يبدو أن بعض الدول التي تدعي أنها دول ديمقراطية تحاول أن تصطاد في الماء العكر، ليس بهدف تهدئة الأجواء المشتعلة في بعض الدول وإنما لتحقيق اغراض أخري خفية تهدف إلي خلق جو من الانقسام والفتنة بين أبناء الشعب الواحد، كما يري بعض المحللين أنها شكل من اشكال استراتيجية استعمار القرن الحادي والعشرين ومن الغريب أن يخرج علينا أحد وزراء دولة تتظاهر دائما بعمق صداقتها مع مصر ويطالب المسئول بها وهو وزير الخارجية الإيطالي بعرض قضية المسيحيين في العالم علي مائدة وزراء خارجية دول المجموعة خلال اجتماعهم المقبل، فأي مسيحيين في العالم يقصد؟ أليس المقصود من مضمون موقف الحكومة الإيطالية المثير للاستعجاب هو مسيحيي دول العالم العربي؟ ليس هناك شك أن العملية الإرهابية الدنيئة التي نالت من كنيسة القديسيين بالاسكندرية وراح ضحيتها عشرات من أبناء الشعب المصري بمختلف دياناته وفئاته أثار ت مشاعر وضمائر الرأي العام العالمي، كما خيم الحزن علي كل بيت وفرد مصري، وبدلا من أن تتكاتف كل جهود دول العالم من اجل عدم إشعال الفتنة والإرهاب تحاول بعض القوي الخارجية التي يفترض انها صديقة إلي استغلال هذا الحدث الإرهابي لتحقيق اغراضها الخفية للنيل من أمن واستقرار مصر، ووحدة وتماسك المصريين كما تم في العراق، وذلك بتحويل الحدث الإرهابي الذي كان موجها لكل مصري دون تمييز إلي حدث إجرامي ضد المسيحيين دون غيرهم من المصريين، وبدأت تتعالي أصوات بعض الدول الأوروبية، ويخرج بعض المتطرفين السياسيين بمطالبتهم حماية المسيحيين في مصر وغيرها من الدول العربية والافريقية شيء مثير للدهشة كما لو كان المسيحيون في تلك الدول بضع أفراد مهاجرين أجانب، يعيشون في بلدة أجنبية، ونسوا أو حاولوا أن ينسوا أن مسيحيي مصر ومسلميه هم أصل الحضارة المصرية، فهم مصريون أبا عن جد، فليست القضية إذن ارهاب ضد فئة دون غيرهاونسي هؤلاء او تناسوا ماقامت ومازالت تقوم به إسرائيل من اضطهاد وتعد علي الأماكن المسيحية المقدسة في الاراض المحتلة، فلم نجد من هؤلاء السادة الأوروبيين و الأمريكان هذا الحماس عندما قامت إسرائيل بتدنيس الكنائس ومحاصرتها وإطلاق وابل من النيران عليها دون ردع من أحد، ومازالت إسرائيل تتمسك بيهودية الدولة وتطرد كل ما هو مسيحي أو مسلم من بلده وارضه، ضاربة بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية، في حين يقف زعماء أوروبا وأمريكا متفرجين بلا مبالاة للعنصرية الإسرائيلية، دون أن يطالب أحد منهم بعقد جلسة لوزرائه لبحث عنصرية إسرائيل ضد المسيحيين. لم نجد هذا الحماس أو جزءا منه لدي زعماء أوروبا وأمريكا ضد سويسرا عندما أقرت بتحريم حق من حقوق الأقليات المسلمة عندما أصدرت قانونا يمنع بناء المساجد وعدم توفير أماكن عبادة لهم. لكن مايثير الدهشة هو موقف بابا بالفاتيكان تجاه مأساة العملية الإرهابية والحزن الذي خيم علي كل بيت في مصر عندما خرج وعبر عن رأيه وخصص عزاءه لضحايا العملية الإرهابية الدنيئة من المسيحيين فقط لابد من أن يوجه عزاءه لضحايا أبناء الشعب المصري دون تمييز، فلم يكتف بابا الفاتيكان بمواسته لمسيحيي مصر فقط بل طالب بحمايتهم وعدم استسلامهم كما لو كانوا في حرب. ويري بعض المحللين أن موقف مثل هذا يزيد اتساع الفجوة بين أبناء الشعب الواحد كما أن من واجب رجال الأديان السماوية ألا يفرقوا بين إنسان وآخر علي أساس معتقداته الدينية. كما يري البعض أن موقف الحكومة الإيطالية وغيرها من دول المجموعة الأوروبية ك فرنسا وألمانيا تجاه قضية المسيحيين في مصر والعراق ودول عربية أخري أمرا غريبا ومثيرا للدهشة، فهي بهذا الموقف تفرق بين ابناء الشعب الواحد وتخلق رأيا يدفع للفتنة والانقسام، فهؤلاء المواطنون أبناء شعب واحد ومصير واحد وليس قلة أو أغلبية، فهم كلهم سواء أمام مصير واحد في وطنهم الأم، ألم يكن من الافضل أن تعالج إيطاليا مشاكلها مع الاقليات المتعايشة في أراضيها وخاصة المسلمين والاجانب من دول شمال أفريقيا، فما زال أحزاب الائتلاف الحاكم في إيطاليا وهو حزب رابطة الشمال يمارس اضطهاده ضد المسلمين سواء من الاجانب أو الايطاليين ويرفض بناء المساجد في الكثير من مدن الشمال كما يطالب بمحاربة السلمين في أوروبا، وأمام هذا الموقف العنصري لم نجد أحدا من زعماء دول المجموعة الأوروبية يتحرك للتنديد والتدخل لوقف مثل هذه الممارسات العنصرية ضد الاقلية من المسلمين والاجانب الافارقة. إن إيطاليا عانت ومازالت تعاني من دمار الإرهاب الداخلي سواء من جماعات اليمين المتطرف أو المنظمات الإجرامية كالمافيا والألوية الحمراء التي مازالت تمثل تهديدا كبيرا للدولة والمجتمع، فمنذ أيام مضت شهدت شوارع روما حالة من الفزع والخوف من عودة الإرهاب وسط الميادين والشوارع عندما انفجرت أحد القنابل أمام السفارة السويسرية في روما،وأدت إلي إصابة بعض أفراد الحراسة، كما عثر رجال الأمن علي بعض المتفجرات أمام أبواب بعض السفارات الأجنبية في روما وقام بوضعها بعض جماعات اليمين المتطرف ولكن أمام هذا المناخ المتوتر المشتعل الذي يشهده الشارع الإيطالي لم نجد أي مسئول من الدول الاجنبية يطالب إيطاليا بحماية جماعة أو فئة من أبناء الشعب الإيطالي ضد أخري،فإن احترام سيادة الدول عمل يزيد من تماسك وحدة كل دولة وعرف قانوني للتعايش السلمي المتبادل بين الدول.