10سنوات من البحث للفريق المصري بالتعاون مع جامعات أمريكية وأوروبية النتائج تؤكد زيادة نسبة الشفاء.. ويستفيد منه 200 ألف مصري تطبيق التجارب علي السرطان والأورام والأمراض الوراثية في اكتشاف طبي عالمي قاده جراح القلب الشهير د. مجدي يعقوب، وبرعاية ودعم من مكتبة الإسكندرية، توصل فريق بحثي مصري إلي معرفة التغيرات الجينية التي تحدث في الجينات المسببة لمرض تضخم عضلة القلب الوراثي لدي المصريين، وهو الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وبالتالي أصبحت نسبة الشفاء والوقاية من هذا المرض عالية جداً. وكان الفريق البحثي قد أجري علي مدي أكثر من 10 أعوام عشرات التجارب والتحاليل علي مرضي تضخم عضلة القلب في مختلف المحافظات المصرية، وذلك في إطار بحث علمي متكامل لدراسة المرض والجينات المسببة له، وتم تأسيس معمل للتحاليل الوراثية لأمراض القلب ليشرف علي التجارب العلمية والتحاليل الطبية اللازمة للوقوف علي أبعاد هذا المرض والتحكم في الجينات المسببة له.. إلتقت »أخبار اليوم» بالدكتور يحيي حليم العميد الأسبق لكلية الطب بجامعة الإسكندرية، ومستشار مدير مكتبة الإسكندرية، ود.هبة شعبان أستاذة الوراثة الطبية بكلية طب جامعة الإسكندرية وعضو فريق البحث، وفي حوار خاص كشفا عن مراحل تطور المشروع البحثي ونتائجه علي أرض الواقع، والخطوات المستقبلية له.. وإلي نص الحوار: • بداية.. لماذا اختار د. مجدي يعقوب مكتبة الإسكندرية تحديدا للتعاون معها لإنشاء هذه المعامل، ولم يتم التعاون مع إحدي الجامعات أو وزارة الصحة؟ - د. حليم: الدكتور مجدي يعقوب هو من اختار أن يتم تنفيذ هذا المعمل بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، لأنه رأي أن تعاونه في ذلك مع الجامعات أو وزارة الصحة سيكون معقدا، فابتعد عن القيود والبيروقراطية التي تعاني منها هذه المؤسسات، ووقتها كانت مكتبة الإسكندرية تتمتع باستقلالية كبيرة جدا، خاصة وأن الدكتور سراج الدين مدير المكتبة وقتها كان رجلا متفتحا جدا ومثقفا علميا، والمكتبة ليس فيها القيود الروتينية الموجودة لدي المؤسسات أو الجهات الحكومية. وكيف تمت عملية الإنشاء والتنفيذ لهذا المعمل؟ - د.حليم: تم انشاء المعمل وشراء الأجهزة عن طريق تبرع من السيدة يسرية ساويرس ومؤسسة مجدي يعقوب في انجلترا، أما المكاتب الموجودة بالمعمل فتم التبرع بها من مكتبة الإسكندرية. وما الهدف من المشروع البحثي الخاص بمرض تضخم عضلة القلب؟ - د.حليم: مرض تضخم عضلة القلب الوراثي ينتج عنه اختلال في الجينات ويؤدي إلي التضخم وأحيانا اتساع وضعف في عضلة القلب وقد يؤدي أيضا إلي الموت المفاجئ في سن الشباب، والهدف من المشروع هو الاكتشاف المبكر لأفراد العائلة الذين لديهم نسبة خطورة عالية للإصابة، وتحديد بروتوكول لتشخيصهم وعلاجهم، بالاضافة إلي تقديم الخدمة الطبية إلي هؤلاء المرضي، لذا فإن المشروع يساعد علي تكوين بنية تحتية قوية في مجال التحاليل الوراثية واستخدام أحدث التقنيات العالمية في البحث العلمي ونقل هذه التكنولوجيا إلي منطقتنا، مع تدريب باحثين شباب مصريين في مجال الطب والبحث العلمي. المشروع تم تدشينه في عام 2004 وبدأ يدخل حيز التنفيذ في 2006.. الآن هل نستطيع أن نقول أن هذا المشروع بمثابة اكتشاف علمي ضخم توصل إلي نتائج علمية محددة؟ - د.هبة قاسم: نعم تم تدشين المشروع عقب توقيع اتفاقية بين الدكتور مجدي يعقوب ومكتبة الإسكندرية في يونيو 2004 وتأسس معمل التحاليل الوراثية في عام 2006 والعمل الفعلي للمشروع البحثي بدأ في 2007.. واليوم نستطيع أن نقول أن هذا المشروع البحثي أصبح من أهم الانجازات العلمية في مصر، فمن ثمار هذا المشروع أن اكثر من 500 مريض تم عمل تحليل جينات عضلة القلب لهم، بالإضافة إلي عدد من أسرهم تم عمل مسح للطفرة الجينية التي وجدت في المريض، وبالتالي ارتفع العدد الي اكثر من 800 حالة، هذا لو تكلمنا عن عدد المرضي الذين شاركوا في هذا المشروع البحثي، أما عن مخرجاته فهناك نشر علمي وورقات بحثية تم نشرها في عدد من المجلات العالمية والمحلية والإقليمية. د.حليم »معقبا»: فكرة البحث العلمي تختلف عن العلاج الطبي، فالبحث العلمي يتلاقي حيث يعمل بفكر واحد في الانسان والحيوان والنبات، وما نتحدث عنه من مرض تضخم عضلة القلب الوراثي هي حاجة واحدة في جين واحد، يمكن أن نطبقه بنفس الفكر علي أمراض أخري مثل سرطان الثدي وغيره، والطفرة هنا أننا منذ 10 سنوات كانت عملية تحليل الجين صعبة جدا، واليوم الأجهزة الجديدة يمكنها أن تحلل رقما كبيرا منها، وهنا نشير إلي أن الانسان المصري لديه 30 الف جين و3 مليارات حرف مرتب بنسب معينه، ومع التطور التكنولوجي فإن الكمبيوتر يعرفها بسرعة كبيرة. وكم يبلغ عدد فريق البحث؟ - د.هبة: لنا مراكز أخري في بعض المحافظات مثل القاهرة والمنوفية، ولا أعلم تحديدا العدد الاجمالي في هذه المراكز، لكن بالنسبة لفريق عمل الإسكندرية فهو يتكون من 3 باحثين، أنا، والدكتور ريمون صبحي حاصل علي ماجستير في الكيمياء الحيوية والعلوم الوراثية الجزيئية، والدكتورة بصرة سامي وهي خريجة كلية العلوم جامعة الإسكندرية ومتخصصه في البيولوجيا الجزيئية، وكان معنا الدكتورة مها فترة من الوقت، وهند فرزا من انجلترا. بعبارات بسيطة.. ماذا يمكن أن نقول عن صميم البحث؟.. وما الذي توصل إليه؟ - د.هبة: البحث توصل إلي معرفة التغيرات الجينية التي تحدث في الجينات المختصة بعضلة القلب لدي المصريين، وهذا لم يكن معروفا من قبل، وهو بمثابة اكتشاف علمي لأننا أصبحنا الآن نعرف التغيرات الجينية المحددة لهذا المرض، وبالتالي يصبح أمر العلاج أكثر سهولة من ذي قبل. وما هو دور د. مجدي يعقوب في المشروع البحثي؟ - د.هبة: الدكتور مجدي يعقوب يشرف علي المشروع، ويدعمه بشكل أساسي، وهو الباحث الرئيسي للمشروع القومي. وما دور مكتبة الإسكندرية؟ - د.هبة: مكتبة الاسكندرية تدعمنا لوجيستيا، فالدعم اللوجستي الكامل لمعمل التحاليل الوراثية يأتي من المكتبة وكذلك الدعم البحثي. د.حليم »معقبا»: هدف المكتبة هو إنتاج البحث والعلم ونشره، وفائدتنا من هذا المشروع البحثي ليست مادية، وإنما كيف نوجه الناس إلي المعرفة وبناء الباحثين والموارد البشرية القادرة علي فعل هذه الاشياء. كم تبلغ نسبة انتشار هذا المرض؟ ومدي خطورته؟ - د.هبة: هذا المرض موجود في 1 من كل 500 شخص علي مستوي العالم، وهو مرض ثابت لدي كل شعوب الأرض، وإذا قلنا أننا المصريون 90 مليونا فإننا نتحدث عن ما يقارب 200 ألف حالة، ومن مشاكل هذا المرض أن الشخص يمكن أن يموت دون أن يعرف أن لديه هذا المرض، وهو مرض وراثي يعتبر الأكثر شيوعا في الأمراض الوراثية، وقبل أن نقوم بهذا المشروع كانوا يكتشفون المرض إكلينيكيا لكن في مراحل متأخرة، وعندما تم عمل هذا المشروع تم الانتباه إلي هذا المرض وأصبحنا نشخصه قبل حدوثه لدي أفراد الأسرة، قبل أن يحدث أي مشاكل أو ينتج عنه أعراض، وبالتالي أصبحت فرصة علاجه أفضل، بالاضافة إلي أن المعرفة أصبحت أوسع بالنسبة للمجتمع المصري، وهذا يعتبر انجازا كبيرا تولد عن هذا المشروع. هل يوجد تعاون بينكم وبين جهات بحثية أجنبية؟ - د.هبة: نعم.. وهو تعاون بحثي فقط، فمن الطبيعي أن الجميع يعمل معا ونتناقل الخبرات، والسجل القومي الذي جمعه د.مجدي يعقوب هو من أجل خدمة المصريين فقط ولا يمكن الاطلاع عليه من قبل جهات خارجية إلا بعد الحصول علي إذن والموافقة علي ذلك من الجهات المصرية. تم انشاء عيادتين متخصصتين في القاهرةوالإسكندرية.. فكم عدد المرضي الذين باشروا علاجهم في هذه العيادات؟ - د.هبة: الحالات التي تحولت إلينا لإجراء التحاليل الوراثية وصل عددهم حتي الآن إلي أكثر من 1000 مريض. هل من نشاطات أخري تقومون بها؟ - د.هبة: نحن هنا كمعمل للتحاليل الوراثية يمكننا العمل علي تحليل أي مرض وراثي، ومعرفة أسبابه الوراثية، فنفس التكنولوجيا التي استخدمناها في مرض تضخم عضلة القلب يمكن استخدامها في كافة الأمراض التي تصيب الانسان، سواء الأورام أو أمراض القلب أو الكلي، أيا كان المرض. وكم تبلغ تكلفة التحاليل؟ - د.هبة: عملنا إحصاء لتكلفة الحالة الواحدة فوجدناها تبلغ 20 ألف جنيه، مع العلم أن تكلفة هذه التحاليل عالية جدا. وكم هي نسبة الشفاء من هذا المرض؟ د.هبة: المكسب من هذا البحث هو تحديد السبب والجين المسبب للمرض، وبالتالي هذا يعتبر جزءا من التشخيص الأكيد للمرض، ما يساعد باقي أفراد الأسرة علي التشخيص قبل حدوث أعراض المرض، وبالتالي نسبة الشفاء وتفادي المضاعفات تكون أكثر بكثير. ما هي الخطوات القادمة لهذا المشروع؟ - د.هبة: الباحث الرئيسي في هذا المشروع هو د.مجدي يعقوب، ونحن مستمرون في عملنا لأن البحث ليس له نهاية، ولا يمكن أن نقول أن المشروع انتهي إذا ما انتهي البحث، ذلك أن نهاية كل بحث هي بمثابة نقطة تؤدي إلي النقطة التالية. د. حليم »معقبا»: لابد أن نشكر الدكتور مجدي يعقوب لأنه هو من فتح باب هذا النوع من البحث، فاليوم د.هبة لديها معمل وتجهز آخر في كلية الطب، ولديها مجموعة من التلاميذ اتجهوا إلي هذا التخصص، والموضوع يتوسع، والبحث العلمي هو مستقبل مصر. وماذا عن الصعوبات التي واجهت مشروعكم؟ - د.هبة: صعوبات طبيعية، فالبحث هو كأي عمل يحتاج إلي صبر وجهد مستمر، فليس كل عمل نقوم به يخرج نتيجة، فنحن نعيد التجربة أكثر من مرة حتي نتأكد من جودة ودقة المعلومة، وقد أثبتنا الثقة في هذا المعمل عندما نعمل التحليل ويخرج إلي أي معمل في الخارج وتكون نفس النتيجة.