يدلي أبناء الجنوب في السودان بأصواتهم لليوم السابع والأخير في الاستفتاء علي الانفصال المتوقع.. بعد أسبوع تاريخي حاسم يحدد المصير الذي بات محتوما ومقبولا.. حتي من قبل الوحدويين المتشددين في الشمال الذين أذعنوا الآن لاختيار تقسيم السودان إلي دولتين.. ولكن يخطئ من يتصور أن جنوب السودان بعد الانفصال لن يكون بحاجة إلي الشمال.. بل علي العكس.. ستظل أهم علاقة اقتصادية ودبلوماسية للجنوب بعد انفصاله مع الخرطوم.. لأن اقتصاد الجنوب يعتمد اعتمادا شبه كامل علي النفط وتمر خطوط أنابيبه الوحيدة عبر الشمال.. كما سيكون حلفاء الجنوب الطبيعيون له.. الذين يرتبطون بصلات ثقافية ودينية معه وأبرزهما جارتاه كينيا وأوغندا.. وأيضا جنوب الصحراء والغرب.. ولعل أول تحد يواجه جنوب السودان هوالبحث عن سبل لتعزيز هذه العلاقات وتكثيف التجارة والمساعدات من الغرب والحلفاء الدوليين الآخرين دون تعريض خطوط الأنابيب التي تنقل نفطه إلي البحر الأحمر للخطر.. لكن هذا قد لا يكون سهلا.. فالخرطوم قلقة بالفعل.. وقد قال إبراهيم غندور العضو الكبير في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن مصدر الخوف الرئيسي هو أن جنوب السودان قد يستضيف بعض أعداء السودان.. وأن الشمال يعلم بأمر إسرائيل التي تعتبر السودان أحد أعدائها ويعلم بدورها في الجنوب.. كما يستطيع أن يري جدول أعمال الرئيس يويري موسوفيني رئيس أوغندا الذي عمل بطريقة واضحة جدا ومنظمة لفصل الجنوب حتي يستطيع السيطرة علي موارده الطبيعية.. ويقول مؤرخون أن إسرائيل دعمت متمردي الجنوب منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي حين زاد الشمال مساندته للقضايا العربية في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية.. بينما اتسم موقف ساسة جنوب السودان بالتحفظ إزاء الخطط الإسرائيلية.. وسيغذي شعور الخرطوم بالارتياب التعليقات علي استفتاء جنوب السودان التي بدأت تظهر في الصحف الإسرائيلية.. فقد كتب يويل جوزانسكي الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب بصحيفة هايوم قبل يومين.. أن إسرائيل علي الأرجح ستقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الجنوب.. والأهم أن شخصيات كبيرة في حكومة جوبا عبرت عن رغبتها في هذا علي مدي العام الماضي.. وهناك خطط ملموسة مع أوغندا التي لطالما كانت حليفة للجنوب وقاعدة لمتمرديه ولاجئيه.. وفي الشهر الماضي التقي موسوفيني مع رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير وناقشا احتمال إنشاء محطات للطاقة الكهرومائية علي الجزء الجنوبي من النيل الأبيض.. وأحاط الغموض بالتفاصيل.. من وجهة نظر الخرطوم فإن هناك تهديدا يفوق تهديد إسرائيل والخطط الخاصة بخط أنابيب شرق إفريقيا.. وهو أمرالاعتقال الذي صدرا بحق الرئيس السوداني عمرالبشير.. وربما يشعر الجنوب بالإغراء ليكسب نقاطا عند الغرب عن طريق الانضمام إلي 31 دولة إفريقية أخري عضو بالمحكمة.. لكن محللين يرون أن هذه الخطوة التي ستلزمه باعتقال البشير علي أرضه.. مبالغا فيها.. وإذا تصورنا السيناريو الأسوأ.. فإنه إذا تم تجاهل الشمال تستطيع الخرطوم ببساطة وقف تدفق نفط الجنوب.. ولا يعني هذا أنه يجب أن تصل الأمور إلي هذه المرحلة.. وقد قال ياسرعرمان عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو من الشمال أن العلاقة الأهم بالنسبة للجنوب ستكون مع الشمال.. وأضاف أن الشمال والجنوب سيشتركان في حدود يتجاوز طولها ألفي كيلو متر ويعبرها بانتظام نحو تسعة ملايين من الشمال وأربعة ملايين من الجنوب.. هذه مجرد أفكار وتحليلات.. ولكن علينا الانتظار لنري ما تسوقه لنا الأيام المقبلة..!