أبحث عن هذه الدولة التي أنتمي إليها فلا أجدها، لا في الكلمات والخطب الرنانة والتصريحات المتتالية للمسئولين وغير المسئولين، ولا علي أرض الواقع الذي ترتع فيه كل أشكال الفوضي والتناقض، ولا في مناقشات الفضائيات، ولا حتي في الممارسات اليومية للقوي السياسية! وما بين اعتصام هنا وقطع طريق هناك، ومابين محاصرة محكمة أو محاولة اقتحام أخري، وما بين غضب التراس أهلاوي أو بورسعيدي، وما بين فرض وصاية علي صحف قومية والضغط علي قنوات تلفزيونية، تبقي الحقيقة الواقعة هي غياب الدولة وتراخيها وضعفها، واكتفاء الكبار فيها بإصدار القوانين وتغيير القيادات وتوزيع المناصب علي الأنصار والأعوان! يا دولتي التي ينتظر الجميع صحوتها من نوم طويل، وينتظر الجميع عودتها من الغياب، ويلوم الجميع بعضهم علي ما وصل اليه حالها، ويتحسر فيه الجميع علي شيخوخة مفاصلها وترهل قدرتها وضياع هيبتها، كيف أصبحت دوله للكلام فقط؟ وكيف سلمت نفسك لمن يبيع ومن يشتري ومن يخدع ومن يناور ومن يعبث ومن يعقد الصفقات علي حساب كرامتك؟ كيف حولت الثورة إلي لغو والأمل إلي سراب، والثقة إلي طعنات وأطحت بما تبقي من أحلام أهلك وناسك؟ ليس بالصندوق وحده تحيا الدول، وإحياء الدولة يحتاج كفاءة وعلما وادارة أمينه وقوية قادرة علي البناء بلا استحواذ ولا انتقام ولا انفراد بالسلطة أو القرار، فهل آن الآوان بعد عامين كاملين من التجارب المؤلمة؟ مازال عندي أمل أن تكتمل الثورة وأن تبدأ تحقيق شعارها الأول: عيش، حرية، عدالة اجتماعية "وأن تتغلب علي كل من يحاولون إعادتها إلي نقطة البداية، أو استثمارها لمصالح فئة أو جماعه، أو استغلالها للفوز بأصوات ملايين الفقراء والكادحين في انتخابات البرلمان ومازال عندي أمل أن تعلمنا التجربة حقيقة الحكمة القائلة "ليس كل ما يلمع ذهبا"!