على عبد المنعم هل كان المشهد استثنائياً لهذه الدرجة؟ هل صار مشهد التحرير في أيام الثورة عصياً علي التكرار؟ هل ذكري الثورة أصبحت صعبة الاستدعاء بسبب الظروف السياسية أم أنها أصبحت تثير الحزن والشجن علي ما وصلنا إليه؟ أتذكر بيت الثورة الواقع في 11 ميدان التحرير (وهو اسم المساحة المخصصة لهذا المقال الإسبوعي) الذي عشت فيه أجمل أيام العمر، كان البيت يتوسط ميدان التحرير، وهو بيت جدة زوجتي، الذي أصبح من 25 يناير وحتي 11 فبراير، بيتاً للثورة والثوار. لا أحبذ استدعاء مشهد التوافق الذي كان يغلف الميدان والبيت؛ لأنه غير مناسب الآن، كما لم يعد يلقي هوي في نفس القراء، ولكن تستوقفني دائماً حقيقة أن تعاقب وتوارد الأحداث لم تجعلنا نتوقف ولو للحظات لتحليل هذا المشهد حتي نعرف: هل كان استثناءً أم قاعدة قابلة للتكرار؟ أشعر أن عدم التوقف لحكي وتوثيق ما حدث هو أحد أسباب ما وصلنا له الآن علي المستوي الإنساني، فالعقلية المصرية تحتاج الآن أن تصدق أن هذا حدث، وأن المستحيل "ممكن" ليس علي المستوي السياسي بقدر ما كان علي المستوي البشري بين الناس وبعضهم البعض، إذ يحتاج المرء منا كثيراً أن يسمع حكايات ميدان علت فيه المبادئ فوق الماديات، والتضحية والإيثار والتشارك فوق الرغبة في السيطرة.وكما أن الأحداث السياسية الجسام تحتاج لمؤرخين وكتّاب لتحليلها، تحتاج الظواهر الاجتماعية والإنسانية لأدباء وفنانين لتخليد تلك اللحظات في روايات وأعمال سينمائية وتلفزيونية تتناقلها الأجيال كما يتناقل الفرنسيون رواية "البؤساء" التي سطرت لتاريخ الثورة الفرنسية اجتماعيا وإنسانياً، فبعد مرور عامين من اندلاع الثورة الإنسانية في الخامس والعشرين من يناير، لم نر عملاً إبداعياً واحداً يحتفي بتلك الأحداث. حكايات الثورة وذكرياتها لا تنتهي وسيخلد التاريخ للأبد من عاصر هذه الحكايات والذكريات. فإن لم نر أدباء يحتفون بها، ليس أمامنا سوي الحكي الشعبي الفردي عن الثورة وما كان فيها، حتي نستطيع توريث هذه الأحداث للأجيال القادمة. حكايات الثورة كثيرة. اكتبوها. احفظوها. أعيدوها علي مسامع بعضكم البعض. لقنوها لأبنائكم. احفروها في عقولكم. لا تلوثوها ولا تفسروها بأحداث اليوم. اجعلوها نقية. لا تسمحوا لأحد بأن يشوش عليها بأي طريقة كانت. احملوا نفس الأمل. احلموا نفس الحلم. خلدوا الشهداء. تحاكوا عن بطولات المصابين. لا تبخسوا أنفسكم شيئا. فكل من خطي خطوة إلي الشارع بطل، نقبل التراب الذي مشي عليه. كل من أصيب فارس مقاتل، نداوي جرحه إلي أن يغفر لنا أننا لم نتلق عنه إصابته. كل شهيد في الجنات خالد.. وسعيد.