مجدى عبدالعزىز مع إندلاع ثورة 25 يناير المجيدة بدأ يتردد علي أسماعنا إصطلاح الفن الجرافيتي حيث شاهدنا علي جدران الميادين والشوارع وما تضمه من مؤسسات مهمة مجموعة من الرسومات التلقائية الجميلة التي تعبر عن صوت الغاضبين من أبناء الأمة الذين خرجوا في توقيت واحد يطالبون إسقاط رأس النظام واعوانه المفسدين في الارض علي مدي 30 عاما حيث عانينا جميعا من كل عوامل القهر والظلم والاستبداد و سلب الحريات ونهب الموارد وإهدار للكرامة الإنسانية مع فقدان لقمة العيش الشريفة نتيجة لعدم وجود عدالة اجتماعية تحقق التوازن بين الناس اللي تحت والناس اللي فوق. وعبر شباب الثورة عن ضمير أمتهم بهذا اللون من الفنون التشكيلية الذي أصطلح علي تسميته بالجرافيتي والذي لم نكن نتوقف امامه طويلا عندما كنا نشاهده قبل ثورة 25 يناير في بعض مدارسنا النموذجية أو خارج اسوار ملاعب الكرة في المباريات المهمة أو من خلال المعارض التي يقيمها شبابنا في الجامعات والمعاهد العليا. لم يكن رجل الشارع البسيط يدرك معني جرافيتي حتي أصبحت تلك الكلمة تسكن قلوبنا وعقولنا وتطارد عيون الملايين ليل نهار في كل ميادين وشوارع مصر كلها و ليس في ميدان التحرير فقط أو غيرها من المناطق المهمة داخل وخارج القاهرة في معظم محافظات مصر التي اشتعلت غضبا وراحت تعبر بالألوان والرسومات السهلة البسيطة مع العبارات اللاذعة عن غضب مكتوم حطم القيود وأنطلق يستنشق هواء الحرية ويتطلع لفجر يوم جديد معطر بالعزة والكرامة في وطن ناله من الاذي والدمار والخراب ما يدمي القلوب ويعتصرها. ولأنني من عشاق الفنون التشكيلية ودارسا لها بحكم دراستي النقدية في اكاديمية الفنون فقد تابعت كل المعارض التي أقيمت خلال الشهور الماضية بل وذهبت عشرات المرات إلي ميدان التحرير وغيره من المناطق الاخري المحيطة به والتي شهدت احداثا ساخنة ملتهبة منذ اندلاع الثورة وحتي الآن وقد احزنني كثيرا ان أجد بعض هذه الرسومات لم يعد لها وجود نتيجة لتعرضها للتلف بفعل العوامل الجوية وحرارة الشمس وهطول الامطار والايدي العابثة ايضا التي تأتي بحجة النظافة لتقوم بمسح جزء مهم من تاريخ ثورتنا الذي يوثق من خلالها تاريخ أمة صنعت لنفسها ميلادا جديدا. وإذا كانت العوامل الجوية قد لعبت دورا في تلف الجدران التي أزدانت بفن الجرافيتي مع الايدي العابثة فهناك امر آخر جعل تلك الجدران لا تصمد طويلا لأسباب أخري من أهمها بساطة الخامات المستخدمة في الرسومات فالألوان ضعيفة والخطوط والعبارات تتآكل بسهولة ويسر بمجرد لمسها بالايدي كعادتنا نحن المصريين في الفرجة علي الاشياء مستخدمين الايدي في الفحص والمعاينة وكأننا في سوبر ماركت. وطالبت عشرات المرات بضرورة توثيق هذا الفن الجرافيتي المحترم من خلال برامج الفنون التشكيلية في التليفزيون أو من خلال كتب و زارة الثقافة لنحفظ ذاكرة الامة في تلك الثورة الرائعة والتي عبر عنها شبابنا كهواة ومحترفين بتلقائية أبهرت الدنيا كلها وجعلت بعض المؤسسات تعمل علي الاحتفاء بهذه الرسومات وبصناعها وهو الأمر الذي جعلنا نعيش وسط متحف مفتوح من الاسطح الجدارية المختلفة التي تتنوع فيها مدارس الرسم والالوان والكتابة بل وزادت من حب الناس للفنون التشكيلية. ومنذ ايام وجدت علي مكتبي كتابا أنيقا بعنوان »جرافيتي شاهد علي الثورة« صادر عن سلسلة كتاب اليوم الثقافية التي ترأس تحريرها زميلتنا العزيزة ثناء أبوالحمد حيث قامت من خلال هذا الكتاب الرائع بتكليف فناننا الكبير د.أحمد سليم استاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة وأهم المبدعين في مجال الفن التشكيلي بعمل كتاب وثائقي يضم عبر صفحاته اشهر اللوحات والرسومات لفنانينا وشبابنا الجميل خلال ثورة يناير المجيدة علاوة علي دراسة ممتعة عن نشأة وظهور هذا الفن في العالم وكيف وصل إلينا والدور الذي لعبه في ثورات الربيع العربي وأشهر فناني الجرافيتي الذين قادوا هذا الاتجاه حتي اصبح يمثل افضل وسائل التعبير عن احلام وطموح البشر بصرف النظر عن اختلاف الثقافات وتعددها بين كل شعوب العالم فالانسان هو صوت الحق والعدل والحرية والخير والجمال في كل زمان ومكان وقد زاد من جمال هذا الكتاب غلافه الممتع الذي صممه الفنان طارق عبدالعزيز و اخرجه الفنان شكري رشدي. إنني اهنئ د.أحمد سليم علي كتابه الانيق »جرافيتي شاهد علي الثورة« وأتطلع إلي المزيد من دراساته المهمة وكتبه الممتعة الاخري عن مجالات الفنون التشكيلية المختلفة التي لاغني للانسان عن تذوقها والغوص في معانيها والتمتع بعطر ألوانها وجاذبيتها التي تخطف العين والقلب.