منذ ما يقرب من أربعة أعوام مضت، أي قبل ثورة يناير بعام ونصف تقريبا، داهمتني آلام مبرحة بالصدر، وتصببت عرقا، دخلت علي أثرها غرفة العناية المركزة بمستشفي دار الفؤاد، وبخضوعي للفحوص الطبية ثبت باليقين القاطع أن قلبي يشكو من علة ألمت به.. حينها أجمع فريق الأطباء المعالج لي أنه لا مناص من مثولي لفحص دقيق من العالم الطبيب د. وائل النجار أستاذ القلب الشهير، والذي علي أثره أجري لي قسطرة للقلب بشرايينه.. وكانت المفاجأة، حيث أبلغني د. وائل النجار - وأنا لا أزال راقدا علي طاولة العمليات، أن غالبية شرايين قلبي تعاني انسدادا بنسب عالية، وأنه ليس من علاج لحالتي سوي التدخل الجراحي وشق صدري، وتجاذب د. وائل معي الحوار في عجالة، عن أين سأجري الجراحة؟، هل تكون في أمريكا، أم فرنسا، أم انجلترا؟.. واستطرد قائلا: إذا كان الأمر سينتهي لإجرائها في انجلترا، فإنه يري أن إجراءها في مصر يكون أفضل، حيث أكد إن الجراحين المصريين ينافسون الجراحين الإنجليز في هذا التخصص، بل يتفوقون في بعض مهارات مثل تلك الجراحات. وحيث إن د. وائل النجار عالم جليل وأستاذ في تخصصه ممن يشار إليهم بالبنان في كافة المحافل العلمية، فإن تقييمه للموقف، يستحق منا قناعة بكل كلمة ينطق بها.. وقد وجدت في كلماته ثقة كبيرة، وازددت طمأنينة، رغم أن الموقف جد خطير، وقلبي المتوجع يئن شفقة علي أهلي لسماع خبر احتياجي لإجراء مثل تلك الجراحة الخطيرة، ولكن كلمات د. النجار الواثقة بأن الجراح المصري أثبت كفاءة عالية في هذا المجال، حتي أصبحت من الجراحات المضمونة النجاح، بل زاد الأمر طمأنة عندما أخبرني د. النجار في ثقة ترشيحه للدكتور يحيي أنور بلبع ليجري لي هذه الجراحة، وعندما استدركت كلام د. النجار لأسأله عن سبب هذا الاختيار، بادرني قائلا: أن حالتك تحتاج لفنيات مهنية عالية، ومهارات جراحية ذات قدرة خاصة، وتلك مجتمعة يملكها د. يحيي بلبع، ويضاف إليه إبداعه الجراحي الخلاق، والذي يحرص فيه علي أن يتفوق علي نفسه، وهو ما يجعله يضيف الجديد - إضافة الباحث المجتهد - في أسلوبه الجراحي لتكون له تقنية علمية جديدة تضاف إلي مهاراته الجراحية، ليسجل الحديث في نهجه العلمي. وكان لقائي بالدكتور يحيي بلبع، ووجدته إنسانا خلوقا، مرهف الحس، زاده الله إيمانا من عنده، ومنحه ثقة فيما منحه الله به من علم.. وقتها استشعرت أنه والدكتور وائل النجار وجهان لعملة واحدة، حيث ارتأيتهما عبدين من عباد الله صدقا الله فيما عاهداه عليه، فصدقهما الله فيما سعيا إليه، ومنحهما علما وقدرة علي شفاء مرضاهما بإذن الله.. ومنذ التقيت د. بلبع، حيث كان اللقاء ودودا غلفته أحضان وقبلات - ظننته يخصني بها مجاملة - ولكن العاملين بالمستشفي أكدوا لي أن هذا نهجه مع معظم مرضاه سعيا لعزف لحن الشفاء، مؤسسا علي نهج علمي. هذا هو د. يحيي بلبع، أستاذ جراحة القلب و الصدر بطب قصر العيني، الذي لا يمل السعي وراء البحث العلمي لتخفيف آلام مرضاه.. وقد أكد ذلك منذ أسبوعين، وزاده الله بتوفيق من عنده، عندما نجح كأول طبيب مصري في إجراء أول جراحة بقصر العيني لاستبدال الصمام الميترالي من خلال فتحة جانبية صغيرة بالصدر طولها 7 سنتيمترات بالاستعانة بالمنظار الجراحي، بدلا من الأسلوب التقليدي الذي يستلزم شق عظمة القص وجرح كبير.. ويري د. بلبع ان هذا الأسلوب الجراحي يتيح رؤية أفضل للجراح مما قد يزيد من كفاءة الجراحة خاصة في عمليات اصلاح الصمام الميترالي.. كما يؤكد أن مصرنا في حاجة لثورة علمية دائمة، حتي يمكننا تجاوز الأزمات التي نعاني منها بعيدا عن خلط الأمور وتشابكها - والكلام للدكتور بلبع - فلو ثار كل منا علي ما هو فيه، من منطلق التغيير للأفضل لكان الخير لنا جميعا، ولتقدمنا في كل المجالات، ولتبدلت اخفاقاتنا بنجاحات ما أحوجنا إليها. صدق د. يحيي بلبع في مفهوم ثوريته، وصدق د. وائل النجار في ظنه بالدكتور بلبع.. وتحيا مصر.