لم تكن موجة الاحتجاجات التي انطلقت في قري البحرين الشيعية صباح الخميس، مفاجأة لأحد خاصة انه سبقتها عملية حشد كبير من فصائل المعارضة الشيعية ، التي أرادت فيما يبدو- موجة عالية من الاحتجاجات، في الذكري الثانية، لأحداث 14 فبراير، ولكن هل تتصاعد هذه الموجة أكثر وأكثر بعد دعوة الجمعيات السنية لتجمع كبير يوم 21 فبراير الجاري؟ وهل يؤدي هذا التصعيد للإطاحة بأشرعة حوار التوافق الوطني الذي انطلق اعتبارا من 10 فبراير، وسادت الجلستان اللتان عقدتا فيه أجواء أجمعت الأطراف بأنها كانت إيجابية. في ليلة الأربعاء الماضي كان المسرح قد أعد لحفل كبير، فالتصريحات الإيجابية التي أطلقها المشاركون في الحوار، سبقتها منشورات وزعتها المعارضة بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والأوردية في القري الشيعية تدعو إلي" إضراب إجباري" ، وتحذر الشيعة من الذهاب إلي المدارس أو إلي أعمالهم، ومن عدم البيع أو الشراء. قال اللواء طارق الحسن رئيس الأمن العام البحريني إن ملثمين من المعارضة قاموا بعمل نقاط تفتيش علي أبواب القري الشيعية لإجبار الناس علي عدم الخروج للعمل بالقوة، ووزارة التربية والتعليم البحرينية اعلنت رسميا ان ملثمين من الخارجين علي القانون، قاموا باقتحام عدد من المدارس صباح الخميس بمناطق شيعية عنوة، وقاموا بتهديد الإدارات المدرسية ، وأرغموهم علي الخروج من المدرسة ومنع الطلبة من الدراسة، ثم عمدوا بعد ذلك إلي غلق بوابات المدارس الخارجية بالأقفال والسلاسل لمنع الطلبة والمدرسين من الدخول والانتظام في الدراسة. قالت جمعية الوفاق الإسلامية إنه كانت هناك 50 نقطة ساخنة للاحتجاجات، لكن الحدث الأكثر درامية كان بمصرع صبي في السادسة عشرة، بطلقات الخرطوش (الشوزن) الذي أطلقته الشرطة، وقال رئيس الأمن العام إن إطلاق الخرطوش كان نتيجة الهجوم علي رجال الشرطة بالمولوتوف والأسياخ الحديدية. مستقبل الحوار الغريب أن موجة الاحتجاجات بدأت بعد انطلاق حوار التوافق الوطني، بين الحكومة والمعارضة ووصف المشاركون بالحوار الأجواء التي دارت فيه بأنها اجواء إيجابية ومشجعة، فهل يمكن أن تطيح هذه الموجة المرشحة للصعود بالإطاحة بأشرعة الحوار الوطني. والسؤال يبدو للوهلة الأولي مبكرا، ولكن الذين تابعوا ليلة الأربعاء الجلسة الثانية للحوار، شعروا بأن المعارضة ربما تسعي إلي خطوة في الاتجاه المعاكس، دون أن تعلن ذلك رسميا، ففي الوقت الذي كان ممثلو الجمعيات الشيعية الست يجلسون علي طاولة الحوار، كان الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الإسلامية، وهي أكبر الجمعيات المعارضة يشارك في تظاهرة في الشارع. وخلال جلسة الأربعاء طلبت جمعيات المعارضة رسميا إلغاء جلسة الأحد القادم، حيث اتفق علي عقد جلستين يومي الأربعاء والأحد، وهذا الطلب فسر من البعض علي أنه ربما يكون انتظارا لما ستسفر عنه موجة الاحتجاجات التي كان الجميع يعلمون أنها ستنطلق صباح اليوم التالي، وقد وجه ممثلو وسائل الإعلام هذا السؤال مباشرة، للمتحدث الرسمي باسم الجمعيات المعارضة، وسألوه: هل طالبتم بالتأجيل انتظارا لما ستسفر عنه احتجاجات ذكري 14 فبراير، ورغم أن المتحدث الرسمي نفي ذلك وأكد علي أن الحوار خيار استراتيجي، بينما الحراك في الشارع نوع من حرية التعبير، إلا أن هذه الإجابة لم تقنع أحدا. خلافات في قاعة الحوار وكانت الجلسة الثانية للحوار الوطني قد انتهت مساء الأربعاء الماضي ، علي التوافق علي ثلاث نقاط رئيسية وهي اعتماد مصطلح الحوار وليس التفاوض في استكمال حوار التوافق الوطني، كما توافق المشاركون علي أن الحكومة طرف أساسي في حوار التوافق الوطني، وأن وزير العدل مكلف برفع مخرجات الحوار إلي الملك. إلي جانب ذلك توافق المشاركون علي أن مخرجات الحوار هي اتفاق نهائي، كما تم التوافق علي تأجيل جلسة يوم الأحد القادم إلي الأربعاء بطلب من الجمعيات الست. لكن هذه الجلسة شهدت تطورا سلبيا عندما قدمت جمعيات المعارضة الست ، رسالة إلي الحوار وصفت بأنها رسالة " تأزيمية" ، حيث تضمنت هذه الرسالة مطالبة جمعيات المعارضة بالاستناد إلي معني التوافق الذي صرح به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال لقائه بولي العهد في أعقاب أزمة 14 فبراير 2011 وطالبوا فيها أيضا بلجنة خبراء دستوريين لإعداد التعديلات الدستورية المطلوبة في صياغة دستورية نهائية، وتعيين لجنة إعلامية تتولي التحدث باسم الحوار بدلا من المتحدث الرسمي الذي عينته الحكومة، والذي شنت مواقع المعارضة عليه حملة طوال اليومين الماضيين، بسبب قصيدة قيل إنه نشرها علي صفحته في موقع تويتر تصف المعارضين بالخراف وبأنهم أبناء زرادشت (إيرانيين الأصل وليسوا عربا)، رغم أن المتحدث الرسمي نفي أن يكون قد فعل ذلك مؤكدا أن هذا الحساب ليس له، إلا أن الهجوم استمر ولم تكتف المعارضة بذلك بل عينت بالفعل متحدثا باسمها، يتحدث عقب كل جلسة. إلي أين؟ ورغم أن الجلسة الثانية للحوار انتهت بابتسامات وتصريحات بدت في أغلبها ودية، إلا أن أحدا لا يعلم هل يمتد التأجيل للحوار لأكثر من أسبوع ، انتظارا لما ستسفر عنه موجة الاحتجاجات، وهل تتطور الأمور للأسوأ فتنسحب المعارضة نهائيا من الحوار. السؤال يبدو اكثر إلحاحا عندما نعلم أن الجمعيات السياسية السنية العشر، دعت هي الأخري لتجمع كبير، في ذكري أول تجمع لها بالمنامة، يوم 21 فبراير 2011 لتعلن هي الأخري رفضها لسلوك المعارضة، ولدعمها لنظام الحكم، فهل يؤدي ذلك لمزيد من الاحتقان، أم يؤدي لإحداث توازن في الشارع السياسي، يدفع للجلوس مرة أخري علي طاولة الحوار. هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة.