مازالت اصداء الثورة التي قام بها شباب مصر - شباب 52 يناير - تشغل بال المحللين السيايين في إيطاليا ومختلف انحاء العالم، ومقارنتها بمثيلاتها علي مر التاريخ. فقد شهدت إيطاليا وعاشت نفس التجربة الثورية التي تشهدها مصر الآن، تلك التجربة التي لعب فيها شبح الفساد والرشوة ومافيا تزوير الانتخابات البرلمانية دوراً كبيراً في تعبئة ثورة الشعب علي نظام الحكم وتغييره، ففي عام 3991 عاشت ايطاليا اول ثورة قضائية شعبية في تاريخها المعاصر منذ إعلان الجمهورية الإيطالية بسبب الفساد الذي أدي إلي الإطاحة بنظام الحكم الذي استمر علي مدار أكثر من خمسين عاما بكافة زعمائه ومختلف تياراته السياسية والحزبية، وإنهارت كافة مؤسسات الدولة وتفككت الاحزاب السياسية التي سارع ما تبقي منها الي تغيير إيدلوجيته واسمه ولونه حتي يتماشي مع طموحات ثورة الشعب والحياة السياسية الجديدة التي شهدت نشأة الجمهورية الإيطالية الثانية. فقد إنهارت وتفكك الحزب الديمقراطي المسيحي أكبر الأحزاب الذي ظل علي رأس قيادة ائتلاف الحكومات الإيطالية أكثر من أربعين عاما، وقذف بزعمائه إلي السجون بسبب الفساد وتدمير النظام الاقتصادي للدولة والتعاون مع المافيا لشراء أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية علي مدار أكثر من 03 عاماً، فقد واجه جوليو اندريوتي أحد زعماء الحزب ورئيس الحكومة السابقة أكثر من مرة محاكمات بسبب تورطه مع المافيا. كما تم محاكمة فورلاني سكرتير عام الحزب وقتها بتهمة الفساد، ونالت ايضا ثورة القضاة والشعب من زعيم الحزب الاشتراكي الإيطالي ورئيس وزرائها السابق بيتنو كراسي، وتم محاكمته بتهمة الفساد حتي اضطر للهرب واللجوء الي تونس، وقرر عدم العودة إلي إيطاليا حتي وفاته، كما بدأ يتساقط وقتها رؤوس الفساد من كبار رجال الأعمال الإيطاليين واحداً تلو الآخر ممن كان لهم دور كبير في إفساد الحياة السياسية الايطالية من خلال تبرعاتهم المشبوهة لانفاقها علي الحملات الدعائية للانتخابات وسيطرتهم علي الامانات العامة لأكبر الأحزاب الايطالية التي كانت في ذلك الوقت تمسك بزمام الأمور في إيطاليا مثل الحزب الاشتراكي الايطالي والحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الجمهوري الايطالي في مقابل عقد الصفقات التجارية غير الشرعية والاستيلاء علي أموال الدولة تحت حماية رجال السياسة والحكم وقتها ومع ثورة قضاة ايطاليا - ثورة الأيدي النظيفة - خرج جميع أفراد الشعب الايطالي بمختلف طبقاته وسط الشوارع والميادين لحمايتها ضد الفساد والفاسدين بما دفع بعض كبار رجال الاعمال وأصحاب الشركات الي اللجوء للانتحار قبل ان تصل اليهم يد العدالة فقد كانت ثورة رجال القضاء والشعب في ايطاليا علي الفساد وتملك السلطة للهيمنة علي مصادر الدولة للمصلحة الشخصية والمحسوبية بداية سقوط نظام الدولة الايطالية الأولي ونشأة الجمهورية الايطالية الثانية التي هبت برياح الحرية والتغيير علي جميع قطاعات الدولة ومؤسساتها السياسية بما سمح لها من خلق مناخ سياسي جديد شهد نشأة تيارات وأحزاب سياسية جديدة استطاعت التغلب علي مخاطر عمليات التخبط والارتباك التي أعقبت الثورة علي نظام الحكم ومؤسساته السياسية. وقد استطاع الشعب الايطالي تخطي المحنة بالعمل وملء الفراغ السياسي الذي نتج عن انهيار كافة القوي الحزبية السياسية التي ظلت تحكم البلاد أكثر من خمسين عاما وتغلب علي قلب كل إيطالي حب الوطن علي المصلحة الفردية وأسرعت جميع فئات الشعب الي المشاركة مرة أخري في بناء هياكل حزبية جديدة استطاعت بها تأسيس الجمهورية الايطالية الثانية التي شهدت نشأتها عام 3991 وحتي الان. ويري المراقبون في إيطاليا أن ثورة الشباب المصري والتي شارك فيها جميع فئات الشعب بمختلف طوائفه والتي نجحت في إنهاء نظام حكم مبارك في مصر اصبحت تمثل نواه لعواصف الثورات الشعبية التي سوف تهب علي بقية الدول العربية لمكانة مصر القيادية بين الدول العربية التي يشهد بها علي مر التاريخ. فقد استطاعت ثورة الشباب المصري بما حققته من انتصارات ان تسقط نظام الحكم وتغيير تاريخ مصر المعاصر، والانتقال بها الي طريق الديمقراطية والحرية ومحاربة الفساد حتي اصبحت تمثل بداية نشأة الجمهورية المصرية الثانية. فقد نشأت جمهورية مصر العربية الأولي في 32 يوليه 2591 بإعلان الجمهورية والقضاء علي الفساد والملكية، وها هي الآن يحتفل شبابها وشعبها بنشأة جمهورية مصر العربية الثانية التي شهدت بدايتها في 52 يناير 1102 وهو التاريخ الذي سيسجل في كتب التاريخ، ويدرس للأجيال المقبلة من أبناء الشعب المصري. فما من شك أن ثورة شباب 52 يناير وما أسفرت عنه من نتائج غيرت تاريخ مصر ونقلتها الي مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية، سوف يمكث المؤرخون لكتابة هذا الحدث الكبير والتعليق عليه مددا طويلة، فكيف لمثل هذه الثورة التي قامت وكان بطلها شباب الانترنت والفيس بوك، ذلك الشباب الذي لم يجد من يسمعه أو يشعر بمتطلباته أن يحدد مصيره ومصير من سيحكمه دون قيادة أو خطة مسبقة، فلأول مرة في تاريخ مصر يقرر الشعب -وبإصرار من هؤلاء الشباب- سحب الثقة من نظام الحكم ومؤسساته كلها ويجبره علي التراجع والسقوط، وهو ما يجده المراقبون جديدا في هذا المشهد الذي تشهده مصر الآن، فقد أصبح للشعب المصري عزم وإرادة وإصرار علي مراقبة أعمال وتصرفات حكامه في المستقبل ومحاسبتهم، فهذا هو الضامن الحقيقي لعرس الديمقراطية والحرية التي يتطلع اليها. ويتوقع المحللون الايطاليون أن ثورة الشباب المصري التي تحولت في أيامها الأخيرة الي ثورة جميع فئات الشعب المصري أن تعبر نفس المحنة التي مرت بها ايطاليا خلال التسعينات وشهد لها التاريخ دائما، ولسوف ينجح الشعب المصري في وقت قصير جدا في عودة الحركة السياسية علي مسرح الحياة السياسية من خلال هياكل حزبية جديدة تشهد لأول مرة مشاركة حقيقية لجميع فئات الشعب الذي سيكون هو نفسه الحامي والضامن لمناخ الديمقراطية والحرية التي ستؤدي الي حراك الحياة الحزبية في مصر.