د. عمرو خالد إن الاخلاق عبارة عن منظومة نفسية دائمة راسخة في الانسان، ومن هذه المنظومة أو تلك الهيئة النفسية تصدر الاعمال بسهولة ويسر وانسيابية من غير ان يتكلف الانسان التفكير فيها أو حتي الروية قبل إتيانها، ومتي كانت هذه الاعمال اعمالا جميلة ومحمودة عقلا وشرعا فإن هذه المنظومة أو تلك الهيئة النفسية تسمي خلقا حسنا، والعكس صحيح! من المهم جدا في هذا التعريف الذي سبقته كلمتي دائمة وراسخة لم؟ لان من يتصدق مثلا مرة واحدة في حياته أو مرتان لا يقال عنه أنه سخي وكريم، وإنما ليوصف بالسخاء والكرم لابد ان يكون بذله للمال بذلا دائما ثابتا، يفعله ويؤديه بسهولة من غير منازعات عنيفة من النفس تحاول رده عن فعل إنفاق المال. والذي ينتقم لنفسه في كل من يساء إليه فيها، ويعفو مرة كل ألف مرة، لا يعقل أن يسمي عفوا أو صفوحا، وإنما يسمي بذلك، إذا عفا وصفح ألف مرة، وانتصر لنفسه مرة! والانسان الذي يثور في كل مرة يستثار فيها، ويحلم مرة كل ألف مرة ليس حليما، وإنما كذلك يكون إذا كان حليما حلما دائما راسخا. من هذا التعريف يستطيع المرء اكتشاف نفسه واخلاقه، وباكتشاف الذات يقطع المرء نصف طريق الاصلاح متي أراد ذلك ويبقي النصف الاخر الذي يتم بالمجاهدة المبصرة الصادقة الذي ارجوه من قارئ المقال الذي استوعب التعريف ان يستحضر نفسه ويعرضها علي جملة أخلاقه كالحياء، والصدق، والبر، والوقار، والصبر، والشكر، والرضا، والحلم، والرفق، والعفة، والشفقة، والحقد، والبخل، والحسد، والبشاشة، ثم ليتأمل أين هو من هذه الاخلاق غيرغافل أو متغافل عن محور التعريف وهي صفات الرسوخ والثبات والديمومة في الاعمال! لا شك أنه سيكتشف نفسه متي كان صادقا معها. والحكمة نعمة كبيرة من عند الله عز وجل قال تعالي »يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا« وخير الحكمة هو النجاح في الدنيا ورضا وطمأنينة واختيارات صحيحة في الحياة في وسط التخبط والذي يعيش فيه الناس تجد صاحب الحكمة المتحلي بالاخلاق وسطيا لا يميل إلي التطرف ابدا والحكمة تعد اساسا لاي نهضة. ولكن هل هناك أخلاق لو طبقها الانسان تساعده علي التقرب من الحكمة؟ نعم هناك بعض الاخلاق لو اصبحت صفة راسخة في النفس وفيها معني الديمومة والاستمرار يكون صاحبها من الحكماء الذين امتن الله تعالي عليهم بهذه النعمة ومن هذه الاخلاق خلق التوسط والاعتدال فهل انت وسطي؟ التوسط والاعتدال في كل شيء، فالمبالغات والتزايدات والافراط والتفريط ليست من التوسط في شيء، قال تعالي: »وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا« »البقرة« فنحن أمة الوسطية، ديننا وسط وشريعتنا وسط، تخيل شهادتك علي الناس يوم القيامة.. نوح وقومه وانت تشهد بينهما شرف كبير ومكانة عالية ثم الأحسن من شهادتك هو شهادة النبي عليك »ويكون الرسول عليكم شهيدا« تخيل النبي يشهد لك بعد شهادتك علي الناس انك وسطي ولست متطرفا، الله عز وجل لايحابي أحداً لماذا أقول ذلك؟ لانه في الاية الافضلية للامة جاءت في قول تعالي »أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس« علة الشهادة اننا وسط لان الوسط يري كل الاطراف بوضوح إياك ان تتنازل عن منزلة الوسط إلي الطرف.. أمسك نفسك وأهلك في الوسط لتضمن الشهادة علي الأمم وشهادة الرسول لك يوم القيامة. الوسطية ليست شعارا فلسفيا ولا ترفا فكريا ولا غرضا سياسيا الوسطية دين وإيمان وخلق من اخلاق الاسلام الاصيلة فأين نحن من هذا الخلق؟ كيف أكون وسطيا؟ وما هي الوسطية؟ وما هو تعريف الوسطية؟ أقرأ القرآن وستجد في كل سورة آيات وآيات تدلك وترشدك علي الوسطية وعلي ان تكون وسطيا فاذا كنت تريد ان تعرف هل انت وسطي أم لا؟ استقصاء من 10 نقاط كلها من القرآن تدلك علي ذلك وهذه العشرة هي كما يالي: كن وسطيا في انفاقك واستهلاكك.. قال تعالي: »ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا« »الاسراء«، وقال تعالي: » والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما« »الفرقان« وقال تعالي: »يا بني آدم خذو زينتكم عند كل مسجد وكلو واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين« »الاعراف« وعن مقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: »ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه« كن وسطيا في نظرتك للحياة بين الدنيا والاخرة.. قال تعالي: »وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فأجره علي الله« سورة الشوري. كن وسطيا في عاطفتك بين عداوتك وحب.. قال تعالي: » عسي الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم« سورة الممتحنة وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلي الله عليه وسلم: »أحبب حبيبك هونا ماش عسي ان يكون بغيضك يوما ما وابغض بغيضك هونا ما عسي ان يكون حبيبك يوما ما« رواه الترمذي. كن وسطيا في تنظيم وقتك بين عمل وعبادة واسرة ورياضة.. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم »إن لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه«. كن وسطيا في تدينك.. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم »إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق«..وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلي بيوت أزواج النبي صلي الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلي الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم إليهم فقال: »أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني«. وإلي ان نلتقي في المقال القادم اكثروا من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم »... واهدني لاحسن الاخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت!«..