الصراحة راحة .. هذه، باختصار، هي النتيجه التي توصل اليها الرئيس الامريكي باراك اوباما مؤخراً فيما يتعلق بجهوده السلمية لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. خلص اوباما الي هذه النتيجة بعد عامين من توليه الرئاسة انتقل خلالهما من حالة التفاؤل والرومانسية السياسية الي مرحلة التشاؤم والسوداوية الواقعية. بدأ اوباما معالجته لقضية السلام في الشرق الاوسط منذ ايامه الاولي في البيت الابيض » يناير 2009« وكانت رؤيته ان الحل العادل وتجميد المستوطنات الاسرائيلية واقامة الدولة الفلسطينية هي الملامح الاساسية للسلام المنشود. ولكن بمرور الوقت، ادرك الرئيس الامريكي ان »جرأة الامل« ، وهي عنوان اهم كتبه، والتي تحدث عنها في حملته الانتخابية قد تكون شعاراً براقاً يجذب اصوات الناخبين ويثير اعجاب المراقبين، ولكنها ابدا ليست آلية عملية لحشد المواقف أو تغيير السياسات. هكذا، هبط اوباما، أو سقط، رويداً رويداً من سماء الحلم الي ارض الحقيقة. فتراجع عن مطلبه بتجميد الاستيطان وانزلق نحو الانحياز لإسرائيل وتجاوز كل مفاهيم العدالة والشرعية خاصة بعد تفوق اليمين الامريكي المعارض في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والذي جعله مثل البطة العرجاء كما يقول التعبير الامريكي موضحاً عدم قدرته علي تمرير القرارات والسياسات التي يريدها بسهولة. واضطر اوباما، في النهاية، لأن يعترف بينه وبين نفسه ويصارح من صدقوه في معسكر الحلم، أو الوهم العربي، بانه اساء تقدير الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط وكل ما يقدر عليه الآن هو الدعوة لانتظار مناسبة اخري ربما تتيح زي مساحة من الامل في امكانية تحقيق رؤيته للسلام العادل. هذه المناسبة التي يقصدها اوباما هي احتمال تغيير الائتلاف اليميني المتشدد في اسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو والذي تنتهي ولايته عام 2013 بشرط ان يفوز اوباما ايضاً في انتخابات الرئاسة الامريكية القادمة عام 2012. السبب في ذلك واضح وهو ان الحكومة الاسرائيلية الحالية اكدت بما لا يدع مجالاً لأي شك انها ليست معنية بنجاح العملية السلمية وبالتالي فإن وصول قوة سياسية اخري اكثر اعتدالاً للسلطة في إسرائيل يمكن ان يشكل انفراجة نحو استئناف عملية السلام بشكل اكثر جدية. كما اثبت اوباما عجزه الكامل عن ممارسة اي ضغوط علي هذه الحكومة خاصة خلال النصف الثاني من رئاسته الذي سيركز فيه علي قضية محورية هي اعادة انتخابه لفترة ثانية. وبمعني آخر، فإن اوباما سيكون اكثر قدرة علي الحركة خلال فترة رئاسته الثانية، اذا كانت هناك رئاسة ثانية، حيث سيصبح اقل عرضة لضغوط اللوبي اليهودي علي اساس انه لا توجد فترة رئاسة ثالثة وفقاً للدستور الامريكي. والسؤال هو .. ما العمل خلال العامين أو الاعوام الثلاثة القادمة؟ الاجابة التي يبدو ان جميع الاطراف قد ارتضتها هي استهلاك الوقت فيما يمكن تسميته بالحركة في المكان أو بالتعبير العسكري »خطوة تنظيم« وذلك من خلال المفاوضات الموازية أو انشغال العرب بامكانية نقل القضية مرة اخري للأمم المتحدة أو اعتراف بعض البلدان خاصة في امريكا الجنوبية بالدولة الفلسطينية علي حدود 1967. هكذا، يتصور اوباما المرحلة القادمة في الشرق الاوسط وهو تصور يحقق مفهوم »الصراحة راحة« عند اطراف الصراع المختلفة وفي نفس الوقت ينقذ اوباما من تهمة الفشل أو العجز التي تعبر عنها كلمات الاغنية المصرية الشهيرة التي تقول : الصراحة راحة انت مبتعرفش ..الصراحة راحة انت مبتقدرش!