هناك مطالب مشروعة ولابد من تصحيح الأوضاع إغلاق البنوك يشل الحركة الاقتصادية. تلك حقيقة مؤكدة فالجهاز المصرفي يمثل عصب النشاط بالاسواق وكذا حركة التجارة استيرادا وتصديرا. هو مصدر التمويل لمختلف القطاعات.. وهو حلقة الوصل بينها وبين الاقتصاد القومي والعالم الخارجي. تلك الحقائق أثارت تساؤلات حول ما حدث من اغلاق للبنوك لبضعة ايام بعدما تجمع عدد من موظفيها مطالبين بحقوق ابرزها تعديل المرتبات في ضوء التفاوت الرهيب بين مرتبات الكبار والمستشارين وبين مرتبات الموظفين! والسطور التالية ترصد ما حدث.. وتطرح أقوال الخبراء بشأن صورة البنوك في الايام القادمة. بداية وقبل التطرق لأراء الخبراء حول كيفية استعادة الاستقرار بالجهاز المصرفي كان لابد من البحث عن اسباب تظاهر موظفي البنوك؟ لماذا اندفع القطاع المصرفي في حالة من الهياج والفوضي والاضرابات؟ ذلك القطاع الذي كان يظن الجميع انه هاديء مستقر، القطاع الذي حقق اداء متميزا خلال الشهور والسنوات الاخيرة بشهادة العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية. الحقيقة وراء هذه الاضرابات وذلك الغضب الذي تفجر في عدد من البنوك العامة اوضحها عدد من المسئولين في الجهاز المصرفي طلبوا عدم نشر اسمائهم وهم علي اختلاف انتماءاتهم ومسئولياتهم اكدوا نفس المعلومة ونفس السبب . السبب كان عملية التطوير ذاتها، فمن اجل اتمام عملية التطوير والاصلاح في الجهاز المصرفي تم انشاء صندوق تابع للبنك المركزي يتم تمويله من منحة خارجية مخصصة لتطوير الجهاز المصرفي .. عندما بدأت عملية التطوير احتاجت البنوك العامة للاستعانة بعدد من القيادات والخبرات من خارج هذه البنوك لتطويرها وتدريب العاملين فيها والقيام بتنظيم العمل بصورة تتناسب مع ايقاع الاداء العالمي للبنوك.. هذه القيادات تتقاضي اجورا لا يعترف بها ولا يعرفها القطاع العام! ولان الصندوق مخصص لعملية التطوير فقد تم التعاقد مع تلك الكفاءات وفقا للمبالغ التي يتفق عليها معهم علي ان يتحمل البنك العام المرتب الذي يتناسب مع جدول الاجور فيه اما الزيادة فيتم دفعها من صندوق التطوير.. واستمر الوضع علي هذه الصورة لسنوات.. يتقاضي هؤلاء مرتباتهم من الصندوق التابع للبنك المركزي ولا تظهر تلك المرتبات في كشوف او حسابات البنوك العامة.. وان وردت بعض الشائعات بشأنها من آن لآخر.. الي ان قرر البنك المركزي العام الماضي ان يتحمل كل بنك مسئولية نفسه. والحقيقة التي اكدها ايضا عدد من العاملين في البنوك ان المسئولين في البنوك العامة طالبوا البنك المركزي بعدم ادراج مرتبات هؤلاء المستشارين والقيادات في كشوف حسابات البنك الاصلية لان ذلك سيترتب عليه غضب وثورة من العاملين في الجهاز المصرفي، فمرتبات هؤلاء المستشارين تصل الي أضعاف ما يتقاضاه العاملون في البنوك العامة، الا ان البنك المركزي رأي ان الامر لا يمكن ان يستمر بهذا الشكل واصر علي موقفه.. بينما اشار المسئولون بالبنوك الي انهم حاولوا اقناع البنك المركزي بانهم سيدبرون مرتبات مستشاريهم علي ان يتم توريدها للبنك المركزي.. وهو بدوره يتولي صرفها للمستشارين حتي لا تظهر في ميزانيات البنوك ولكن البنك المركزي تمسك بموقفه.. وللامانة يري البعض ان هذا الموقف من المركزي كان لابد منه ولم يكن من المعقول ان يستمر الامر علي مكان علية. وبالتالي كان عام 0102 هو اول عام تظهر فيه المرتبات في ميزانيات البنوك وحساباتها ولتفادي المشاكل حرصت البنوك العامة ان تكون كشوف مرتبات جميع العاملين في البنوك سرية بحيث لا يعرف اي موظف كم يتقاضي زميله ولكن بطبيعة الحال كان هناك من يقوم علي اعداد هذه الحسابات وهناك كثير من الشائعات التي كانت تثار حول مرتبات هؤلاء المستشارين.. الي جانب وجود مقاومة من البعض لعمليات التطوير والاصلاح.. فالبعض يتقبل الاصلاح واخرون يعارضونه! الخلاصة انه تم تسريب المعلومات عن مرتبات المستشارين وبغض النظر عن مدي صحة ودقة ارقام المرتبات فان المحصلة كانت واحدة! فالقائمون علي البنوك العامة في نظر العاملين بهذه البنوك هم جزء من الحكومة السابقة التي هي بدورها تابعة للحزب الوطني الحاكم ونظامه الذي ثار الشعب للمطالبة بتغييره وبالتالي كان الاعلان عن سقوط النظام بمثابة اعلان لموظفي البنوك العامة انهم لم يعودا تحت سيطرة هؤلاء الذين يرونهم جزءا من النظام الذي اسقط.. وبدأت الاصوات تتعالي للمطالبة بالعدالة في المرتبات.. صحيح ان العاملين في البنوك يتقاضون اجورا جيدة ولا يعانون من الفقر كغيرهم من موظفي القطاع العام الا ان الاحساس بان هناك من جاء وهبط »بالباراشوت«- كما يقولون- علي البنك يحصل علي اضعاف مضاعفة لما يأخذونه من اجر.. خاصة ان هناك من اهل الخبرة والعلم في الجهاز المصرفي واصحاب المسئوليات الضخمة الذين لا يتقاضون نصف هذه الاجور.. فكان لابد من الاعتراض ولكن للامانة فان كل من ادلي بهذه المعلومات وهم علي قدر عال من الخبرة والمسئولية والوعي اكدوا انه وان كان هذا المطلب حقا مشروعاً للعاملين في البنوك الا انه لا يمكن ان يتم الاعلان عنه بهذه الطريقة وبهذا الاسلوب فالبنوك هي عصب الحياة الاقتصادية وهي المفتاح الذي يربط الاقتصاد المصري بالعالم الخارجي.. ولا مجال لان يتم تصفية الحسابات فيها الان وقالوا انه من حق الموظفين ان يطالبوا بمستحقاتهم وان يعارضوا ما يرونه خطأ.. ولكن لا مجال لان يتوقف العمل في البنوك ولابد من اتباع الطرق الشرعية لهذه المطالب بما يضمن عودة العمل الي طبيعته لتدور عجلة الاقتصاد القومي. وبغض النظر عن صحة ما ينشر عن مرتبات هؤلاء المستشارين وتلك القيادات وبعيدا عما يثار حول استقالة فلان او اقالة علان.. كان لابد ان البحث مع اهل الخبرة عن اثار هذه الاعتصامات علي الاقتصاد وكيف يمكن ان تعود البنوك لاداء دورها. المطالب مشروعة ولكن في البداية تحدث اسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الاسبق ورئيس بنك مصر ايران حيث قال: توجد مطالب لدي بعض العاملين ببعض البنوك سواء خاصة او عامة.. هذه المطالب منها ما هو مشروع ولابد ان يدرس ولكن لابد ان يعي الجميع ان هذا الوقت يمر فيه الاقتصاد القومي بمرحلة حرجة تتطلب التكاتف خاصة ان العمل تعطل اثناء الثورة ولابد من الاسراع بالعمل وتعويض مافات ومن غير المتصور ان يتعطل الانتاج باي شكل ، قد تكون هذه المطالب مشروعة ولا نختلف عليها وانما يجب ان تكون بأساليب سليمة وعلي المسئولين التعامل معها بدن استعلاء وبموضوعية. وما يحتاج لحل فوري يحل فورا وما يحتاج بعض الوقت يحدد له وقت لحله ويشرح الوضع للعاملين. واذا كان المركزي اضطر لتعليق العمل في البنوك لعدة ايام فلابد ان نعي ان لذلك تأثيره علي الحياة الاقتصادية كلها شركات ومصانع وافراد، فالجهاز المصرفي هو عصب الحياة الاقتصادية واذا تعطل فان النشاط الاقتصادي كله يصاب بالشلل، لابد من عودة العمل للانتظام ودون ان نحرم احد من المطالبة بما يعتقد انه حق له ويمكن ان يتم تحويل المشاكل لاتحاد البنوك لبحثها ووضع حلول سريعة لها. بداية جديدة علي شاكر رئيس مجلس ادارة بنك التنمية والائتمان الزراعي والذي يعتبر من اهم البنوك العامة لما له من صلة مباشرة بالنشاط الزراعي وتغلغله في كثير من المحافظات. وكان له نصيبه من الاعتصامات.. يري انه لابد وان تؤخذ الامور بقدر من الهدوء مؤكدا انه تقرر بالفعل الاستجابة لعدد من مطالب الموظفين ولكنه يصر علي تشكيل لجنة لمناقشة الامر مع ادارة البنك وبحضور محافظ البنك المركزي وذلك حتي تكون المرحلة القادمة بداية جديدة علي اسس قوية لا تدع مجالا للانشقاق داخل البنك او تعطيل العمل فيه، وفي الوقت ذاته يطالب علي شاكر وزارة المالية بسداد ما عليها من مديونية للبنك والتي تقدر ب 2.2 مليار جنيه بدون الفوائد او ان يعود البنك المركزي لاعفاء بنك الائتمان الزراعي من نسبة الاحتياطي والتي تقدر ب 4.3 مليار جنيه يتم ايداعها لدي البنك المركزي ولا يتم تحصيل فوائد عليها ويقول علي شاكر انه نتيجة لهذه الالتزامات المالية فإن نتيجة اعمال البنك تظهر خسائر.. وبالتالي فانه حتي يتمكن البنك من الاستجابة لمطالب العاملين واستكمال عمليات التطوير لابد له ان يسترد المبالغ المستحقة له. تحية للعاملين محمد عشماوي رئيس بنك المصرف المتحد وهو البنك الذي تم اقامته بدمج ثلاثة بنوك لحمايتها من الافلاس وهي النيل والمصري المتحد والاستثمار الاسلامي وتتبع ملكيته للبنك المركزي هذه البنوك تتفاوت تماما في مستويات الاجور بها وكذلك في المزايا العينية.. وكان البنك من البنوك التي شهدت اضرابا من العاملين وخاصة موظفي بنك الاستثمار الاسلامي.. وقد بدأت الادارة بالفعل في الاستجابة لعدد من مطالبهم.. وعن الوضع الحالي. يقول عشماوي: انني انحني تحية وتقديرا للعاملين في الجهاز المصرفي وليس فقط لموظفي المصرف المتحد علي ما قدموه في الاستعداد لعودة العمل بالبنوك فقد خاطروا بالتواجد في البنوك حتي الثانية ليلا وبعد فرض حظر التجول ودون وجود تأمين اوحماية.. هذه الظروف كلها لم تمنعهم من العمل لاستقبال النقد الكاش والاستعداد لتهيئة البنوك للقيام بعملها.. هؤلاء اعتبرهم بمثابة جنود. وارجو من الجميع ان يضعوا مصلحة الوطن والاقتصاد القومي امامهم قبل اي شيء لتدور عجلة الاقتصاد من جديد. استجابة سريعة أما بسنت فهمي الخبيرة المصرفية فانها تري انه لا مجال لاغلاق البنوك وتقول ان الاستمرار في غلق البنوك امر مرفوض تماما فهناك معاملات والتزامات لها اوقات محددة بل وايام بعينها وعدم التحرك بشأنها في الوقت المحدد يعني ضياع الاموال والحقوق فعلي سبيل المثال خطاب الضمان له يوم محدد للمطالبة به واذا مر دون المطالبة فانه يسقط. وتضيف انه حتي واذا امكن تدارك الموقف محليا فهناك آلاف المعاملات الخارجية التي لن يملك احد التحرك فيها. وتطالب بسرعة الاستجابة لمطالب العاملين وتقول: لو ان هناك شبه اجماع علي المطالبة بتغيير احد القيادات او بعضها فلا مانع من التغيير لانه لا يعقل ان نفضل مصلحة فرد علي صالح الاقتصاد العام وتؤكد ان ادارات البنوك عليها ايجاد صياغة للتفاهم مع العاملين لديها.. وعلي العاملين القيام بمسئولياتهم لان صالح الاقتصاد القومي لا يمكن ان يكون رهنا بمطالب الاشخاص رغم مشروعيتها.