يمكنكم التواصل مع الكاتب ومناقشته: [email protected] كانت أشعة الشمس قد بدأت تمحو سواد الليل، وأنا في طريقي بعد صلاة الفجر إلي المطار، ضمن الوفد الصحفي المرافق للرئيس مبارك، خلال جولته الخليجية، التي اختتمت أمس الأول، وزار خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ومملكة البحرين. راودتني أسئلة كثيرة عن أسباب هذه الزيارة وتوقيتها، سرعان ما كشفت عنها نتائج الزيارة. لكن ظل استفسار واحد لم أجد إجابة عنه، وهو: لماذا يسافر الرئيس مبارك في تلك الساعة المبكرة.. فطائرة الرئاسة لا تخضع لمواعيد للإقلاع أو الهبوط، وكان يمكننا مثلاً السفر في العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً! السفر علي طائرة الرئاسة لا يخضع لشيء سوي رغبة السيد الرئيس، وفي الموعد الذي يحدده. لكن سؤالا آخر طرح نفسه حول برنامج الزيارة، والذي شمل زيارة ثلاث دول في يومين ونصف اليوم، وكان يمكن مثلا أن يمتد لثلاثة أو أربعة أو خمسة أيام. ما الذي يدعو الرئيس مبارك دائما للعجلة في كل أسفاره وزياراته للخارج، والتي يتم كثيرا خلالها وضع اجتماع أو لقاء أو مقابلة بين كل اجتماع واجتماع، ومنذ الصباح المبكر. إنها عادة الرئيس، والتي يلمسها ويعيش معاناتها كل الذين يرافقونه في السفر. عادة الرئيس في أن يستغل كل ساعات اليوم في العمل والجهد الشاق، ونظرة واحدة لكم وكيفية التحول الذي عاشته مصر، منذ توليه المسئولية، كفيلة بأن تكشف حجم الإنجاز الذي حققه، والذي ربما كان يحتاج لسنوات مضاعفة. في كل أسفار وزيارات الرئيس للخارج، تبدأ الاجتماعات والمباحثات بعد وصول طائرة الرئاسة بدقائق قليلة، تتوقف علي طول الطريق من المطار إلي مكان اللقاء أو المباحثات. وإذا كان سفر رئيس أو زعيم دولة للخارج، لقضاء اجازة خاصة تستغرق أياما أو أسابيع وربما شهورا، يعتبر خبراً عادياً نقرؤه ونطالعه في كل الصحف، فإن كل زيارات الرئيس مبارك للخارج هي زيارات عمل، يحسب فيها كل شيء بالدقيقة والثانية، ويواجه رجال المراسم والبروتوكول مواقف كثيرة، خلال مناقشاتهم مع نظرائهم في الدول التي يزورونها، يعود معظمها لرغبة الرئيس في عدم تضييع الوقت، وعدم وجود أي فترات للراحة بين أي مواعيد أو لقاءات أو اجتماعات. وصلنا إلي محطتنا الأولي في دولة الإمارات العربية المتحدة، واسئلة تدور في عقولنا حول سبب الزيارة وتوقيتها. ولاشك ان نظرة واحدة علي العالم من حولنا، سواء عالمنا العربي أو دول منطقتنا أو العالم الخارجي، كفيلة بأن تكشف عن حالة من التعارض والتناقض الواضح بين المصالح، والتي في سبيلها تتواري الشرعية والقانون الدولي، وتقف معظم المنظمات الدولية عاجزة أمام ايجاد مخرج لها. نظرة واحدة علي عالمنا العربي، كفيلة بأن تؤكد أهمية وضرورة التحرك المصري.. تحرك تجد مصر فيه نفسها القوة الأساسية القادرة علي أن تضبط تفاعلاته، وتحدد أهدافه صوب المصلحة العربية، والتي تجسد في مجملها المصلحة المصرية. جاءت الزيارة في ظل توتر يتصاعد بين ايران والغرب وتأثيراته الإقليمية المباشرة، وخلال مباحثات الرئيس مبارك مع قادة الدول الثلاث، كان تأكيد مصر الواضح علي ان أمن منطقة الخليج العربي جزء من الأمن القومي المصري، وهو أحد المواقف الثابتة والواضحة لمصر تجاه أشقائها بدول الخليج العربية. كما جاءت الزيارة في ظل شبح التقسيم بالسودان، وعلي ضوء ما سيقرره الاستفتاء الشهر بعد القادم، وقد اتفقت وجهات النظر بين الرئيس مبارك وقادة الدول الخليجية الثلاث علي احترام ما يقرره الاستفتاء، وضرورة الحفاظ علي الأمن والاستقرار بالسودان الشقيق. تطرقت المباحثات أيضا للأوضاع بالأراضي العربية المحتلة، والدور والجهود المتواصلة التي تقوم بها مصر لرأب الصدع الفلسطيني، وحشد المجتمع الدولي لوقف بناء المستوطنات، وإعادة إحياء المفاوضات المباشرة للسلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. كما تم بحث الأوضاع بالعراق علي ضوء التشكيلة الجديدة للحكومة، ودعم أي جهود تبذل في مجال تحقيق الأمن والاستقرار، ودعم جهود إعادة البناء والحفاظ علي سيادة ووحدة أراضي العراق الشقيق. وتناولت المباحثات الأوضاع في لبنان واليمن، بالإضافة للعديد من القضايا الإقليمية والدولية.
جولة الرئيس مبارك، وإن كانت ملفاتها مثقلة بالهم العربي والإقليمي إلا انها حملت أيضا - وعلي جانب كبير من الأهمية - مصالح مصر وسعيها المستمر لتأمين قدرتها علي تحقيق النمو والإصلاح، وتحقيق رغبة شعبها في رفع مستويات معيشته، من خلال دور أكثر انفتاحا علي أسواق الاستثمار والتصدير، وتحقيق المصالح الاقتصادية المتبادلة مع أشقائها العرب، بالإضافة لعنصر آخر وضعه الرئيس مبارك ضمن أجندة الزيارة، وهو أوضاع العمالة المصرية بالدول التي زارها، وتأكيده علي ضرورة حماية حقوقهم. مصالح مصر هي دائماً التي تحدد بوصلة طائرة الرئاسة، في أي جولة يقوم بها الرئيس للخارج. علي مدي يومين ونصف اليوم، احتلت قضية زيادة الاستثمارات بين مصر والدول الثلاث جانبا كبيراً من المباحثات. فلاشك ان تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، قد ألقت بظلالها علي معدلات الاستثمار العربي والأجنبي بمصر، والذي كان من تبعاته انخفاض معدلات النمو الاقتصادي من 2.7٪ إلي 5٪، وهو الأمر الذي استدعي تحركا نشطا قاده الرئيس مبارك لجذب المزيد من الاستثمارات. وكما قال المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة ووزير الاستثمار بالإنابة، فإن عودة معدلات الاستثمار إلي ما كانت عليه قبل الأزمة، يتطلب ضخ ما بين 7-8 مليارات دولار استثمارات جديدة سنوياً. وخلال لقاء الرئيس مبارك وشقيقه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، تم بحث زيادة الاستثمارات الإماراتية بمصر، بالإضافة لمشاركة الصناديق الاستثمارية في بعض المشروعات الجديدة الخاصة بالبنية الأساسية والمرافق، والتي ستتم بمشاركة القطاع الخاص، وفقا للقانون الجديد الذي ينظم هذه العلاقة، ويضمن حقوق الدولة والمستثمرين، وقبلها حماية مصالح المواطنين وعدم تحملهم أي أعباء نتيجة لذلك، وبما يؤدي لتخفيف الأعباء الملقاة علي الموازنة العامة للدولة. وتم الاتفاق علي مشاركة الإمارات في بعض مشروعات البتروكيماويات الكبري، والتي ستقوم بتكرير الصادرات البترولية الإماراتية داخل مصر ثم تصديرها، وسيقوم وفد رفيع المستوي برئاسة الشيخ منصور بن زايد بزيارة لمصر قبل منتصف الشهر القادم، ويشارك فيه لأول مرة عدد كبير من رؤساء الشركات العالمية، التي قامت الإمارات بشراء حصص كبيرة بها، وذلك لبحث إقامة مشروعات مشتركة، وباستخدام تكنولوجيا متقدمة، وخاصة بمنطقتي برج العرب وشرق التفريعة. والمعروف ان حجم الاستثمارات الإماراتية وصل إلي 5 مليارات دولار، ليحتل المركز الثالث في الاستثمارات الأجنبية داخل مصر.
زيارة دولة قطر تحمل عديداً من المعاني، تدل عليها الحفاوة الكبيرة التي قوبل بها الرئيس مبارك والوفد المرافق، من قبل صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والذي كان في مقدمة مستقبلي الرئيس، وحرص في اليوم الثاني علي الذهاب لمقر إقامة الرئيس، حيث عقدا جلسة ثنائية استكملا خلالها بحث مجمل القضايا العربية، ثم صحب الرئيس مبارك حتي المطار مودعاً ومؤكداً تقديره واعتزازه بالرئيس مبارك، ودور مصر كأكبر قوة عربية. الزيارة أكدت من جديد، ان اختلاف الرؤي تجاه بعض القضايا أو الملفات لا يؤثر إطلاقا في قوة علاقات الدول، ففي الوقت الذي كانت فيه بعض وسائل الإعلام تتناول ما أسمته الجفاء بين مصر وقطر، أكد الرئيس مبارك ان اتصالاته ولقاءاته مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لم تنقطع يوماً من الأيام، مرحبا بالدور القطري في حل أي مشاكل أو ملفات عربية خاصة القضية الفلسطينية. وأكد أمير قطر تقديره واعتزازه بدور مصر في عملية المصالحة الفلسطينية، وتأييد بلاده لأي رؤي وأفكار تطرحها مصر كأكبر دولة عربية. وكما قال السفيرسليمان عواد مدير مكتب الرئيس للمعلومات والمتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، إن اختلاف الرؤي بين مصر وقطر حول بعض القضايا لم يؤد إلي توتر في علاقات الدولتين، حيث كان الزعيمان مبارك وحمد من الحكمة ما جعلهما يتجاوزان أي خلافات، وظل الحوار، والاتصالات المستمرة، تعكس نوعا من المحبة والمودة. وقد اتفق الجانبان المصري والقطري علي إعادة تفعيل اللجنة العليا المشتركة، كما اتفقا علي التعاون في مجال الطاقة والغاز علي مستوي المنطقة والشرق الأوسط، بالإضافة لزيادة الاستثمارات المشتركة واستكمال المنطقة الصناعية في برج العرب وزيادة المشروعات السياحية، بالإضافة لرعاية العاملين المصريين بقطر، والذين يقارب عددهم 021 ألف مصري. وفي ثالث محطة لجولة الرئيس، عقدت مباحثات قمة في المنامة بين الرئيس مبارك وشقيقه الشيخ حمد بن عيسي ملك البحرين، تناولت دعم العلاقات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري. وذلك في إطار علاقة متميزة جمعت بين الرئيس مبارك وشقيقه ملك البحرين، امتداداً لعلاقة تاريخية متميزة بين البلدين. وعكست تصريحات الزعيمين بعد المباحثات التطابق الكامل لوجهات نظر البلدين، تجاه مختلف القضايا العربية والاقليمية والدولية، وقد أشاد ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي بدور الرئيس مبارك في عملية السلام، وقال أن الرئيس مبارك يواصل الليل بالنهار، من أجل ايجاد مخرج يضمن الحقوق الفلسطينية، وتحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة. وككل زيارات الرئيس للخارج، فإن الأيام القليلة القادمة سوف تشهد لقاءات واتصالات مكثفة، بين مصر والمسئولين ورجال الأعمال في الدول الخليجية الشقيقة، ليتم ترجمة ما انتهت إليه المباحثات علي أرض الواقع.