الإصرار علي الاستمرار في الخيار صفر بين المعارضة والموالاة والذي يحاول كل طرف من خلال هذا الخيار ان يقصي الطرف الآخر، لابد ان يؤدي في النهاية الي تهديد الوطن باحتمالات الفناء، أو في أضعف الإيمان تهديد حاضره وضياع مستقبله، لم يع كثير من انصار الطرفين بعد ان نقائص الوطن نقائص لنا جميعا، لأن حال الوطن - كما يري الدكتور محمد سليم العوا- كحال الأواني المستطرقة، فاذا وجد نقص في إحداها، فسيتوالي النقص في جميعها ، واذا كانت هناك فضيلة او مزية او تفوق فسينتقل ذلك من ناحية إلي اخري حتي يصبح الوطن كله من المتفوقين او المتميزين او أهل الفضل، اما اذا استمر التشرذم الحالي، فلا يتصور أحد أنه ناج بنفسه أو قومه أو فرقته أو حزبه أو جماعته. وبعد أن تجاوز الخلاف حدود التعبير عن الرأي الي الضرب بالايدي والاحذية والحرق بالمولوتوف والاعتداء علي المقار، وبعد ان تعدي ايضا التنابذ بالالقاب الي السباب والشتائم وفحش القول وتحول "الجرافيتي" الي تعبيرات خادشة للحياء لا يتصورها عاقل، يصبح لزاما علينا ان نقف مع انفسنا لوضع حد لخلاف سياسي تجاوز كل حدود التعبير الحر عن الرأي الي استخدام اقذع الالفاظ والسب بالأم والأب. علينا ان نعود جميعا الي رشدنا لنفكر فيما نحن مقدمون عليه من تدمير لانفسنا ووطننا، وبعد ان اصبح من المستحيل ان يجلس محمد البلتاجي مع جورج اسحق جنبا الي جنب في حوار بعد ان كانا اخوانا متحابين طوال ايام الثورة ال18. علينا جميعا ان نفكر في التوصل الي مدونة للسلوك او ميثاق شرف سياسي للتعبير عن الرأي او توقيع وثيقة للاحترام المتبادل بين التيارات والجماعات السياسية المختلفة للتوصل الي حد ادني من آداب الحوار، ولا ادعي ان فكرة مثل وثيقة الاحترام المتبادل هي من بنات أفكاري ولكن استدعيتها من وثيقة بنفس الاسم وضعها الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي وصدرت في يوليو 2008 وعلي الرغم من ان هذه الوثيقة كانت تتويجا لحوار بين اهل الديانتين ومذاهبهما المتعددة، إلا ان بنودها تصلح في الحالة المصرية، رغم ان الخلاف الجاري في مصر- ولله الحمد - ليس دينيا او طائفيا، إلا ان الغاية الكلية والمقصد النهائي من وثيقة الحوار الاسلامي المسيحي كان هو العيش المشترك بين أهل الديانتين، وهو ما نتطلع الي تحقيقه الان بين مختلف القوي السياسية والحزبية في مصر. ولو قمنا بصياغة وثيقة الاحترام المتبادل التي نتمناها للحوار المصري-المصري، علي نفس نسق وثيقة الحوار الاسلامي - المسيحي مع بعض التغييرات لكانت بنود وثيقتنا كالتالي: الاحترام المتبادل نتيجة ضرورية من نتائج الاعتراف بالاختلاف والغيرية (الاخواني هو غير الناصري مثلا والعكس صحيح) فلكل اهل انتماء حزبي او ايديولوجي او عقيدي خصوصياته الفكرية ولكل فصيل او جناح داخل هذا الحزب او ذاك او تلك الجماعة والاخري خصوصياتها الفكرية ايضا، فداخل تيار الاسلام السياسي يكون لحزب النور خصوصية معينة تجعله مختلفا عن حزب الوطن، رغم انتماء الحزبين الي التيار السلفي ونفس الحال بالنسبة للتيارات الناصرية والاشتراكية. والاصل ان يكون تصرف اهل الاحزاب والانتماءات الايديولوجية جميعا مراعيا هذه الخصوصيات وحريصا علي حرمة اصحابها كافلا لهم حقهم في التعبير المشروع عنها. لا يجوز ان يساء الي الانسان بسبب انتمائه السياسي او الحزبي ولا بسبب دينه او عقيدته، فالاديان والعقائد في نظر اصحابها هي طرق لطاعة الله وعبادته والفصل بين اصحابها مرجعه الي رب العالمين وحده. المواطنة مشاركة في الوطن وما يترتب علي الانتماء اليه من حقوق وواجبات يجب كفالة أدائها والتمتع بها مهما يكن انتماء المواطن السياسي او الديني او العقيدي، وأهل الاحزاب والقوي السياسية المختلفة يتكاتفون في حفظ هذه الحقوق والواجبات ومنع اي حرمان منها مهما تكن المظاهر التي يتخذها أو الاسباب التي يختفي وراءها. إيمان اهل كل انتماء سياسي او حزبي او عقيدي بصحة آرائهم او عقيدتهم، يجب ألا يورث شعورا بالافضلية ولا بالتميز ولا يؤثر سلبا علي العلاقات الانسانية بين الناس ، وإلا تحولت من استمساك محمود من كل صاحب رأي سياسي برأيه الي تعصب ممقوت يغري السفهاء من كل فريق او حزب . التعصب للرأي وإن كان في اصله موقفا فكريا، فهو في حقيقته وقود الفتن واساس الفرقة الممزقة لوحدة اهل الايمان. والواجب علي كل ذي انتماء سياسي ان يراعي في نفسه وفي الحزب او الجماعة التي ينتمي اليها بقاء حالة الايمان نقية من آثار التعصب ، منزهة عن الشعور بالاستعلاء علي الآخرين. ينبغي علي انصار كل حزب سياسي او جماعة او تيار ألا يخوضوا في خصوصيات التيارات والجماعات الاخري، وينطبق هذا علي اهل الفصائل المختلفة والاجنحة المتعددة داخل التيار الواحد . المؤمنون حقا لا يتجاوزون الحدود التي يقتضيها حفظ الحرمة وحسن الصحبة والسمعة ورعاية العهد في الوطن الواحد مع اهل التيارات السياسية الاخري . من حق انصار كل حزب او جماعة او تيار سياسي ان يتوقعوا من مخالفيهم تصحيح ما يرتكب في حقهم من خطأ،والاعتذار عما يصدر من هؤلاء المخالفين او بعضهم من اساءة او اهانة او قول او فعل لا يليق، ولا يجوز لمن وقع منه الخطأ: غفلة او هفوة ان يستكبر عن تصحيحه او يبحث عن تأويله وتبريره. من حق كل تيار او حزب او جماعة ان تدفع عن اعتقادها ما ليس فيه، وأن تعلّم اصول هذا الاعتقاد وفروعه لاعضاء هذا الحزب او التيار او الجماعة، وأن تدعوهم الي الاستمساك بأوامر هذا الاعتقاد ونواهيه وحرية التعبير التي تتيح اليوم للكافة فرص هذه الدعوة، ولا يجوز ان تكون وسيلة للاساءة او الفتنة او الافتراء من قبل انصار بعض هذه التيارات علي بعض. هذه هي مدونة السلوك التي يمكن ان تكون هاديا لجماعتنا الوطنية حتي يتوقف الاحتراب اللفظي والمادي الجاري الآن والذي اعطي اليد العليا للسفهاء من كل تيار، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا الذين لا يريدون لمصر علوا في الارض او ازدهارا.