د. عمرو درّاج استأذن القارئ الكريم بأن يكون مقال اليوم هو آخر مقالاتي في سلسلة »لماذا أنا متفائل؟« والتي حاولت فيها أن أساهم في بث روح الأمل والثقة في المستقبل ،برغم المصاعب والمشاكل الوقتية التي نعاني منها جميعاً،نتيجة تبعات المرحلة الانتقالية التي نمر بها ، وقبل ذلك نتيجة ميراث عشرات السنين من الفساد والاستبداد ، والتي لا يمكن أن يتخيل عاقل أن نتمكن من إزالة جميع تبعاتها في أشهر قليلة ، والهدف من محاولتي تلك أن أقنع القارئ الكريم أن المستقبل مشرق وباهر ، وأسباب ذلك واضحة وموضوعية ، وإذا أدركنا هذه العوامل والمقومات ، فإن ذلك بالضرورة يدفعنا للعمل والإنجاز ، متوكلين علي الله ، ثم معتمدين علي أنفسنا وعلي هذه المقومات في تغيير واقعنا نحو الأفضل ، وتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير المباركة. وفي مقالي اليوم ، أحاول أن أتتبع أمراً مهماً قد يساعد في تكريس النظرة المتفائلة نحو المستقبل ، وهذا الأمر هو أنه بالرغم من كل المشاكل السياسية والاقتصادية التي نعاني منها ، ومن آثار المرحلة الانتقالية التي نمر بها ، فإن الشعب المصري تمكن من إنجاز أمور هامة علي أرض الواقع ، البعض منها كان في عداد المشكلات الكبري لسنين طويلة ، وذلك انطلاقاً من الأسباب التي شرحتها في المقالات السابقة والتي تدعوني للتفاؤل ، وهذا يدعونا لمزيد من الأمل في ان تهيئة الظروف المناسبة للانطلاق سوف يسرع بشكل كبير من وتيرة الانجاز الرئيسية التي تحققت علي الأرض في ملفات هي غاية في الأهمية. ولكن قبل الحديث عن الإنجازات أود الإشارة لأمر له دلالته الكبيرة ، فلقد تمكن المصريون الأسبوع الماضي من احتواء ملف الفتنة الطائفية التي اندلعت في مدينة الخصوص بالقليوبية ، صحيح أن أحداثا للعنف أشعلت هذه الفتنة ، وسقط ضحايا من الجانبين ، مما يحدث كثيرا هذه الأيام بين عائلات أو أفراد قد تنتمي لنفس الديانة نتيجة عوامل الشد والتوتر الموجودة في المجتمع ، إلا أن الجانب المشرق يتمثل في أن المجتمع ، وكذلك الأجهزة الرسمية والشعبية ، تمكنت من احتواء الفتنة عن طريق آليات سريعة وفعالة ، كما تم القبض علي عدد من المشاركين في هذه الفتنة والتحقيق معهم تمهيدا لإنفاذ القانون ، وهذامما يعطي الأمل في امكانية احتواء مثل هذه الأحداث العارضة بشكل فعال في المستقبل بإذن الله. أول الانجازات التي أريد الحديث عنها اليوم ، ان الشعب المصري تمكن لأول مرة في تاريخه من خلال المشروع القومي الجديد للقمح بزراعة 3.3 مليون فدان بإنتاجية قد تصل الي حوالي 9 ملايين طن هذا العام ، وإذا قارنا ذلك بما فرضه النظام السابق من قيود . علي الانتاج بحيث لا يزيد علي 3.5 مليون طن مقارنة بالاستهلاك السنوي الذي يبلغ 13 مليون طن ، مما جعل مصر المستورد الأول للقمح في العالم ، فسوف ندرك حجم هذا الإنجاز . ولذلك فإن إنجاز هذا العام ينبغي أن يفتخر به الشعب المصري كخطوة رئيسية علي طريق استقلال القرار الوطني ، وكثمرة طيبة من أوائل ثمار ثورة 25 يناير المباركة. ويرتبط بهذا الانجاز مشروع تحرير سعر الدقيق وفقاً للمنظومة الجديدة للخبز ، والتي بدأ تنفيذها هذا العام ، وتتلخص في اتاحة الدقيق للمخابز بسعر السوق ، مع توجيه الدعم المخصص للخبز إلي انتاج الرغيف مباشرة وليس الدقيق ، مما يحقق عدة أهداف أهمها ذهاب الدعم لمستحقيه بالفعل ، مع استخدام الدقيق الجيد لإنتاج الخبز المدعم ، وليس بتسريبه إلي محال الحلويات والمخابز الإفرنجية ، وهو ما يؤدي إلي تحسن واضح في نوعية رغيف الخبز المدعوم ، ووصول دعم الرغيف الي مستحقيه بالفعل ، وهو ما يشكل نسبة كبيرة من الدعم في موازنة الدولة ، ويوفر إنجازاً هائلا علي طريق تحقيق العدالة الإجتماعية. ومما يتعلق بالعدالة الاجتماعية أيضاً ، فقد تم إطلاق مشروع التأمين الصحي الشامل للمرأة المعيلة ، والذي تستفيد منه أكثر من 5 ملايين امرأة وأطفالها ، ممن تشتد حاجتهم إلي مثل هذا التأمين الصحي، كذلك تمت زيادة المعاشات لعدد 3 ملايين مواطن بنسبة 20٪ سنوياً ، بالإضافة إلي رفع قيمة معاش الضمان الإجتماعي لما يصل إلي 400 جنيه بعد أن كان مائة جنيه فقط ، وتم أيضاً إطلاق كادر المعلمين الجديد لعموم معلمي مصر ، وبدأ العمل علي إخراج الكادر الصحي لعموم العاملين بالقطاع الطبي، وتم إقرار الحدين الأدني والأقصي للدخول ، وهو ما ينتظر التطبيق الجاد ، وتم مؤخراً الموافقة علي رفع حد الإعفاء الضريبي للمواطنين إلي 12 ألف جنيه سنوياً بزيادة 33٪ عن حد الإعفاء السابق ، وكل هذه الخطوات بدون شك تصب في صالح المواطن البسيط الكادح ، علي الرغم مما تعانيه موازنة الدولة من عجز شديد ، مما يطمئن الشعب المصري إلي أن الإصلاح الجدي لهذا العجز سوف يؤدي بالضرورة إلي المزيد من المكاسب علي طريق تحقيق العدالة الاجتماعية. أما علي طريق الإنجازات في المجالات الاقتصادية المختلفة ، فلقد أمكن لأول مرة زيادة الصادرات غير البترولية بنسبة 20٪ هذا العام ، وتم طرح 5ملايين متر مربع من الأراضي لعدد 1692 مصنعا جديداً من تشغيل 600 مصنع وتوفير 400 ألف فرصة عمل جديدة خلال ثمانية أشهر ، ومن أهم الاستثمارات الجديدة تم إنشاء أكبر مجمع للصناعات الإلكترونية في الشرق الأوسط لشركة سامسونج الكورية بمدينة بني سويف باستثمارات 9 مليارات جنيه ، وكذلك إطلاق المشروع الضخم للاستفادة من الرمال السوداء في محافظة كفر الشيخ ، وبدأ تصنيع وحدات قطارات متطورة لمترو الأنفاق في الهيئة العربية للتصنيع وسيبدأ استخدامها في الخط الثالث للمترو، وجاري أيضا الاتفاق مع 13 شركة عالمية علي أعمال التنقيب عن البترول والغاز في البحر المتوسط باستثمارات متوقعة في حدود 1.2 مليار دولار، كما تم إطلاق شركة سمارت للطيران منخفض التكاليف لتشجيع السياحة الداخلية ، وعلي ذكر السياحة ، فلقد سعدت كثيراً بما ذكره الأستاذ وائل قنديل في مقالة بجريدة »الشروق« يوم 8 ابريل باقتراب نسب الاشتغال في فنادق شرم الشيخ والغردقة في الأسبوع الذي سبق المقال من حوالي 90٪ مما يعني ثقة العالم الإمكانيات السياحية لمصر، وأنه بمجرد استقرار الأوضاع لمدة بسيطة ، تبدأ أرقام السائحين في الزيادة مباشرة . ولقد أثلج صدري كثيراً الاطلاع علي تقرير تليفزيوني يبين الخطوات التفصيلية لصناعة أول حاسب آلي لوحي مصري بإسم »إنار« - صنع في مصر - أنتجه مصنع بنها للصناعات التكنولوجية ، وذلك بالكامل من الصفر ،شاملا الدوائر والمكونات الإلكترونية ، عدا الشاشة ، وذلك يجعلنا نضرب عدة عصافير بحجر واحد ، وأهمها اقتحام هذا المجال من التكنولوجيا العالية ، بالإضافة إلي توفير حاسب لوحي بسعر منافس يمكن استخدامه علي نطاق واسع في المدارس والجامعات المصرية ، مما يساهم بشكل كبير في تطوير العملية التعليمية ، وقد شاهدت بنفسي بدء استخدام هذه الأجهزة في إحدي مدارس محافظة أسيوط. ومما يطمئن أيضاً في المجال الاقتصادي، أن البنك المركزي المصري تمكن هذا الأسبوع من القضاء علي المضاربات علي الدولار الأمريكي والسوق السوداء المتعلقة بالتعامل فيه ، مما أدي إلي استقرار سعر الصرف إلي حد كبير وقضي علي الفروق بين السعر الرسمي وسعر السوق ، مما أنهي حالة الانزعاج الذي كان سائداً لعدم توافر الدولار نتيجة انخفاض احتياطي العملة وكذلك المضاربات غير المسئولة، وأعطي الأمل في إمكانية السيطرة علي هذا المجال الحيوي بحيث لا ننزعج إذا حدث مرة أخري والوصول بالدولار إلي سعر عادل يحقق ميزة جيدة في زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، وكذلك تشجيع السياحة الواردة إلي مصر لانخفاض تكلفتها النسبية في وقت قصير وبمناسبة الاحتياطي النقدي الذي انخفض من حوالي 36 مليار قبل الثورة مباشرة إلي أقل من 15 مليار في يونيو 2012، فإن الإجراءات التي تلت ذلك جعلت الانخفاض لا يتجاوز حوالي 1.5 مليار دولار في تسعة أشهر، مع وجود مؤشرات بتوقع ارتفاع الاحتياطي إلي ما يتجاوز 18 مليار دولار قبل نهاية العام بإذن الله. ومن المبشرات أيضا، ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج إلي مصر لرقم غير مسبوق وهو 19 مليار دولار، وعلي حد علمي، فإن هناك دعوة لمؤتمر للمصريين بالخارج هذا الأسبوع، يستهدف فيما يستهدف رفع هذه التحويلات إلي أكثر من 30 مليار دولار سنويا، وهو ما سيساهم بشكل كبير في رفع مستوي الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، ويوفر مبالغ جيدة يتم توجيهها لإقامة استثمارات جديدة مع توفير الاتياجات الأساسية للشعب المصري. وقد ظهر عدد من المؤشرات الإقتصادية الجيدة هذا العام حيث ارتفع معدل النمو إلي 2.4٪ في النصف الأول من العام مقارنة ب0.4٪ في نفس الفترة من العام الماضي، وارتفعت أعداد السائحين بنسبة 7.8٪ مقارنة بانخفاض 8.6٪، وارتفعت إنشاءات المباني بنسبة 4.5٪ مقارنة بانخفاض 1.6٪ وارتفع الانتاج الصناعي بنسبة 2.4٪ مقارنة بانخفاض 3.1٪ وزادت التجارة الداخلية بنسبة 2.6٪ مقارنة بانخفاض 1،0٪ في العام السابق. ومما لاشك فيه، أن هذه الإنجازات لا يمكن اعتبارها كافية أو تحقق كل طموحات الشعب،إلا أني ذكرتها كأمثلة لتوضيح أن الإنجاز الضخم، في ملفات شديدة الصعوبة بشكل مزمن، لهو أمر ممكن إذا ما تمكن الشعب المصري من تحقيق هذه الإنجازات خلال الفترة الإنتقالية المضطربة، فما بالنا إذا ما إستقرت الأوضاع، وانتهت المرحلة الانتقالية واستكملنا الإستحقاق الديمقراطي؟ إننا بالفعل نمر بمرحلة صعبة، ولقد استلم المصريون تركة ثقيلة بعد سنوات القهر والاستبداد والفساد، والمهمة ليست سهلة، لكن بالعزيمة والإصرار، بعد التوكل علي الله،والتمسك بالأمل والثقة يمكن للمصرين تحقيق المعجزات. كلي ثقة في مستقبل مشرق وباهر لمصر بإذن الله.