمالك بالرحيل بعد أسوأ فترات النادي    جولة إعلامية موسعة لوزير السياحة بالولايات المتحدة لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية    أول ظهور فني لزوجة مصطفى قمر في كليب "مش هاشوفك"    محمد كريم على السجادة الحمراء لفيلم جوليت بينوش In-I in Motion بمهرجان البحر الأحمر    أسعار مواد البناء مساء اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة    تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم    «هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    قرار قضائي ضد مساعدة هالة صدقي في اتهامات بالتهديد والابتزاز    جوائز ب13 مليون جنيه ومشاركة 72 دولة.. تفاصيل اليوم الأول لمسابقة القرآن الكريم| صور    «أسرتي قوتي».. قافلة طبية شاملة بالمجان لخدمة ذوي الإعاقة بالمنوفية    أسلوب حياة    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصيب فلسطينيين اثنين بالرصاص شمال القدس    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب والفنون والسير الشعبية والجسور العربية
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 18 - 08 - 2017

أتاحت لي الكتابة، عن العمل الجليل الذي أنجزه وينجزه مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، أن أطوف بالتراث الشعبي.. معتقداته وعاداته وتقاليده وآدابه وفنونه وسيره وملاحمه وأساطيره ومواويله وأغانيه وأشعاره وحرفه ومنتجاته.
وأن أجمع ما كان مبعثرًا في الذاكرة أو المكتبة من معلومات ومؤلفات متفرقة وضعها الأعلام ومن واصلوا من بعدهم، وبذلوا في جمعها وتحليلها جهودًا مضيئة صارت بها مع العمل الرائع لمركز توثيق التراث في متناول الباحث تبعًا لغوصه وتحليله لاستنطاق ما تراكم علي مر الدهور.. قيمة هذا التراث أنه تعبير تلقائي عن الناس.. انبعث كما ينقل رشدي صالح عن » هويتمان »‬ من عمل أجيال عديدة من البشرية من معتقداتها ومعارفها وأفراحها وأحزانها وضرورات حياتها.. أساسه العريض قريب من الأرض التي شقتها الفئوس، أما شكله النهائي فمن صنع الجماهير المغمورة المجهولة.. أولئك الذين يعيشون لصق الواقع !
لا يخطيء الجائل في الأدب والفنون والسير الشعبية، كيف حملت أصداءً من هنا وهناك بالمنطقة العربية في دلالة تلقائية واضحة علي الجسور الممتدة بينها منذ فجر التاريخ، لم تمنع خصوصية الأدب الشعبي والفنون الشعبية في بعض البلدان والأقطار، مثلما لم تمنع في أقاليم القطر الواحد، من وجود قواسم مشتركة وأصداء متلاقية توري بأن الأدب والفن الشعبي في المنطقة العربية عامة دليل علي اتصال وتواصل وامتزاج وتفاعل وانصهار لم يصنعه قرار، وإنما عبر تعبيرًا تلقائيا للإنسان العربي في أدبه وفنه وشعره وسيره، شفاهةً وكتابةً، فقام هذا التراث شاهدًا تلقائيًا لا يستطيع أحد أن يغض دلالته علي الجسور الممتدة في قلب وأطراف المنطقة العربية والضاربة في أعماق السنين.
تري هذا الامتزاج شاخصًا وأنت تتابع كيف كانت مقامات بديع الزمان والحريري مقدمة لنشأة »‬ خيال الظل » الذي كتب عنه الدكتور عبد الحميد يونس يقول : »‬ المقامة في أصلها أدب تمثيلي، وأنها من القيام في دار الندوة إبان العصر الجاهلي »، و»‬ أنها كانت تمثيلاً مباشرًا متواصلاً يقوم به ممثل فرد ».. عادت المقامة من حيث بدأت، وجعلت تتطور حتي دخلت المسرح عن طريق »‬ خيال الظل »، ومنها جعلت تتطور فنون الفرجة والعرض المسرحي. موجات التأثر بهذه المقامات عبر خيال الظل وما أدي إليه، عمت أصداؤها المنطقة العربية طولاً وعرضًا.. تري هذا جليًا وأنت تتابع ما كتبه الأستاذ فاروق خورشيد رائد الأدب الشعبي، في كتابه الضافي »‬ الجذور الشعبية للمسرح العربي ». فيه تتبع الموروث الشعبي وملامحه الدرامية في القول والأحلام والكهانة والسحر والجنون، ينطلق من قاعدة أن التراث الشعبي شامل يعني عالما متشابكًا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلي بيئة، ومن مكان إلي مكان، في المحيط العربي وفي ضمير الإنسان العربي. منذ مطلع التاريخ وهذه المنطقة فيما يقدم فاروق خورشيد لعمله مرتبطة ارتباطًا كاملاً باعتبارها بؤرة جغرافية موحدة المصالح والموقف التاريخي وتتبادل مراكز النقل الحضاري من الشرق والغرب والجنوب، وهذا التواصل والاستمرار في تبادل المعلومة والمعرفة العامة، والإبداع الفكري والفني، كفل نوعًا من التزاوج العرقي والاجتماعي والفكري، وجعل تبادل الفكر سمتًا عبر عن نفسه في تراثنا الشعبي، وفي مسرحنا العربي.. يتابع فاروق خورشيد بحثه عن الملامح المسرحية في الموروث الشعبي في كتابات الأقدمين ومعالجات المحدثين، وعن أثر الزار في المسرح المعبدي، ودور »‬ خيال الظل »، مارًا بما كانت تمثله في القديم مجالس السمر وما يرويه القصاص الذي يحكي حكايات الماضي وقصص الأولين، ودور »‬ المقامة » في التمهيد للمسرح.
هذه الانعكاسات التبادلية في المحيط العربي قد استلهمت السير الشعبية والأشعار وألف ليلة وليلة، وكلها ذات مضامين عربية، قدمت المادة العربية الشعبية التراثية للبدايات المسرحية الأولي في المحيط العربي بعامة، متمثلة في مسرح الشارع.. في ملاعب اللهو والبهلوانات والسيرك والحواة الذين يلعبون بالثعابين ومروضي القرود، وملاعب المصارعين والملاكمين والمبارزين وضاربي الودع وفتح الرمل ونافخي النيران وأماكن مصارعة الديكة، وفي فنون المخايلة التي تمثلت في خيال الظل وصندوق الدنيا والأراجوز وعروض فرق المحبظين، والتي ربطت في النهاية بين إرهاصات المسرح العربي الشعبي هنا وهناك ثم بالمسرح والأدب المعاصر الذي لا يزال للآن يستلهم التراث الشعبي العربي في ألف ليلة وليلة وفي غيرها.
أمارات وشواهد هذه الجسور موجودة ظاهرة في العادات والتقاليد، وفي القصص والسير والأساطير والمأثورات الشعبية، وفي الكتابات عن التراث الشعبي حتي وإن لم يعن الكاتب بالإشارة الصريحة إليها.. تراها ما دمنا قد تكلمنا عن المسرح، في كتب علي الراعي عن »‬ مسرح الشعب » : الكوميديا المرتجلة، وفنون الكوميديا من خيال الظل إلي نجيب الريحاني.. في كتابي رائد الأدب الشعبي الدكتور عبد الحميد يونس عن الظاهر بيبرس، وعن الحكاية الشعبية.. فيما كتبه الدكتور شكري عياد عن البطل في الأدب والأساطير، وفي كتابات أحمد رشدي صالح عن الفنون الشعبية والأدب الشعبي. فيما كتبه فاروق خورشيد في أدب وفن السيرة، وفي أدب الأسطورة عند العرب، وفي إبداعاته التراثية : حبظلم بظاظا، وعلي الزيبق، وملاعيب علي الزيبق، وسيف ابن ذي يزن ومغامراته، وفيما كتبته الدكتورة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة وما تضمنته من سير شعبية كسيرة الأميرة ذات الهمة. . ولعل السير الشعبية من أبرز عناصر التراث الشعبي دلالةً علي الاتصال والتواصل والتفاعل والامتزاج والانصهار في المحيط العربي. فسيرة عنترة بن شداد ضاربة في العصر الجاهلي والمعلقات، ممتدة إلي ما بعد ظهور الإسلام. ومع أن حيز وقائعها كان في شبه الجزيرة العربية، فإنك تلمح آثارها وعلامات الانصهار في سيرة ذات الهمة التي شبهت بطلها »‬ الصحصاح » بعنترة بن شداد، وكذلك سيرة حمزة البهلوان، وفي كثير من السير الشعبية التي بدا تأثرها بسيرة عنترة بن شداد في التشبيهات وفي طريقة رسم الأبطال ووصفهم وفي تقليد الأحداث. تجد المشكلة الاجتماعية الحاضرة في سيرة عنترة، حاضرة أيضًا وشاغلة للمجتمع العربي هنا وهناك في كثير من السير والموروث الشعبي بعامة.. وكيف يرجع الانتباه إلي عيوب الرق والتفرقة العنصرية إلي سيرة بلال ابن رباح وسلمان الفارسي وعبادة بن الصامت في الإسلام.. عن تأثير سيرة الأميرة ذات الهمة، كتب الدكتور فؤاد حسنين : »‬ وقد أثرت تأثيرا كبيرا في العالم الإسلامي حتي أن الأديب التركي ابتدع قصة أخري تستمد من قصصنا العربية خيالها وبعض وقائعها، وهي التي تعرف باسم سيد البطال ».. بل إن سيرة ذات الهمة تعكس صراع الأمة العربية بكاملها تجاه الغزو الأجنبي وأمام دولة الروم. أما سيرة الظاهر بيبرس فتكاد أن تكون امتدادا لسيرة الأميرة ذات الهمة من الناحية الزمنية، وفيها تلمح كيف اتسع في السيرة مدلول كلمة »‬ عربي » اتساعًا ضخما يشمل التركيب الاجتماعي السائد في المنطقة كلها التي تجمعها مصالح مشتركة ويهددها خطر واحد وتدين كلها بتعاطف من عناصره : الدين واللغة والامتزاج الذي انعكس في إحساس حاضر بالتوحد. تجد الأبطال والشخصيات تدور بين الأكراد والأيوبيين، وبلاد فارس وإيران، وبعضهم من الأتراك كالظاهر بيبرس. وآخرون من أبناء سيناء كشيحة الذي يعود نسبه إلي غزة، وبعضهم ينبع من حواري القاهرة، وآخرون من الشام ومن المغرب ومن طنجة بمراكش. حين تبدأ أحداث سيرة الظاهر بيبرس الخروج من مصر إلي المحيط العربي كله، تراها تتجه منذ المناوشات الأولي للحروب الصليبية إلي الاتجاه القومي في مواجهة هذا الغزو الصليبي، وتنعكس بذلك عناصر التوحد بين أبناء المنطقة العربية، وتجعل من هذه المنطقة مجالاً واحدًا تتحرك فيه روح المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.