د. نبيل حشاد أثناء حواره مع أخبار اليوم مصر في المرتبة 19 بين الدول العربية في حجم الاحتياطيات الدولية لماذا نحن دوناً عن دول الربيع العربي نعاني اقتصاديا بهذا الشكل؟ هل سيواصل الجنيه انخفاضه؟ والي اين سيصل؟ ما العقبات التي تمنعنا من الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي؟ وهل نحن في طريقنا لمواجهة قرارات مثل قبرص؟ هذه الاسئلة وغيرها خاصة فيما يتعلق بقيمة العملة واحتياطي النقد الاجنبي باتت تشغل اذهان المصريين جميعا سواء منهم من يعمل في مجال البيزنس او يسعي علي قوت يومه، فالكل يشكو من ضيق الحال، ويخشي من قرارات محلية ودولية تصحبها مصطلحات غامضة لا يفهم الكثيرون منا دلالتها او معناها... في محاولة منا لازالة هذا اللبس وذلك الغموض كان لنا هذا الحوار مع د.نبيل حشاد خلال زيارته الأخيرة لمصر ..وهو احد الخبراء الدوليين البارزين في العمل المصرفي اشتهر بمؤلفاته العديدة التي تعتبر من المراجع الأساسية في العمل البنكي علي مستوي العالم العربي... له صلة بالعديد من المنظمات والمؤسسات المالية الدولية، وشارك في اعداد برامج الاصلاح المصرفي لعدة دول، ويتميز د. نبيل بحياده السياسي فهو لا ينتمي لأحزاب أو جماعات سياسية أو فكرية. بداية نتساءل عن وضع الجنيه وما نحن فيه من سلسلة الارتفاعات المتواصلة في قيمة الدولار.. ما هو رايك في الوضع الحالي وما توقعاتك لسعر الصرف في المستقبل؟ - ما نحن فيه الآن هو نتيجة طبيعية لنقص موارد النقد الأجنبي واستنزاف الاحتياطيات بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين كما أن النظرة المستقبلية غير المستقرة لوضع الاقتصاد المصري جعلت العملات الأجنبية خصوصاً الدولار ملاذاً للأفراد والمؤسسات، مما أدي إلي ظهور السوق السوداء وهذا أمر طبيعي لا يمكن الفكاك منه، اتصور أن هذا الوضع سيستمر علي الأقل إلي نهاية عام 2013. أما النظرة المستقبلية لسوق الصرف الأجنبي، فهذا يعتمد علي عدة سيناريوهات... الأول إذا استمر الحال علي ما هو عليه في نفس الاتجاه، حيث مستوي الاحتياطيات الدولية متدن مع استهلاك جزء كبير من الاحتياطيات لسداد قيمة الواردات وسداد الديون الخارجية قصيرة الآجل، إذن فهذا سيمثل ضغطا كبيرا علي سعر صرف الجنيه.. أما السيناريو الآخر وهو السيناريو المتفائل، إذا استطاعت مصر أن تحصل علي قرض صندوق النقد الدولي وتحدث انفراجة في التمويل الدولي، فإن هذا سيؤدي إلي تزايد الاحتياطيات الدولية مرة أخري ومن ثم يعود التوازن إلي سوق الصرف الأجنبي. ولكن في اعتقادي أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه لن يقل عن 6.70 وهذا في حالة إذا ما كانت جميع الأمور إيجابية. هناك خلاف حول الحجم الحقيقي لاحتياطيات النقد الاجنبي وطريقة حسابه.. فما هو تقييمك للحجم الفعلي له؟ - حتي يمكن حساب الحجم الحقيقي لاحتياطيات النقد الأجنبي لابد أن نشير إلي التعريف الدقيق له. هناك البعض الذين يفهمون أن احتياطيات النقد الأجنبي تتمثل في الأصول بالعملات الأجنبية وهذا هو المعني الضيق لاحتياطيات النقد الأجنبي ولكن تعريف احتياطيات النقد الأجنبي بمعناها الواسع يشمل أيضاً بالإضافة إلي الأصول التي تملكها الدولة بالنقد الأجنبي، الذهب ووضع الدولة أو حصصتها في صندوق النقد الدولي، بأعتقد أن بيانات البنك المركزي الخاصة بتقييم الحجم الفعلي للاحتياطيات الدولية هو التقييم الفعلي الحقيقي لها و هي تقدر ب 13.5 مليار دولار في نهاية شهر فبراير الماضي. هل يعتبر هذا الحجم من الاحتياطيات الدولية آمنا أم أننا دخلنا مرحلة الخطر؟ - هناك ثلاث طرق شائعة متعارف عليها يتم استخدامها لقياس درجة امان حجم الاحتياطيات أشهرها هو مدي تغطية الاحتياطيات الدولية لعدد شهور الواردات.. حجم الاحتياطيات يغطي شهرين وأربعة وعشرين يوما واردات وهو أقل من المستوي الملائم أو الآمن والذي يبلغ ثلاثة شهور ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن البنك المركزي اتخذ بعض الإجراءات لتوفير النقد الأجنبي لاستيراد السلع الأساسية فقط والضرورية فمن المتوقع أن يتحسن ليكون في حدود ثلاثة شهور أو يزيد قليلاً. ولكن لابد ان نراعي أن هذه المقاييس تشير إلي أن حجم الاحتياطيات في الحدود الدنيا للامان، ولابد أن ننظر إلي المستقبل بنظرة أكثر تحوطا. أين يضعنا هذا الحجم من الاحتياطيات مقارنة بدول المنطقة خاصة دول الربيع العربي؟ - عند مقارنة حجم الاحتياطيات الدولية في مصر بالدول العربية، فإنه يمثل نسبة منخفضة جداً وهي 1.2٪ من حجم احتياطيات المنطقة وعند مقارنة الفترة التي تغطيها هذه الاحتياطيات من الواردات، سنجد أن مصر تأتي في المرتبة التاسعة عشرة ضمن الدول العربية حيث تأتي بعدها دولتا السودان وموريتانيا فقط أما باقي الدول العربية، فإن الاحتياطيات الدولية تغطي ما يزيد علي ثلاثة شهور أما بالنسبة لدول الربيع العربي، فلا شك أن مصر وتونس كانتا اكثر دولتين متأثرتين بموضوع الاحتياطيات الدولية نظراً لأن ليبيا وهي دولة مصدرة للنفط تتمتع بحجم احتياطيات دولية كبيرا واليمن قد نجحت في اتفاق مع صندوق النقد الدولي ولا تعاني مشكلة كبيرة. أما بالنسبة لسوريا، فقد تأثرت الاحتياطيات الدولية بصورة كبيرة حيث تشير بعض التقديرات إلي انخفاض حجم الاحتياطي من 18 مليار دولار في عام 2010 إلي 2 مليار دولار في نهاية عام 2012. لماذا تواجه مصر تحديا كبيرا في حجم الاحتياطيات مقارنة بدولة مثل تونس رغم تشابه الظروف؟ - انخفض حجم الاحتياطيات الدولية في مصر بنسبة 62٪ منذ الثورة بينما انخفضت الاحتياطيات الدولية في تونس بنسبة 36٪ فقط، وأنا في اعتقادي أن مصر تواجه تحديا أكبر من تونس نظراً للظروف السياسية غير المستقرة وعدم التوافق السياسي والفراغ الامني. هذه الأمور الثلاثة في مصر أكبر بكثير جداً منها في تونس هذا بالإضافة إلي أن حجم الاقتصاد التونسي أصغر بكثير جداً من حجم الاقتصاد المصري ومن أهم التحديات التي واجهت مصر هو خروج الاستثمارات الأجنبية بمبلغ كبير جداً ويقدر بحوالي 10 مليارات دولار مما أثر تأثيراً سالباً علي حجم الاحتياطيات، بينما حجم الاستثمارات الأجنبية في تونس كان أقل من ذلك بكثير، ولا تنسي أن درجة عدم الاستقرار السياسي والانفلات الامني لدينا أكبر بكثير، و هذا يؤثر علي ثقة المستثمرين وثقة المؤسسات الدولية. من القضايا المثارة مؤخراً تراجع التصنيف الائتماني لمصر ما دلالة ذلك ؟ - تأخذ مؤسسات التصنيف الائتماني عدة عوامل في التصنيف السيادي للدولة، من أهم هذه العوامل المؤشرات السياسية والمؤشرات الاقتصادية وبالتالي فإن أي عوامل سلبية تؤثر علي هذين البعدين تؤدي إلي انخفاض التصنيف الائتماني تصيفنا حاليا لا يشجع علي الاستثمار الأجنبي فهو يعتبر تصنيفا منخفضا للغاية، ويشير إلي أن من يستثمر أمواله في مصر فإنه أقرب للمضاربة والمغامرة منه الي الاستثمار، وبالتالي تؤدي إلي خفض درجة ثقة المستثمرين، خاصة ان هذه التصنيفات تكون مصحوبة بنظرة مستقبلية لاقتصاد الدولة، وفي حالتنا تشير التقارير الي أن الاوضاع غير مستقرة وهناك احتمال لتخفيض آخر إذا استمرت الامور في التدهور . هل يؤثر خفض التصنيف الائتماني علي إمكانية الحصول علي قرض صندوق النقد؟ - الإجابة عن هذا السؤال هي بالنفي حيث إنه ليس هناك علاقة بين التصنيف الائتماني الذي تحوز عليه أي دولة وقرض صندوق النقد الدولي، السبب في ذلك أن الصندوق في العادة يقدم القروض إلي الدول التي تعاني أساساً من مشاكل اقتصادية تأتي في مقدمتها عجز ميزان المدفوعات، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يكون التصنيف الائتماني للدول التي تحصل علي قروض صندوق النقد الدولي تصنيفاً منخفضاً.. الصندوق لديه معايير أخري لتقديم القروض منها جودة برنامج الإصلاح التي تنوي الدولة اتباعه خلال فترة البرنامج ومنها أيضاً علي سبيل المثال التوافق المجتمعي وأن تكون محتويات البرنامج تؤدي إلي إصلاح اقتصادي فعلي. ورغم ان قرار فرض ضرائب علي الودائع في قبرص إلا أن المخاوف تدور في أذهان الكثيرين... هل يمكن ان نواجه وضعا مشابها لما مرت به قبرص؟ - استبعد تماما ان تمر مصر بموقف مشابه، فوضع مصر يختلف تماما عن قبرص، النظام المصرفي في قبرص يعتمد علي ما يعرف ببنوك "الأوف شور" off/shore وهي بنوك تتواجد في الدولة وتكون استثماراتها في الخارج، كما أن قبرص بها الكثير من الاموال الأجنبية وتحيط بها شبهة غسيل أموال... فكرة فرض الضرائب علي الودائع جاءت من جانب الاتحاد الاوروبي صحيح ان صندوق النقد لم يعترض عليها ولكنها فكرة بعيدة تماما عن منهجية الصندوق، وهو يساعد ثلاث دول اخري في اوروبا ولم يرد في اي منها فرض ضرائب علي الودائع، وأعتقد أن الحديث عنه في حالة قبرص هو حالة استثنائية قد ترجع الي الرغبة في تدعيم نظام مكافحة غسيل الأموال. ختاماً ما أهم الخطوات المطلوب اتخاذها في الاجل القصير لوقف التدهور الاقتصادي؟ - في اعتقادي أن أهم أمر يجب اتخاذه في الاجل القصير والذي سيكون له ايضاً مردود إيجابي في الاجل المتوسط والاجل الطويل هو تحقيق الاستقرار والتوافق السياسي والقضاء علي الانفلات الآمني لأن هذا يعتبر شرط ضروري ولكنه شرط غير كافي وحده، فلابد من استعادة ثقة المستثمرين الأجانب والمستثمرين المحليين في الاقتصاد وذلك سيستغرق بعض الوقت، ولكن في اعتقادي أن المؤسسات الدولية إذا رأت جدية في هذا الإصلاح السياسي والاستقرار الأمني، فسيكون هذا مشجعاً لها لتساهم في مساعدة الاقتصاد المصري، فهناك شبه التزام من قبل المجتمع الدولي بمساعدة دول الربيع العربي بشرط تحقيق الاستقرار والتصالح السياسي والاستقرار الامني... يأتي بعد ذلك إصلاح الأمور الاقتصادية والتي يجب أن تتم في إطار من الحوار المجتمعي، بحيث يكون برنامج الإصلاح شاملاً وتنعكس منافعه علي جميع الفئات خصوصاً محدودي الدخل.