كلما انتهت المظاهرات التي دعت إليها قوي سياسية مختلفة.. انصرف المتظاهرون السلميون من ميادين مصر.. ومن محيط القصر الرئاسي.. ومع ستار الليل يأتي أطفال يقذفون قنابل المولوتوف علي الشرطة.. ويحاولون تحطيم بوابات القصر واقتحامه..! من هم أطفال المظاهرات.. ومن وراءهم يخطط ويمول الفوضي؟! تقول الدكتورة عزة العشماوي مديرة المكتب الفني المجلس القومي للطفولة والأمومة أن من أخطرالمشاهد التي لوحظت في الأحداث الأخيرة تلك الصورة الفجة لاستغلال الأطفال في إثارة الشغب وحرق وتخريب المنشآت العامة، ومعظمهم أطفال بلا مأوي، أو متسربون من المدارس أوانشغل عنهم ذووهم بالخلافات الأسرية أو بكسب لقمة العيش فاستغلهم معنوياً وسياسياً أصحاب المصلحة في خلق مزيد من الفوضي والعنف في المجتمع . وتبين للمجلس أن أسباب انخراط الأطفال في مثل هذه الأعمال وقت ثورة 25 يناير كانت مختلفة تماماً عن وقت أحداث محمد محمود والاتحادية بالأمس القريب ، فالأطفال بلا مأوي كان تواجدهم وقت الثورة للعب، أو بدافع الفضول لمشاهدة ما يجري، أو للحصول علي وجبة ساخنة، أو للسرقة ولم يكن في خاطرهم أبدا عنصر التخريب . أما بعد ذلك ووفقا لرواياتهم لباحثي المركز فقد كان هناك من يقنعهم بأن مشاركتهم انعكاس لحبهم مصر، وسيوفر لهم حياة أفضل بعيدة عن الفقر، وإذا ماتوافسيكونون شهداء مخلدين في الجنة . وبالطبع يحصلون علي مقابل مادي ومخدرات وطعام محرومين منه يقدمه لهم هؤلاء المستغلون الذين لم يتعرف عليهم أحد حتي الآن لتمتعهم بالذكاء الشديد والقدرة علي التخطيط وإنجاز هذه الجرائم التي تندرج تحت مفهوم الاتجار بالبشر المجرم قانونا باستغلالهم حالة ضعف الأطفال وحاجتهم لتعريض صحتهم وأخلاقهم وأمنهم للخطر. وتري د. عزة أنه في ظل السيولة الأمنية وغياب الأمن ستتفاقم هذه الحالات وسنري المزيد من الأطفال يتم استخدامهم في الشارع بواسطة مجهولين، والحل يكون بسرعة اتخاذ حزمة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما يتعين أن ينشط دور المجتمع المدني لتقديم الدعم القانوني لهؤلاء الأطفال. أبطال في الاعلام ويتحدث عن الناحية الإعلامية د. محمد معوض عميد معهد الجزيرة للإعلام وعلوم الاتصال وكيل معهد الطفولة السابق فيقول إن الدراسات تؤكد أن أكثر من مليون ونصف مليون طفل بلا مأوي يعيشون حياة صعبة ويسهل استغلالهم مقابل مبالغ بسيطة لأنهم لايشعرون بالانتماء للمجتمع وأن أفراده أعداء لهم لايريدونهم لذلك يحاولون الانتقام منهم ، ويشعرون بالسعادة حينما يشاهدون أنفسهم علي الشاشات أو بالجرائد وهم يدمرون ويخربون ويثيرون الذعر بين الناس ، ويعتبرهم أقرانهم أبطالا يأخذون لهم بثأرهم من الذين يظلمونهم ، والإعلام له دور سلبي متمثل في تقديمه أفلاما وبرامج تؤدي لتأجيج النزعة الإجرامية فيهم بدلا من أفلام ودراما تحاول إرشادهم وتقويمهم لأنهم يحبون هذا النوع ويستجيبون له في الغالب . كما يمكن للإعلام القيام بدور إيجابي غير تقليدي بالبحث عن هؤلاء وتقديم برامج تضم الناضجين منهم مع أطفال في مثل سنهم من مستويات جيدة يحاور الطرفان فيها متخصصون يدفعوهم للاندماج في المجتمع حتي يصبحوا مثل الآخرين ويحثون زملاءهم علي ذلك فالكثيرون ينقادون لهم . وعلي الإعلام أيضا أن يسعي لجمعهم مع رجال الشرطة والمسئولين عن دور رعايتهم ليتفهموا منهم أنهم يعملون علي حمايتهم وإصلاح أوضاعهم وليس الإضرار بهم ، وبمثل هذه البرامج يحول الإعلام المشاعر السلبية المترسخة لدي الجمهورنحو هؤلاء الآطفال إلي تعاطف نحوهم قد يؤدي إلي تحسن صورة المجتمع في هذا الخصوص من كل نواحيها . ضحايا الأمن والمجتمع وعن دور الشرطة يري أمين عام الإتلاف المصري لحقوق الطفل هاني هلال أنها تؤدي مع الأطفال بلا مأوي نفس الدور القديم ، فتقبض علي بعضهم حينما لايكون لديها متهم عن جريمة باعتبار أنه لاأحد يدافع عنهم ، وقد تولي الإئتلاف تلك المهمة فوجد أن الأمر قد زاد بعد الثورة فيتم تقديم الأطفال متهمين بديلا عن الطرف الثالث المجهول رغم أنهم ضحايا أوضاع خاطئة، ودائما يخلي سبيلهم وتثبت براءتهم ، ومنذ أحداث 25 يناير 2013 فقط قبض علي 141 حدثا نواجه صعوبات كبيرة للوصول إليهم لأنه يتم إيداعهم في معسكرات الأمن المركزي وأماكن احتجاز غير معلومة وليست مخصصة قانونا للأطفال ، وفيها يتم انتهاك آدميتهم وتعذبيهم ، إلي جانب التعدي عليهم جنسيا من المجرمين البالغين الذين يجذبونهم لعالم الجريمة بعد خروجهم ، وكل ذلك محرم دوليا وقانونا ويحبس المسئول عن احتجاز طفل واحد مع بالغ 3 شهور . والذي يثير العجب والاستغراب في آن واحد ماطالب به بعض أعضاء المجلس التشريعي - وهومجلس الشوري خلال مناقشة الأحداث التي تعرض لها الأطفال وبعض السيدات من أنه لابد من معاملة الأطفال الذين يقبض عليهم معاملة المجرمين دون هوادة . وهذاكلام خطير لأنه يخالف كل المواثيق الدولية والقوانين المصرية ويعرضنا لعقوبات دولية اقتصادية وسياسية وغيرها ، خاصة أننا معرضون لفقد عضويتنا في اللجنة الدولية لحقوق الطفل المنبثقة عن منظمة الأممالمتحدة والمستمرة منذ إنشائها عام 1990 لأنها أخطرتنا منذ سنتين بخمس سلبيات رصدتها علي تعاملنا مع الأطفال وهي احتجازهم مع بالغين ، تعذيبهم في أماكن الاحتجاز ، حبسهم احتياطيا ، محاكمتهم عسكريا ، استغلالهم سياسيا . ورغم الطلب المتكرر باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتلافي هذه السلبيات فانه لم تتم أية خطوة إيجابية في هذا الاتجاه. تعديل عمر الحدث ويؤكد المستشار مجدي شرف المحامي العام الأسبق لنيابات الجيزة والمحامي بالنقض حاليا أن المشرع المصري أخطأ بتعديله سن الحدث إلي 18 عاما بدلا من 15 عاما فقد أتاح ذلك لمن هم في سن الشباب ولديهم نوازع منحرفة أن يفسدوا أطفالا صغارا ويشدوهم إلي عالم الجريمة كما نري حاليا فهم كنز لرؤساء العصابات للمعاملة الخاصة التي يعاملهم القانون بها والعقوبات المخففة التي توقع عليهم فيعودون لقبضتهم سريعا ، لذا يجب العودة إلي السن القديم لإبعاد الأطفال عن الكبار ، وإذا كنا لانهتم بموقفنا في المنظمات الدولية وأمام العالم الخارجي الذي يولي كل الاهتمام والرعاية لجيل المستقبل لديه فعلي الأقل علينا حماية مجتمعنا ورعاية أبنائنا، كما أنه مطلوب من الدولة تطوير دور الرعاية لتساير العصر ، وتنفيذ القوانين بفصل المراحل العمرية في أماكن الاحتجاز ، والمعاملة اللائقة للحدث ورعايته صحيا واجتماعيا ونفسيا ، وأن تبتعد الشرطة عن القبض عشوائيا علي كل طفل تضعه الظروف في محيط الأحداث ، وإذا كان لديها أدلة علي تورطه فعليها تنفيذ القانون بإخطار ذويه فورا وعرضه علي النيابة خلال 24 ساعة. الدود يهدد الأمن وتوضح د. سعدية بهادر أستاذ علم نفس الطفل بجامعة عين شمس ورئيس جمعية أحباء الطفولة أن الضغوط النفسية وقسوة الظروف الأسرية والاجتماعية تدفع الطفل للجوء إلي الشارع حيث يلتقطه المحترفون في جمع الأطفال وتسخيرهم في النشاط الإجرامي المتنوع . وبناء علي أبحاث ميدانية ودراسات منهجية وتحليلات نفسية علي أطفال الشوارع الذين نفضل تسميتهم أطفال بلا مأوي وجدنا أنهم يطلقون علي أنفسهم إسم " الدود" الذي اختاروه لأنه - كما أخبرونا يشبههم تماما ، فهو بغيض مهمل والناس لاتتقبله بل تسرع لسحقه بالأقدام للتخلص منه وهذا مايحدث تماما معهم ، لذلك فهم ينتقمون لأنفسهم فينخرون - كالدود - أعماق المجتمع الذي لفظهم لينهار وتتحطم منشآته، ولكن الجديد أنهم تركوا حرفهم المعتادة كبيع المناديل والتسول وغيره إلي مايتم تكليفهم به من أعمال ينفذونها في عنف ظاهرتمثل في حرق وتخريب وقتل بأجر كبير يدفعه أشخاص مجهولون عن طريق مقاولين يسعون لجلبهم من أماكن تجمع لهم معروفة حيث يتم نقلهم بسيارات خاصة إلي المكان المحدد لممارسة المهمة . السم القاتل للثورة وتضيف: أطفال الشوارع مطلوبون الآن وبعد أن كانوا يختفون من الناس أصبح يتم البحث عنهم لتصنيع قنابل المولوتوف وإلقاء قنابل الغاز وإنهاك قوات الشرطة وأحراق الأماكن التي تحدد لهم وفق التسعيرة التي يحددونها. والسؤال المهم من اشتراهم هذه المرة ويدفعهم لإحراق مصرويكونوا السم القاتل لثورتها الفتية ؟ السؤال سألته د. سعدية وأجابت عنه00 أكاد أجزم من تحليل المعلومات أنهم مأجورون لأعداء مصر من الخارج الذين لايريدون لها أن تنهض وتسترد مكانتها الإقليمية والدولية وأنما يريدونها تابعة لهم ، وليس كلهم أجانب بل أن منهم أشقاء وجيران . وتفويت الفرصة عليهم يقتضي عدم الارتكان للعلاج الأمني وأنما لابد من نزع فتيل القتبلة الموقوتة بالعلاج النفسي والاجتماعي للاطفال والسعي لإصلاحهم ودمجهم في المجتمع مع العلاج السياسي الحكيم بالطبع. المواثيق والاتفاقيات الدولية وأخيرا يلفت المستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض وخبير حقوق الإنسان بالجامعة العربية النظر للوثائق الدولية التي تولي عناية بالغة وحماية لحقوق الطفل بجميع صورها ومن أهمها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأممالمتحدة سنة 1989 والبروتوكولان الاختياريان لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في الصراعات المسلحة وغيره حيث الزمت الدول بحماية الأطفال من جميع أشكال العنف والإساءة والضرر والإهمال والاستغلال، وقد أفرد الدستور المصري وقانوني الطفل والعقوبات العديد من النصوص لحماية حقوق الطفل ورعايته، فيعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه كل من استغل طفلا جنسيا أو تجاريا، أو استخدمه في العمل القسري، أو سهل ذلك أو حرص عليه. تجنيد الأطفال للجرائم ومن الواضح ان العصابات الإجرامية المنظمة من داخل البلاد ومن خارجها استغلت حالة الفراغ الأمني إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير وتداعياتها لتجنيد الأطفال وتسخيرهم للقيام ببعض الجرائم والأعمال الخطيرة كالهجوم علي المنشآت العامة وقوات الشرطة، بمقابل مالي أو تضليل فكري، ولكن لا يمكن ان يشكل ذلك ذريعة للتعامل مع تلك الطائفة من الأطفال بعنف أو قسوة، بل يجب ان يتم ذلك وفقا للقواعد الدستورية والقانونية السارية، فالمادة 70 من الدستور حظرت احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، مع توفير المساعدة القانونية له، ويكون احتجازه في مكان مناسب، يراعي فيه الفصل بين الجنسين، والمراحل العمرية، ونوع الجريمة، والبعد عن أماكن احتجاز البالغين. ويجب التأكيد علي ان النصوص وحدها لا تكفي في توفير الحماية للطفل، بل يجب التزام جميع أجهزة ومؤسسات الدولة بها وتطبيقها فعليا، خاصة من جانب بعض أفراد الشرطة الذين يسيئون معاملة الأطفال أو ينتهكون حقوقهم الدستورية، وهذا ما يدعو للمطالبة بوجوب زيادة الوعي بحقوق الأطفال وطرق التعامل معهم ومعاملتهم.