تفاصيل مشاركة تنسيقية شباب الاحزاب باجتماع القائمة الوطنية    فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ حتى الخميس 10 يوليو غدا    «التنمية المحلية»: ضخ قروض تتجاوز 33 مليار جنيه ضمن برنامج «مشروعك»    خريطة الأسعار اليوم: ارتفاع الجمبري والخيار والذهب    حصاد جلسات مجلس النواب 29 يونيو – 2 يوليو 2025    وزارة البترول: إعلانات التوظيف على مواقع التواصل وهمية وتستهدف الاحتيال    نائب وزير خارجية إيران: سنواصل تخصيب اليورانيوم لكن أبواب الدبلوماسية لا تزال مفتوحة    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    المصري يواصل استعداداته للموسم الجديد بمران بدني على شاطئ بورسعيد    وفاة سائق قطار تعرض لنوبة قلبية بعد توقفه بمحطة التحرير بالبحيرة    غدا.. الطقس شديد الحرارة وشبورة ورطوبة مرتفعة والعظمى بالقاهرة 36 درجة    هاني فرحات يقود أوركسترا حفل أنغام بمهرجان العلمين الجديدة 18 يوليو    «الصحة» تنظم ورشة عمل لمكافحة نواقل الأمراض وتعزيز كفاءة النظام الصحي والوقائي    بيان عاجل من "عمال مصر" بشأن إعلان افتتاح سد النهضة    اليونان.. السيطرة على حرائق في كريت وأثينا    وظائف برواتب مجزية في 10 محافظات - التخصصات وطريقة التقديم    خارطة طريق وسام أبو علي.. هل يكرر الأهلي ما فعله مع ديانج وأزارو؟    كيف نميز بين التهاب الأمعاء والقولون التقرحي؟    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    جهاز المشروعات يتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم المشروعات الصغيرة    احذر.. الحبس وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة الامتناع عن تسليم الميراث    حريق يلتهم محتويات شقة سكنية في العمرانية الشرقية| صور    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 145 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    عمرو دياب يحيي حفلًا ضخمًا ب«مهرجان العلمين».. في هذا الموعد    محافظ المنوفية: تحرير 220 محضرًا تموينيًا خلال يومين من الحملات التفتيشية    مصرع طفلة وإصابة 3 أشخاص صدمهم أتوبيس فى الدقهلية    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    "صحة أسيوط" تُغلق 36 منشأة طبية خاصة في حملات تفتيش مكثفة بالمحافظة    صفقة نيكو ويليامز إلى برشلونة تدخل نفق التعقيدات.. والشرط "المرفوض" يعطّل الحسم    وزير الأوقاف يدين اغتيال الاحتلال مدير المستشفى الإندونيسي بغزة    حمو بيكا يوضح حقيقة اعتزاله الغناء بعد وفاة صديقه المطرب أحمد عامر    18 يوليو.. أنغام تفتتح الدورة الثالثة لمهرجان العلمين الجديدة 2025    النائب هيثم الشيخ: نطالب بتمهيد الطريق أمام الشباب للتمثيل بالقائمة الوطنية    برعاية المحافظ.. سائحون يشاركون في معرض التراث بمتحف شرم الشيخ    السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    محافظ الإسماعيلية يطلق مبادرة لتخفيض أسعار الأسماك وتنشيط السوق الجديد    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    منتخب الهوكى يفتتح مشواره فى بطولة الأمم الثلاث الدولية بمواجهة كرواتيا    معركة حطين.. ما يقوله جرجى زيدان عن انتصار صلاح الدين الأيوبى    حملات بالمدن الجديدة لضبط وإزالة وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره النرويجي    "ضريبة البعد" تتصدر تريند تويتر في مصر فور طرح ألبوم أصالة.. والأغنية من ألحان مدين    مستوطنون يحاولون إحراق منزل جنوب نابلس.. وإصابات بالضرب والغاز خلال اقتحام بيتا    مدحت العدل: الزمالك بحاجة إلى ثورة إدارية.. والاعتراض على تعيين إدوارد «كلام قهاوي»    الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني    هل يجوز صيام عاشوراء فقط؟.. ماذا قال النبي وبماذا ينصح العلماء؟    ننشر كل ما تريد معرفته عن «يوم عاشوراء»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 4-7-2025 في محافظة قنا    رمضان السيد ينتقد تعاقد الزمالك مع جون إدوارد: النادي لا يحتاج إلى سماسرة    الهلال يُكرم حمد الله قبل موقعة فلومينينسي في مونديال الأندية    «أوقاف شمال سيناء»: تنفيذ قوافل دعوية في 3 مراكز للشباب الأربعاء المقبل    الصحة بشمال سيناء: فرق طبية شاملة لشواطئ العريش حتى نهاية الصيف    تفاصيل استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي من حزب الوعي    ترامب: برنامج إيران النووي دمر بالكامل وهذا ما أكدته وكالة الطاقة الذرية    يوم طار باقي 9 أيام، إجازات الموظفين في شهر يوليو 2025    ردد الآن| دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة 4 يوليو 2025.. اللهم أجرنا من النار، واصرف عنا كل مكروه، وأرض عنا يا أرحم الراحمين    أضرار النوم الكثير، أمراض القلب والاكتئاب وضعف المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب والفنون والسير الشعبية والجسور العربية
مدارات
نشر في أخبار اليوم يوم 18 - 08 - 2017

أتاحت لي الكتابة، عن العمل الجليل الذي أنجزه وينجزه مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، أن أطوف بالتراث الشعبي.. معتقداته وعاداته وتقاليده وآدابه وفنونه وسيره وملاحمه وأساطيره ومواويله وأغانيه وأشعاره وحرفه ومنتجاته.
وأن أجمع ما كان مبعثرًا في الذاكرة أو المكتبة من معلومات ومؤلفات متفرقة وضعها الأعلام ومن واصلوا من بعدهم، وبذلوا في جمعها وتحليلها جهودًا مضيئة صارت بها مع العمل الرائع لمركز توثيق التراث في متناول الباحث تبعًا لغوصه وتحليله لاستنطاق ما تراكم علي مر الدهور.. قيمة هذا التراث أنه تعبير تلقائي عن الناس.. انبعث كما ينقل رشدي صالح عن » هويتمان »‬ من عمل أجيال عديدة من البشرية من معتقداتها ومعارفها وأفراحها وأحزانها وضرورات حياتها.. أساسه العريض قريب من الأرض التي شقتها الفئوس، أما شكله النهائي فمن صنع الجماهير المغمورة المجهولة.. أولئك الذين يعيشون لصق الواقع !
لا يخطيء الجائل في الأدب والفنون والسير الشعبية، كيف حملت أصداءً من هنا وهناك بالمنطقة العربية في دلالة تلقائية واضحة علي الجسور الممتدة بينها منذ فجر التاريخ، لم تمنع خصوصية الأدب الشعبي والفنون الشعبية في بعض البلدان والأقطار، مثلما لم تمنع في أقاليم القطر الواحد، من وجود قواسم مشتركة وأصداء متلاقية توري بأن الأدب والفن الشعبي في المنطقة العربية عامة دليل علي اتصال وتواصل وامتزاج وتفاعل وانصهار لم يصنعه قرار، وإنما عبر تعبيرًا تلقائيا للإنسان العربي في أدبه وفنه وشعره وسيره، شفاهةً وكتابةً، فقام هذا التراث شاهدًا تلقائيًا لا يستطيع أحد أن يغض دلالته علي الجسور الممتدة في قلب وأطراف المنطقة العربية والضاربة في أعماق السنين.
تري هذا الامتزاج شاخصًا وأنت تتابع كيف كانت مقامات بديع الزمان والحريري مقدمة لنشأة »‬ خيال الظل » الذي كتب عنه الدكتور عبد الحميد يونس يقول : »‬ المقامة في أصلها أدب تمثيلي، وأنها من القيام في دار الندوة إبان العصر الجاهلي »، و»‬ أنها كانت تمثيلاً مباشرًا متواصلاً يقوم به ممثل فرد ».. عادت المقامة من حيث بدأت، وجعلت تتطور حتي دخلت المسرح عن طريق »‬ خيال الظل »، ومنها جعلت تتطور فنون الفرجة والعرض المسرحي. موجات التأثر بهذه المقامات عبر خيال الظل وما أدي إليه، عمت أصداؤها المنطقة العربية طولاً وعرضًا.. تري هذا جليًا وأنت تتابع ما كتبه الأستاذ فاروق خورشيد رائد الأدب الشعبي، في كتابه الضافي »‬ الجذور الشعبية للمسرح العربي ». فيه تتبع الموروث الشعبي وملامحه الدرامية في القول والأحلام والكهانة والسحر والجنون، ينطلق من قاعدة أن التراث الشعبي شامل يعني عالما متشابكًا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلي بيئة، ومن مكان إلي مكان، في المحيط العربي وفي ضمير الإنسان العربي. منذ مطلع التاريخ وهذه المنطقة فيما يقدم فاروق خورشيد لعمله مرتبطة ارتباطًا كاملاً باعتبارها بؤرة جغرافية موحدة المصالح والموقف التاريخي وتتبادل مراكز النقل الحضاري من الشرق والغرب والجنوب، وهذا التواصل والاستمرار في تبادل المعلومة والمعرفة العامة، والإبداع الفكري والفني، كفل نوعًا من التزاوج العرقي والاجتماعي والفكري، وجعل تبادل الفكر سمتًا عبر عن نفسه في تراثنا الشعبي، وفي مسرحنا العربي.. يتابع فاروق خورشيد بحثه عن الملامح المسرحية في الموروث الشعبي في كتابات الأقدمين ومعالجات المحدثين، وعن أثر الزار في المسرح المعبدي، ودور »‬ خيال الظل »، مارًا بما كانت تمثله في القديم مجالس السمر وما يرويه القصاص الذي يحكي حكايات الماضي وقصص الأولين، ودور »‬ المقامة » في التمهيد للمسرح.
هذه الانعكاسات التبادلية في المحيط العربي قد استلهمت السير الشعبية والأشعار وألف ليلة وليلة، وكلها ذات مضامين عربية، قدمت المادة العربية الشعبية التراثية للبدايات المسرحية الأولي في المحيط العربي بعامة، متمثلة في مسرح الشارع.. في ملاعب اللهو والبهلوانات والسيرك والحواة الذين يلعبون بالثعابين ومروضي القرود، وملاعب المصارعين والملاكمين والمبارزين وضاربي الودع وفتح الرمل ونافخي النيران وأماكن مصارعة الديكة، وفي فنون المخايلة التي تمثلت في خيال الظل وصندوق الدنيا والأراجوز وعروض فرق المحبظين، والتي ربطت في النهاية بين إرهاصات المسرح العربي الشعبي هنا وهناك ثم بالمسرح والأدب المعاصر الذي لا يزال للآن يستلهم التراث الشعبي العربي في ألف ليلة وليلة وفي غيرها.
أمارات وشواهد هذه الجسور موجودة ظاهرة في العادات والتقاليد، وفي القصص والسير والأساطير والمأثورات الشعبية، وفي الكتابات عن التراث الشعبي حتي وإن لم يعن الكاتب بالإشارة الصريحة إليها.. تراها ما دمنا قد تكلمنا عن المسرح، في كتب علي الراعي عن »‬ مسرح الشعب » : الكوميديا المرتجلة، وفنون الكوميديا من خيال الظل إلي نجيب الريحاني.. في كتابي رائد الأدب الشعبي الدكتور عبد الحميد يونس عن الظاهر بيبرس، وعن الحكاية الشعبية.. فيما كتبه الدكتور شكري عياد عن البطل في الأدب والأساطير، وفي كتابات أحمد رشدي صالح عن الفنون الشعبية والأدب الشعبي. فيما كتبه فاروق خورشيد في أدب وفن السيرة، وفي أدب الأسطورة عند العرب، وفي إبداعاته التراثية : حبظلم بظاظا، وعلي الزيبق، وملاعيب علي الزيبق، وسيف ابن ذي يزن ومغامراته، وفيما كتبته الدكتورة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة وما تضمنته من سير شعبية كسيرة الأميرة ذات الهمة. . ولعل السير الشعبية من أبرز عناصر التراث الشعبي دلالةً علي الاتصال والتواصل والتفاعل والامتزاج والانصهار في المحيط العربي. فسيرة عنترة بن شداد ضاربة في العصر الجاهلي والمعلقات، ممتدة إلي ما بعد ظهور الإسلام. ومع أن حيز وقائعها كان في شبه الجزيرة العربية، فإنك تلمح آثارها وعلامات الانصهار في سيرة ذات الهمة التي شبهت بطلها »‬ الصحصاح » بعنترة بن شداد، وكذلك سيرة حمزة البهلوان، وفي كثير من السير الشعبية التي بدا تأثرها بسيرة عنترة بن شداد في التشبيهات وفي طريقة رسم الأبطال ووصفهم وفي تقليد الأحداث. تجد المشكلة الاجتماعية الحاضرة في سيرة عنترة، حاضرة أيضًا وشاغلة للمجتمع العربي هنا وهناك في كثير من السير والموروث الشعبي بعامة.. وكيف يرجع الانتباه إلي عيوب الرق والتفرقة العنصرية إلي سيرة بلال ابن رباح وسلمان الفارسي وعبادة بن الصامت في الإسلام.. عن تأثير سيرة الأميرة ذات الهمة، كتب الدكتور فؤاد حسنين : »‬ وقد أثرت تأثيرا كبيرا في العالم الإسلامي حتي أن الأديب التركي ابتدع قصة أخري تستمد من قصصنا العربية خيالها وبعض وقائعها، وهي التي تعرف باسم سيد البطال ».. بل إن سيرة ذات الهمة تعكس صراع الأمة العربية بكاملها تجاه الغزو الأجنبي وأمام دولة الروم. أما سيرة الظاهر بيبرس فتكاد أن تكون امتدادا لسيرة الأميرة ذات الهمة من الناحية الزمنية، وفيها تلمح كيف اتسع في السيرة مدلول كلمة »‬ عربي » اتساعًا ضخما يشمل التركيب الاجتماعي السائد في المنطقة كلها التي تجمعها مصالح مشتركة ويهددها خطر واحد وتدين كلها بتعاطف من عناصره : الدين واللغة والامتزاج الذي انعكس في إحساس حاضر بالتوحد. تجد الأبطال والشخصيات تدور بين الأكراد والأيوبيين، وبلاد فارس وإيران، وبعضهم من الأتراك كالظاهر بيبرس. وآخرون من أبناء سيناء كشيحة الذي يعود نسبه إلي غزة، وبعضهم ينبع من حواري القاهرة، وآخرون من الشام ومن المغرب ومن طنجة بمراكش. حين تبدأ أحداث سيرة الظاهر بيبرس الخروج من مصر إلي المحيط العربي كله، تراها تتجه منذ المناوشات الأولي للحروب الصليبية إلي الاتجاه القومي في مواجهة هذا الغزو الصليبي، وتنعكس بذلك عناصر التوحد بين أبناء المنطقة العربية، وتجعل من هذه المنطقة مجالاً واحدًا تتحرك فيه روح المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.