الحلقة الرابعة والأخيرة من هذه السلسلة سوف نستعرض بعض المعلومات والوقائع في محاولة لتحديد المسئولية الإنسانية والقانونية لتنظيم الإخوان عن الدماء التي أريقت وكيف كان يمكنها أن تحقن تلك الدماء، ولولا أن سيطرت عليها حالة العناد التنظيمي والاستعلاء الديني والعداء والكراهية الشديدين للدولة المصرية لكان من الممكن أن تحقق النتائج التالية: عصمة الدم. منح الجماعة فرصة للعودة والاندماج في المشهد السياسي. اكتساب أطراف أخري ستتضامن معها سياسيا. كسب تعاطف المجتمع الدولي. منح الجماعة فرصة لمصداقية جديدة. لكن يبدو أن الجماعة كانت محملة بفواتير معلنة لتنظيمات إرهابية تحالفت معها، وفواتير أخري خفية مع أجهزة دولية. كانت فرص الجماعة لحقن الدم متاحة ومتعددة وإليك بعض الحقائق للتدليل علي أن الجماعة قد أقدمت علي سفك الدماء مع سبق الإصرار والترصد، إليك تلك الحقائق: تذكر وقتما ظهر المرشد محمد بديع أعلي منصة رابعة في الجمعة الأولي بعد عزل مرسي أي يوم 5 يوليو قبلها كانت قد جرت معه اتصالات لاحتواء شباب الجماعة مقابل المشاركة في خارطة الطريق من خلال حزب الحرية والعدالة وكان من المفترض أن يعتلي المنصة تنفيذا لهذا الاتفاق إلا أنه استغل ظهوره المعلن لتحريض شباب الجماعة وتكليفهم بالتمسك بشرعية مرسي. عشية يوم الفض تعمدت الدولة تسريب خبر التحرك للإعلام والمنظمات الحقوقية لمنح الجماعة فرصة للتراجع والانصراف من خلال الممر الآمن إلا أن الجماعة أصرت علي عنادها. قبل الفض كان الشيخ محمد حسان وهو حي يرزق قد بادر بمحاولة للإصلاح والحوار والتفاوض وعندما ذهب إلي الاعتصام عائدا من لقائه مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي آنذاك، التقي بقيادات الإخوان الذين رفضوا الاستماع له وعندما وجه سؤاله لمفتي الجماعة عبدالرحمن البر »هل الدماء المتوقعة ظنية أم يقينية؟» فأجابه البر بأنها »دماء يقينية». وليلة الفض كان أحد قيادات الجماعة ويدعي محمد علي قد نصح أعضاء مكتب الارشاد بالانصراف حقنا للدماء إلا انهم اتهموه بالخذلان ولم تنقض ساعة حتي كان قد قتل داخل الاعتصام وقبل الفض وأثبت تقرير الصفة التشريحية وفاته بطلق ناري عيار 9 مم استقر بالرأس اطلق عليه من مسافة قريبة وقبل بدء الفض. بعد عملية الفض اثبتت النيابة العامة العثور علي عدد من الجثث أسفل المنصة والمتوفاة قبل الفض، إلي جانب غرفة عمليات واحتجاز لمن كان محلا لشك وريبة الجماعة داخل الاعتصام، أي أن الجماعة مارست فعل القتل والتعذيب قبل الفض. بعد الفض كانت ميليشيات الجماعة المرتكزة في المحافظات قد انطلقت لتمارس أبشع الجرائم في كرداسة والمنيا، أي أن الجماعة كانت قد انتوت العنف داخل وخارج الاعتصام في الميدان. احتفظ بكل ذلك في ذاكرتك وعد إلي الوراء قليلا واستعرض مشاهد تعذيب المصريين علي أسوار الاتحادية وقت أن كان مرسي حاكماً للبلاد، ثم استكمل العودة إلي الوراء وتذكر تعذيب المصريين بإحدي شركات السياحة بميدان التحرير لتكتشف أن القتل والتعذيب هو منهج رئيسي للجماعة يتم تبريرهما بفكر تكفيري لاستباحة الغير. بعد انقضاء اليوم الأول للفض وهو يوم 14 أغسطس 2013 كان قد خلف قتلي من الجماعة ممن أصروا علي حمل السلاح في مواجهة الدولة التي بدأت الفض بالتحذير الصوتي لدعوة المعتصمين باستخدام مكبرات الصوت المثبتة أعلي المدرعات والعربات المصفحة للانصراف عبر الممرات الآمنة التي تم فتحها، إلا أن الرد جاء بإطلاق النيران تجاه قوات الشرطة التي سقط منها عشرات الشهداء في الساعات الأولي من عملية الفض، ولو أن الجماعة كانت لديها نية للتوقف لحدث ذلك بالفعل بعد الدماء المسالة، إلا أنها أصرت علي التصعيد والاستمرار في المواجهة وحاولت نقل اعتصامها إلي ميدان رمسيس ظهر الجمعة 16 أغسطس واحتلت مسجد الفتح وحاصرت قسم شرطة الأزبكية بالاسلحة النارية، وأطلقت عناصرها النيران علي المواطنين الآمنين في منازلهم، وظهرت عناصر مجهولة ترفع أعلام داعش في أول تحالف معلن بين تنظيم الإخوان وتنظيم الدولة ولم ينته هذا التجمع إلا ظهر السبت 17 أغسطس، بعدما شهدت البلاد علي مدار أربعة أيام متتالية إجراما معلنا من التنظيم الإخواني الذي مارس قتل المصريين مع سبق الإصرار والترصد، ولو أن الجماعة كانت تنوي التوقف لكان بإمكانها ذلك منذ اليوم الأول اكتفاء بالدماء التي اريقت، لكنها أصرت علي القتل الممنهج. لم تكتف الجماعة برباعيتها الدموية علي مدار أيام »14 و15 و16 و17» أغسطس، لم ترتو من الدماء بل جددت التكليف لعناصرها بإعادة الاعتصام بميدان الألف مسكن، وتحديدا العناصر الإخوانية بمحافظة القليوبية وهي المجموعات التابعة للقيادي محمد البلتاجي، لتكرر نفس المأساة بنفس الأسلوب فتسقط دماء جديدة، دون ان تتوقف الجماعة لحظة عن عنادها أو تعود لرشدها أو حتي تهتز لحجم الدماء المسالة، لتؤكد في كل مرة علي ممارسة فعل القتل وهي تعلم أن الدولة ستتصدي لها فيحدث الصدام، واستمرت في محاولاتها لأسابيع متتالية مكررة نفس المأساة رغم هروب واختفاء كل القيادات التي سقطت فيما بعد واحدا بعد الآخر. علي مدار عام بأكمله لم تتوقف الجماعة عن ممارسة نفس السلوك، فتحشد أفرادها يوم الجمعة من كل أسبوع وتدفع بهم إلي الشوارع في محاولة لاحتلال أحد الميادين في مناطق المطرية أو عين شمس، فيصطدمون مجددا بقوات الشرطة وتتكرر المأساة ونزيف الدماء مازال متدفقا. وقتها كان المرشد محمد بديع قد تم القبض عليه إلا أنه ومن داخل محبسه أصدر تكليفه العام لقواعده نصه »لا تجعلوا المصريين يهنأون ابدا»، فتلقت العناصر ذلك التكليف وراحت تتنافس في أساليب تنفيذه وتتنوع في تكتيكات أدائه، وهو التكليف الذي لم يتم سحبه حتي الآن. استمرت الجماعة في نفس السلوك ونقلته إلي مختلف المحافظات رغم تيقنها بأن نفس السلوك لن يؤدي إلا إلي مزيد من القتل، وركزت الجماعة تحركها بمحافظات الجيزة والإسكندرية إلي جانب القاهرة التي كانت تشهد زخما منذ اللحظات الأولي، وقتها كان العقل المدبر للجماعة محمود عزت قد تمكن من الهرب مصدرا تكليفه الجديد بعنوان »الإبداع في الحراك الثوري»، أي توسيع دائرة الحركة التنظيمية، فنفذت العناصر التكليف كل حسب قدرته وفهمه وتمكنه من نقل التكليف لمن يليه في الهرم التنظيمي الإخواني، وسارعت العناصر بتشكيل ما يسمي »لجان العمل النوعي» التي كانت النواة الأولي لتفعيل الجناح العسكري الإخواني الذي تطور فيما بعد إلي »حركة حسم»، و»لواء الثورة»، ثم تطورت إلي »طلائع حسم» لممارسة القتل بدم بارد، والقتل علي الهوية لمجرد الانتماء للجيش أو الشرطة. إذا عدنا لميدان الاعتصام مرة اخري سنجد أن التنظيم كان قد أحاط الميدان بحوائط من الطوب الاسمنتي يعقبها أكياس رملية بارتفاعات تحجب الرؤية وبها فتحات لإطلاق النيران من خلالها، أي أن الجماعة كانت قد جهزت الميدان كمسرح عمليات عسكرية واتخذت قرار المواجهة منذ اللحظات الأولي، ونشرت بعض أفرادها أعلي العمارات المحيطة حاملين أسلحتهم النارية والذين اسقطوا القدر الأكبر من قوات الشرطة المشاركة في الفض، بينما كانت العناصر المشاركة في الاعتصام قد ارتدت الخوذات أعلي الرؤوس متعمدة الظهور بالمظهر شبه العسكري لتأكيد إصرارها علي المواجهة المسلحة. ثم دعونا نستعرض حركة المعتصمين قبل الفض كدليل علي نية القتال بمبادرة من التنظيم الإخواني وقبل أي تحرك من جانب الدولة، ونتساءل ما الذي دفع المعتصمين إلي التوجه إلي دار الحرس الجمهوري مساء 8 يوليو حاملين الأسلحة النارية وهم يعلمون علم اليقين أنها منشأة عسكرية؟، ما الذي دفعهم إلي استخدام الأسلحة الآلية في مواجهة قوات الجيش المرتكزة داخل وأمام الحرس الجمهوري؟، من الذي حرضهم علي ذلك وماذا كان يهدف؟، وهل كان يعتقد أنه سيتمكن من اقتحام منشأة عسكرية؟ أم أنه عامدا متعمدا كان يقصد تكريس حالة القتل والاقتتال؟. وتذكر عندما تقدم المعتصمون دون أي مناسبة خلال شهر رمضان وقبل الفض تجاه قسم شرطة الأزبكية محاولين اقتحامه باستخدام الأسلحة النارية، ليطرح نفس السؤال ذاته ما الذي دفعهم لذلك؟. نحن أمام حالة قتل مع سبق الإصرار والترصد مارستها الجماعة الإخوانية باحتراف قبل وأثناء وبعد عملية الفض، نحن أمام حالة تنظيمية جماعية لديها شراهة للقتل والقتال، ولقد أفرزت تلك الحالة حقائق هامة تضاف لتاريخ الجماعة تمثلت فيما يلي : الجماعة بدأت الاعتصام يوم 28 يونيو وقبل عزل محمد مرسي أي أنها منذ البداية قررت الخروج علي الدولة بمباركة محمد مرسي نفسه. محمد مرسي لم يثق في الدولة في أي وقت لذلك استخدم ميليشيات الجماعة في اعتصام الاتحادية، وفي اعتصام ميدان النهضة الذي تم تصويره باستخدام طائرة، ثم في ميدان رابعة. نحن أمام جماعة تعاني هوسا دينيا حادا. نحن أمام تنظيم يحترف استخدام الدين كوسيلة لتغييب الأتباع. جماعة الإخوان لا تعترف بمفهوم الوطن أبدا، بل تعمل علي تكريسه كعائق أمام المشروع الإسلامي المزعوم . جماعة الإخوان تعاني خللاً عقائدياً، وسلوكها في فض الاعتصام خالف مقاصد الشريعة المتمثلة في حفظ الأنفس والأموال والأعراض وعصمة الدماء. جماعة الإخوان ليست إرهابية فقط، بل إن الإرهاب قد استوحي قدرته علي الحركة والتنظيم والتنظير من الجماعة . الجماعة لم تكن يوماً جزءاً من نسيج الوطن بل أداة لتنظيم دولي متعدد الجنسيات يستخدمها كما يشاء وقتما يريد لتقويض الدولة المصرية 0 جماعة الإخوان ليست جماعة دينية بل جماعة تحترف استخدام الدين. الجماعة لا تعترف أبدا بالغير ولاتؤمن بالمعارضة ولا بالعمل السياسي ولا بمفهوم الفن أو الثقافة . نحن أمام تجربة تاريخية ثرية أثبتت خطورة التنظيم علي الوطن والدين والإنسانية. أمام رسالة إلهية أثبتتها من قبل الآيات الكريمة في قوله تعالي في سورة البقرة » ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي مافي قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد».