منذ أن اطلق السيد الرئيس دعوته التي تضمنت رسالة واضحة للأزهر الشريف ولكل المعنيين بشأن » الخطاب الديني » وهناك حراك في مصر امتد أثره لدول أخري منها إسلامي ومنها غير إسلامي ؛ وفي رأيي أنها دعوة كاشفة ومستحقة ؛ وملاحظتنا العامة أن هناك مجهودات وفعاليات عظيمة تقدم - آخرها مؤتمر الحرية والمواطنة- ولكنها مبعثرة وتفتقد للرؤية الاستراتيجية الشاملة والعميقة وقد اعتبرها البعض أنها موجهة للأزهر ورجاله من دون باقي مؤسسات الدولة المعنية بشكل مباشر بالأمر كالإعلام والتعليم مثلا رغم أهمية الدعوة ورفيع مقام مطلقها وعظيم أثرها إن نجحت أو أخفقت لاقدر الله. والقضية في تقديري لا تتوقف عند »الخطاب» لكونه وسيلة والأهم معالجة الأفكار الخاطئة والشاردة وإبداع أفكار جديدة في سياق مختلف ومناسب للرد علي الحرب الضروس التي تستهدف الإسلام ذاته ؛ مع الأخذ في الإعتبار أن أمر العقيدة ثابت ولكن أمر الفكر متطور ويجب أن نسمح لأنفسنا بالاقتناع بذلك وإيقاف موجة التجميد التي يتولي أمرها مؤسسات أو منظمات صنعت لنفسها وبنفسها ومن نفسها قيما علي الفكر وهو أمر يستحق الثورة عليه لا التنادي بصوت خفيض ومرتعش. وإذا كنا نريد أن نكون اكثر تحديدا فأزهرنا وشيخه الجليل والمستنير تتسم الحركة منهم بالجدية والوعي ولكنني ألمح حركة في الاتجاه المعاكس من البعض في المؤسسة وتباطؤ يصل مداه لعدم استجابة من جانب المؤسسات الأخري المنوط بها بحث الأمر وتحمل الدور ايا كان حجمه وتكلفته وأثره والتعامل بوعي وفاعلية ؛ وكأن التوجه هو موات الدعوة ؛ غير منتبهين إلي أن أثر هذه الدعوة ينتظرها أناس من ديننا وآخرون من غير ملتنا وفي أوطاننا وغير أوطاننا ؛ لأن الجميع يدرك خطورة الشرود من فئة ظالمة بيننا علي الإنسانية جمعاء ، وإذا كان السيد الرئيس قد أطلق دعوته فعلينا جميعا بمن فينا من قادة رأي مسئولية أخلاقية تجاه هذه الدعوة..إننا جميعا مطالبون بالبحث عن مناهج وأفكار وكذا عن كيفية تفعيلها بمواءمة مع معطيات عصر مختلف عما قبله؛ وعلينا أن ندرك - كمجتمع إسلامي - أننا قد اقتربنا من مرحلة نوسم فيها بالتخلف العام ؛ وهذا راجع في يقيني ليس لكوننا نفتقد للوسائل فحسب وانما مرجعه الأصلي لافتقادنا لمهارة » توليد الأفكار» فنحن نعاني بالفعل حالة » أنيميا أفكار حادة وعامة. من هنا يمكننا أن نجزم بأن ثمة شيئا خاطئا قد أصاب المجال الفكري لدي قطاع منا وتبلور في شكل موانع أو » مطبات » حال بين الفكر وإمكانية تفاعله أو اندماجه وفي ذلك الضمانة لتوقف مجتمعنا بأكمله عن التطور وهو أمر ينتج أثرا تصادميا واحتكاكا ضروريا مع المجتمعات الأخري وربما اتجاها إنعزاليا عنها حتي لمن انتقل وسعي للعيش فيها يؤدي حتما في النهاية إلي الموت أو السعي لموت الآخر ؛ ولذا فعلي هذا القطاع أن يسعي في البحث عن وسائل للتفعيل والإدماج لما لديه بدلا من السقوط الحتمي الذي يستدرجه ؛ مع الانتباه إلي أن الاندماج يتطلب بالضرورة أن يجري عملية تقدير موقف بأسس صحيحة تراعي فيها كافة الاحتياجات لنفسه وللآخرين من حوله في كلا النطاقين الضيق والأوسع وكذلك حدود ونطاق حركة هذا القطاع ؛ لئلا فلدينا قناعة بأن مجتمعاتنا لن يصيبها التغيير المنشود بعقول مضطربة وخاوية أو تظل علي حالها من توليد أفكار جامدة متخلفة مستدعاة من ظرف تاريخي لم يعد من الحكمة استدعاؤه بحالته الأصلية مطلقا ولا بالحادث بيننا من تفكك في البنية الاجتماعية وروابطها التقليدية التي كانت ملاذنا. من هنا علينا ان نتجه للإبداع الفكري المنتج لأفكار رائدة ومستنيره تناسب العصر شرط أن تعكس مخزوننا الأخلاقي والقيمي وهو عميق ومتجذر وتلائم المتاح والمتوقع في منظومة التقنية الحديثة مع مراعاة ضبط منظومة الأفكار الإبداعية إن توافرت والإنتباه إلي التفريق بين الأفكار التي تتماس مع الإنسان والأخري التي تستهدف تغيير الأشياء من حوله ؛ فالأولي تعني بتحديد القدرة والأخيرة تعني بتطويع المتاح ولابد وأن ننشيء علاقة إيجابية بينهما. إن أمامنا - كمسلمين - فرصة ذهبية الآن ؛ فالعالم بصدد إعادة هندسة شاملة لكل منظوماته التقليدية علي كل المستويات والاصعدة الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين القادمين لدرجة سنشهد معها تحولات عاصفة من الغرب إلي الشرق وسقوط وصعود وعودة لأطر حسبناها قد تلاشت ؛ فلنجتهد في البحث عن افكار جديدة نتمكن بها من إعادة الاندماج بسهولة ويسر مقدر ومقبول من الآخرين في المجتمع الأكبر.