يمكنكم التواصل مع الكاتب ومناقشته: [email protected] ليتكم كنتم معي!! لتعرفوا كم هي كبيرة مصر بطموحاتها وأحلامها وخطواتها الجادة، للحاق بالقوي الاقتصادية الكبري، والتعامل معها بندية وقوة، في إطار عالم جديد يعلي من لغة المصالح المشتركة. ليتكم كنتم معي في الأرجنتين لتعرفوا حجم المكانة، والتقدير الكبير، اللذين تحظي بهما مصر في كل دول أمريكا الجنوبية، التي جاءت إلي هنا للمشاركة في اجتماعات »الميركسور« أو السوق المشتركة، والتي عقدت مصر معها أول اتفاق للتجارة الحرة، يعقده هذا التجمع مع دولة في القارة الأفريقية. اتفاق حظي بإجماع كل دول أمريكا الجنوبية، والتي تنظر لمصر نظرة خاصة، تقوم علي أساس رؤية واضحة للمستقبل، تؤكد أن مصر قادمة - لا محالة - لكي تنضم إلي الكبار، وتشارك بفاعلية في حركة الاقتصاد العالمي، لذلك فإن التعاون معها يمثل رصيداً لتلك السوق المشتركة، التي تنطلق بقوة لتنافس غيرها من الكيانات والتجمعات الاقتصادية العالمية، كالسوق الأوروبية المشتركة. هنا يتابعون عن كثب كل ماتقوم به مصر من إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويكنون تقديراً خاصاً للرئيس مبارك وسياسته الحكيمة، ورؤيته بالنسبة لقضايا السلام والاستقرار، ودعوته لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وكم كان المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة محقاً، عندما قال لرجال الأعمال والمستثمرين المصريين الذين رافقوه، إنه قد آن الأوان لأن نعظم استفادتنا من مكانة مصر والتقدير والاحترام، بل والانبهار، الذي يكنونه للرئيس مبارك، الذي يعتبرونه زعيما تخطت مكانته وحكمته ورؤيته الصائبة حدود عالمه العربي والإسلامي. وتلك حقيقة شاهدناها وسمعناها من كل المسئولين، الذين التقي معهم المهندس رشيد محمد رشيد، الذي استطاع خلال سنوات قليلة أن ينجح في تنفيذ تكليفات الرئيس مبارك، ويبني لمصر مكانة، ربما تعدت في بعض الأحيان واقع اقتصادها، وذلك من خلال مساعيه الدءوبة لبناء علاقات راسخة مع كل القوي الاقتصادية العالمية، وكانت قناعاته الشخصية بأن اقتصاد مصر قادر بالفعل علي التفاعل والتواجد علي الساحة العالمية . لا أبالغ عندما أقول إنه نجح في تسويق مصر بأسلوب عصري، وبعيدا عن مفردات اقتصادية بالية عفا عليها الزمن، ولم تعد تجد آذانا من أحد. ففي كل لقاءاته مع رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، يحرص المهندس رشيد علي الحديث عن مزايا الاستثمار بمصر، بصورة تمثل نوعاً من الإغراء، وخاصة تناوله لما حققته مصر من إصلاحات اجتماعية وسياسية، وماتتمتع به من استقرار وأمن وأمان، بالاضافة الي امكانيات مصر كسوق للصادرات والتجارة مع الدول المجاورة. بعد رحلة شاقة استغرقت ما يقرب من 81 ساعة، وعبر مطار فرانكفورت، وصلنا إلي بيونس إيرس عاصمة الارجنتين، وسؤال يدور في عقولنا: لماذا نحن هنا؟! ليس في آخر بلاد المسلمين كما نقول في مأثوراتنا عن البعد الجغرافي أو طول المسافة، ولكن في الحقيقة في آخر بلاد الدنيا، ويكفي أن نعرف أن المهندس رشيد محمد رشيد هو أول وزير مصري - عبر التاريخ - يأتي في زيارة رسمية إلي هنا، وعلي رأس وفد رسمي، ولم يسبقه إليها إلا عمرو موسي عندما كان وزيرا للخارجية، وحضر للارجنتين في اجتماع دولي، وليس في إطار علاقات ثنائية. نحن هنا في اجتماع السوق المشتركة »الميركسور«، الذي تمت دعوة مصر لحضوره، ويضم العديد من دول أمريكا الجنوبية، وهي البرازيل والارجنتين واوروجواي وباراجواي وشيلي وبوليفيا وبيرو والاكوادور وكولومبيا، وفنزويلا التي انضمت مؤخرا. ويبلغ عدد سكان السوق 252 مليون نسمة، يعيشون علي ما يقرب من 07٪ من مساحة أمريكا الجنوبية. ويصل حجم الناتج المحلي فيها إلي 7.2 تريليون دولار، ووصلت صادرات دول السوق إلي 5.422 مليار دولار، علي حين وصلت وارداتها إلي 881 مليار دولار. بلغ حجم وارداتنا في مصر من دول السوق نحو 2 مليار دولار، ويأتي علي رأسها اللحوم والسكر والحديد والصلب والطائرات والقمح ومكونات السيارات والورق، علي حين بلغت صادراتنا لدول السوق ما يقرب من 411 مليون دولار، تمثلت في الأسمدة الفوسفاتية والغزل والجلود والسجاد والرخام. هذا التجمع العملاق يمثل - إذن - فرصة سانحة لمصر، تكمل خطواتها الناجحة في اقامة علاقات قوية مع كل الكيانات الاقتصادية. علاقات لا تجعل مصر فريسة لأي ضغوط اقتصادية، أو تجعلها أسيرة لتوجهات اقتصادية معينة، تمثل مصلحة لطرف علي حساب طرف أو أطراف أخري. ان تنوع العلاقات الاقتصادية يمثل نهجاً مصريا خالصا، نجحت الحكومة في تنفيذه، وبتكليفات مباشرة من الرئيس مبارك، كما قال لي المهندس رشيد محمد رشيد. وربما في زحمة الاحداث، نسينا الموقف المصري من توقيع اتفاق التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة. ففي الوقت الذي اعتبر فيه بعض الساسة الأمريكيين ان اتفاقا للتجارة مع مصر، يمثل مغنما تسعي إليه مصر، ويمكن أن يمثل بالنسبة لهم إحدي أوراق التفاوض أو إملاء الشروط، خرج المهندس رشيد محمد رشيد وقتها ليعلن بكل الوضوح والصراحة والقوة، ان الاتفاق ليس هدفا، وليس غنيمة تسعي مصر إليها. كان معني ذلك أن دخول الاتفاق إلي الثلاجة بأسلوبنا المصري، يتم تحقيقا لمصالحنا وليس لمصالح الولاياتالمتحدة، كما اعتقد بعض ساستها خطأ. لم يفعل رشيد ذلك من فراغ، ولكن من خلال رصيد وأرضية صلبة، تمثلت في علاقات مع معظم الكيانات الاقتصادية الاقليمية والدولية، وقبلها العربية والافريقية. فارق هائل وكبير أن تكون طائرا اسيرا في قفص، وبين أن تحلق في الفضاء دون قيود أو شروط أو استئثار من أحد. حرية الحركة في الاقتصاد تعني مزيدا من الحركة، ومزيدا من المصالح، والقدرة علي اقتناص الفرص التي تتحقق فيها مصالحك، والتي يتيحها لك اتساع الملعب الذي تتحرك فيه. فمصر خلال سنوات قليلة نجحت في توقيع اتفاقية للشراكة مع أوروبا، دخلت حيز التنفيذ عام 4002، واتاحت حرية كاملة في حركة الصادرات والواردات داخل كل بلدان الاتحاد الاوروبي، الذي اصبح ساحة للمنافسة العالمية. وكان لمصر أفضلية، تمثلت في القرب الجغرافي والرصيد الثقافي الذي يجمعها مع العديد من دوله، بالإضافة لاتفاق كامل في وجهات النظر بالنسبة للقضايا السياسية. مصر أيضا نجحت في إقامة علاقات اقتصادية متنامية مع افريقيا، من خلال دورها النشط في الكوميسا. مصر نجحت في اتمام اتفاقية الكويز بعد مفاوضات وجهود مضنية، تضمنت الموافقة الأمريكية علي مطالب مصرية كثيرة، ووصل عدد الشركات التي استفادت من الاتفاقية ما يقرب من 004 شركة. مصر أيضا نجحت في تفعيل السوق العربية المشتركة من خلال اتفاقية التيسير، والتي ادت لارتفاع في حجم صادراتنا إلي ثلاثة اضعاف ماكانت عليه. نجحنا في التفاوض مع روسيا لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة، وقريبا سيتم توقيع اتفاقية مع سنغافورة، في تدشين لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي مع آسيا. حدث نفس الأمر علي الصعيد الثنائي مع الارجنتين، ومع البرازيل التي قام الوفد الاقتصادي برئاسة رشيد بعقد سلسلة من اللقاءات مع كبار المسئولين فيها، شارك في فعالياتها عدد كبير من كبار المستثمرين ورجال الأعمال. حرية الحركة والتعاون الاقتصادي في ساحة اقتصادية تتزايد مساحتها يوما بعد يوم، يعني اشياء كثيرة ربما لا نتوقف كثيرا أمامها، رغم انها تمهد لمستقبل واعد للاقتصاد المصري. يعني جذب مزيد من الاستثمارات للعمل بمصر.. يعني مزيدا من الصادرات المصرية لاسواقها. يعني تنوعا في الواردات المصرية التي تتجه اليوم صوب المصالح.. صوب السعر الأقل والجودة الأعلي في سوق مفتوح، يكون لنا فيه كامل الاختيار. تعني مزيدا من فرص العمل ونقل التكنولوجيا، وضخ دماء جديدة لشرايين الاقتصاد المصري. ليتكم كنتم معي لتعرفوا حقيقة الدور المصري، والمكانة التي تحظي بها مصر في كل بقاع الدنيا، حتي ان كنا في احيان كثيرة، نشعر بأن ثمار الاصلاح الاقتصادي قد تأخرت، وأن هذا الانفتاح علي العالم لم يتحول إلي شيء ملموس في حياتنا. لكن الحقيقة تؤكد دون أدني شك اننا قادمون. ليتكم كنتم معي، ورجال الجوازات في كل المطارات التي زرناها ينظرون باعجاب، وترتسم علي شفاههم البسمة، وهم يمسكون جوازات سفرنا، ويقولون بأعلي صوتهم: إجيبتوا!!