في الأعياد والاجازات تحلو القراءة والاستمتاع بكل الأفكار والحكايات الجديدة في عالم الروايات والقصص والرسائل الأدبية ، لذا اختارت صفحة الكتب والأدب أن تقدم مجموعة من الأعمال الإبداعية التي ظهرت مؤخرا في عالم الكتب والكتابة، بين الرواية والقصة، جاءت روايات العشق الأكثر مبيعا في العالم وخاصة تلك المأخوذة عن فلسفة وآراء ابن الرومي، أو تلك الروايات التي تتناول الاعترافات الذاتية، الكتب التي تدعو إلي السلام والتأخي كما في كتابات طاغور، وهذا يعكس ان العالم ضج من العنف والإرهاب، مما جعل الروائيون والمبدعون يعودون إلي الاعمال التي تسمو بالروح فوق كل هذا الصخب، والتي وجدت اقبالا في العالم العربي والعالمي. الحياة تبدو من حولنا كساحة حرب يومية ما بين هستيريا القلق والتوتر والضوضاء واثارة الرعب في بعض المعتقدات التي باتت تفرض بالقهر والقوة والسلاح في كثير من الأحيان ولأن الحياة الأدبية محاكاة للواقع بشكل أو بأخر، كانت رواية »قواعد العشق الأربعون »للكاتبة التركية »أليف شافاك »إحدي الروايات التي حققت أعلي المبيعات في العالم العربي والغربي، وكذلك رواية »الرومي: نار العشق » للكاتبة الإيرانية الهاربة من وطنها »نهال تجدد» وغيرهن مما كتبوا أعمالا متعلقة بمسيرة جلال الدين الرومي وصاحبه شمس الدين التبريزي ليصبحا عالمهما مجالا متسعا للإبداع والكتابة وتهافت القراء أو عشاق الأدب الصوفي لهما وهم كثر. إن أهمية مولانا جلال الدين الرومي لا ترجع لتراثه الأدبي، والصوفي فحسب، بل فيما كتب عنه وحول فلسفته وحياته، هذا ما نجده في كتاب » جلال الدين الرومي بين الصوفية وعلم الكلام» الذي تناول تاريخ الصوفية وتطورها في عصره، وتأثر مريديه في الكتابة والإبداع بما جاء فيه عن سيرته ونشأته، ومؤلفاته وآثاره، ثم ما جاء حول علاقته بالصوفية وآرائه الصوفية، وتأثره بعلم الكلام وأهم آرائه الفلسفية التي دعت البعض إلي تصنيفه ضمن علماء الكلام، وليس من علماء التصوف الإسلامي، وقد كشف هذا الكتاب المِحن التي تعرض لها في سبيل نشر آرائه، حيث استطاع هذا العالم ان يشق طريقا تصوفيا جاذبا لكل اتباعه ومريديه. إن القرن السابع الهجري الذي عاش فيه جلال الدين الرومي هو عصر من عصور التحول في الشرق الإسلامي، والذي يستعرض تاريخ هذا القرن وخاصة في ايران، يجد ان ظروف التصوف كانت طبيعية في هذا الجو الذي لا أمان فيه لأحد، والذي كان الاسلام فيه في خطر، لولا مصر من ناحية وعلماء الفرس من ناحية أخري، ففي هذا الجو عاش جلال الدين الرومي والذي كان مثله الاعلي الغزالي، حيث تفقه في علوم الدين ثم درس التصوف وراقه ان يكون من رجاله، وتحدث هنا نقطة التحول الكبري في حياة جلال الدين الرومي حينما التقي بشمس تبريز، فقد ألهاه هذا الصوفي عن مسيرته كفقيه وجعل منه صوفيا غارقا في التصوف حتي اذنيه. أن مصطلح الصوفية - كما يقول العلماء والفقهاء -لم يظهر الا في بدايات القرن الثالث الهجري لكن جذوره يمكن تتبعها قبل ذلك. والتي مازالت مستمرة حتي وقتنا الحاضر، ونجد في كل عصر من العصور من يأتون ويكتبون إبداعا موصولا بتلك الأفكار الصوفية، وإذا أخذنا رواية قواعد العشق الأربعون نموذجا نجد في الرواية لوحات متعددة لشخصيات من زمنين مختلفين الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون في ولاية ماساشوستس في الزمن الحاضر والعام 2008 تحديداً، والثاني في القرن الثالث عشر ميلادي حيث يلتقي الشمس التبريزي بتوأمه الروحي مولانا جلال الدين الرومي. يبدأ الكتاب بكلمة لشمس التبريزي يقول فيها: »عندما كنت طفلاً، رأيت الله، رأيت الملائكة، رأيت أسرار العالمين العلوي والسفلي، ظننت أن جميع الرجال رأوا ما رأيته. لكني سرعان ما أدركت أنهم لم يروا» ولما كان العشق جوهر الحياة وهدفها السامي، كما يذكرنا الرومي، فإنه يقرع أبواب الجميع، بمن فيهم الذين يتحاشون الحب. »ما لم نتعلّم كيف نحبّ خلق الله، فلن تستطيع أن نحبّ حقاً ولن نعرف الله حقاً» الرواية تحكي رحلة شمس التبريزي التي تمتد من سمرقند وبغداد، إلي قونية التركية، مروراً بدمشق، ليلقي حتفه في قونية، علي يد قاتل مأجور بعد أن يكمل رسالته التي خلق من أجلها، وهي البحث عن الله ومعرفته. طلب من الله أن يساعده لأن ينقل حكمته التي جمعها من تنقلاته وطوافه في أرجاء العالم إلي الشخص المناسب، فطلب منه ملاكه الحارس أن يذهب إلي بغداد يلتقي برفيقه. يقول: »حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يخيل إليك، حتي يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت. مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته.» يلتقي الصوفي المتبحر شمس الدين التبريزي ورجل الدين وريث المجد جلال الدين الرومي، 1244 في مدينة قونية من بلاد الأناضول، حيث يظهر الأستاذ عندما يكون التلميذ مستعدا، كي يبث في روحه الذي يحتاجه من رؤية جديدة للأشياء، ومن تفسير مختلف للحكايات. تتحرك الرواية عبر ثلاث روايات مرة واحدة وفي زمنين مختلفين تفصلهما ثمانية قرون تقريبا. تحكي عن شمس الدين التبريزي مؤسس »قواعد العشق الأربعون» الذي استطاع أن يغير شخصية صوفية فذة كجلال الدين الرومي ليصبح شاعراً. فمولانا جلال الدين الرومي الفقيه الخطيب المفوه الذي استحوذ علي مشاعر الناس في القرن الثالث عشر، قرن الصراعات الدينية والطائفية، تحول بفعل هذا الصوفي إلي داعية عشق لا نظير له فخرج من قفطانه الديني الثقيل إلي لباسه العادي وهو يدعو إلي وحدة الأديان وتفضيل العشق الإلهي علي غيره من متع الحياة. وفي عصر سادته روح التعصب والنزاعات الدينية، دعا شمس إلي روحانية عالمية شاملة، مشرعاً أبوابه أمام جميع البشر من مختلف المشارب والخلفيات. وبدلاً من أن يدعو إلي الجهاد الخارجي، الذي يعرف »بالحرب علي الكفار»، الذي دعا إليه الكثيرون في ذلك الزمان، تماماً كما يجري في يومنا هذا دعا الرومي إلي الجهاد الداخلي، ويمتد هدفه في جهاد »الأنا» وجهاد »النفس» وقهرها في نهاية الأمر. اما رواية نهال تجدد »الرومي: نار العشق» بغض النظر عما قوبلت به من النقاد من أنها لم تحدد فيما أسمته رواية وهو في النهاية أميل إلي المقالات أو الكتابات المنفصلة التي لا تصل بالقارئ إلي عمل روائي متكامل لكن المقصود هنا هو أخذ الرومي وشمس التبريزي نموذجا لعمل أدبي تري فيه الكاتبة الفرار من الواقع بالعشق والسمو الروحاني الذي واجه بهما الرومي قبح العالم. من هذه النماذج الحديثة المأخوذة بشكل مباشر وفني روائي عن حياة جلال الدين الرومي تدعو إلي ما لخصته القاعدة الأربعون في رواية شافاك من أن » لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي ام دنيوي، غربي ام شرقي.. فالانقسامات لا تؤدي الا الي مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو نقي وبسيط. العشق ماء الحياة، والعشيق هو روح من نار! يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء.