توفىق صالح عندما تحدد موعد زيارتي لشيخ المخرجين »توفيق صالح« سرت رجفة في أوصالي وأصابني قلق أمام عظمة وقيمة الشخصية التي سوف التقي بها ولكن سرعان ماذاب واختفي التردد والخوف عندما وصلت إلي محرابه، أقصد شقته في الجيزة وفتحت لي الباب قرينته السيدة روضة لمعت من خلفها وجهه يضئ بابتسامة كبيرة مرحبة وتواضع وحميمية لا تصدر إلا ممن في قيمته وقامته بالعصر الذي نعيشه. هو من حرافيش نجيب محفوظ وأحد رواد السينما الواقعية المصرية، ورغم قلة أفلامه إلا إنه يعد من أهم المخرجين في السينما المصرية. ولد بالإسكندرية عام 6291، ودرس في كلية فيكتوريا وكان يوسف شاهين زميلا له علي مقاعد الدراسة قبل ان يتخرج في كلية الآداب قسم انجليزي قام بإخراج مسرحية »رصاصة في القلب«. وفي عام 0591 سافر إلي فرنسا لدراسة السينما وعمل مساعد مخرج في ثلاثة أفلام فرنسية.. بعد ثلاث سنوات عاد إلي القاهرة وتعرف علي الكاتب الكبير نجيب محفوظ وكتبا معا سيناريو فيلم »درب المهابيل« ثم اخرج فيلم المتمردون وصراع الأبطال. أما فيلم نائب في الأرياف عن رواية توفيق الحكيم فقد أجيز عرضه بالكامل عام 8691 بأمر الرئيس عبدالناصر. في السبعينيات، ترك مصر مرة أخري وسافر إلي سوريا لتدريس السينما ثم إلي العراق حيث أخرج آخر أفلامه »الأيام الطويلة« عام 0891. منذ ذلك الحين خفتت الأضواء عن مخرجنا الكبير لم يعد يظهر إلا فيما ندر في المهرجانات السينمائية، بحثت عنه »أخبار اليوم« وزارته في بيته وسألته: أين أنت الآن؟ موجود.. كنت أتابع كل ما يحدث في المجال السينمائي حتي ثلاثة أشهر مضت حيث أصبت بالمرض مما أفقدني الاهتمام بكل شئ ولكني الحمد لله قد شفيت وسوف ابدأ ممارسة حياتي العادية بالتدريج. أحب القراءة ولا انقطع عنها إلا للشديد القوي، فأنا استمتع بأن أعلم نفسي كل يوم شيئا جديدا، وأتعجب لقدرة الإنسان وطاقته.. والتي للأسف لا نشعر بها في مصر. الفقر يشغلني ..........؟ قضية الفقر تشغلني دائما. الفقر المادي يولد الفقر الروحي، لذلك فإن السلاح ضد الفقر هو العلم بأعمق معانيه، العلم الذين يجعل المواطن يري فيثور وإذا كنت قد حصلت علي فرصة التعليم بينما حرم منها ملايين الفقراء. فإني عملت دائما علي أن استخدم علمي من أجلهم. فأنا كفنان لم أكن أبيع معاناة هذا الشعب لكي »يتفرج« عليها الناس. إنما أردت من المتفرج أن يتوتر ويفهم ويشارك ويتألم ويتأكد من ضرورة البحث عن خلاص. وللسينما سحرها .........؟ منذ عرفت سحر السينما في الطفولة أدركت أن العالم أوسع من دائرة عائلتي وكان العمال والخدم يمثلون لي عالما مختلفا. وبعد وفاة أبي في نهاية المرحلة الثانوية انفتحت أمامي أبواب الحرية بلا رقيب، ذهبت إلي محل نجار ليعلمني حرفته وتعلمت كيف استعمل الفارة والمنشار واتلفت له الكثير من الخشب. .........؟ نعم كنت أقرب بطبيعتي إلي الفكر اليساري من خلال التعاطف مع العمال الفقراء الذين كانوا يأتون إلي بيتنا، وقد تحول التعاطف إلي فهم من خلال القراءة التي تفرغت لها خلال فترة الجامعة. كما كنت أكره الاستعمار وأعرف تماما أنه أحد أسباب ما نعانيه من تخلف وفقر. نائب في الأرياف .........؟ كان فيلم »يوميات نائب في الارياف« هو اكثر الافلام التي صنعتها امتاعا لي خلال كل مراحل إخراجه فقد كان فريق العمل متجانسا، بدءا من المنتجة آسيا التي لم تبخل بأي شئ علي ما يتطلبه الانتاج، ومدير التصوير عبدالحليم نصر الذي كان يستمر في العمل حتي ينتهي رغم دقته في تحديد مواعيد العمل، كما ان الديكور ايضا تم تنفيذه في نصف المدة المقررة. .........؟ كانت جلسة الحرافيش تتم عادة يوم الخميس وأحيانا في الصيف يوم الاثنين أيضا، وكان طابع المناقشات يدور حول ما يحدث في المجتمع أو ردود أفعال روايات نجيب محفوظ. وتمتد الجلسات إلي ما بعد منتصف الليل علاقة حميمة ربطت بين الاصدقاء، لم أعهدها في علاقات أخري، علي انني في فترة وجودي خارج مصر كنت أكتب بانتظام إلي عادل كامل - واحد من الحرافيش- كي يزودني بأخبارهم. .........؟ حاليا فقدت الحماس لكي شئ حتي وجودي! عندما قامت ثورة يناير كنت واحدا من السعداء بتغيير شخصية الإنسان المصري البسيط من قبول للظروف القاسية إلي الصراخ والهتاف بالرغبة في التغيير.. لكن الواقع الآن أكد لي أن ما حدث ليس ثورة لانها ليس لها قائد ولا حتي مجموعة قادة ولا تملك رؤية للمستقبل.. فقد فقدنا الضمان في حياة مستقرة، فلا نعرف نحن ولا حكامنا إلي أين نحن ذاهبون!