ارتفاع طفيف في سعر اليورو أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 24-10-2025 في قنا    جديد سعر الدولار اليوم وأسعار العملات أمام الجنيه    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    مصطفى البرغوثي: الموقف المصري أفشل أخطر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني    الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين: نجاح الجهود المصرية بتثبيت وقف النار إنجاز كبير    تغييرات عديدة في تشكيل الزمالك المتوقع لمواجهة ديكيداها بالكونفدرالية    حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم الجمعة 24-10-2025 في محافظة قنا    تعرف على الحالة المرورية اليوم    حفل زفاف حاتم صلاح يشعل السوشيال ميديا.. مصطفى غريب يسرق الأنظار برقصه والعروس تخطف القلوب    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    محمد ثروت: «القلب يعشق كل جميل» غيّرت نظرتي للفن.. والأبنودي الأقرب إلى قلبي و50% من أعمالي معه    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    التفاصيل الكاملة ل اللوتري الأمريكي 2025 (الشروط ومن يحق له التقديم)    قاذفات «بي-1» الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    بعد «أقدم ممر فى التاريخ» و«موكب المومياوات».. مصر تستعد لإبهار العالم مجددًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير    عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يغنون معه    الاتصالات: لم نطبق القانون بأثر رجعي بعد غلق 60 ألف هاتف معفى.. وأمهلنا أصحابها 90 يومًا    استخراج جثة متوفي من داخل سيارة اشتعلت بها النيران بطريق السويس الصحراوى.. صور    في أجواء روحانية، طوفان صوفي في الليلة الختامية لمولد أبو عمار بالغربية (فيديو)    خطة أمريكية جديدة لحل مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل واقتراح البديل    الاتحاد الأوروبي يسعى لدور أكبر في غزة والضفة بعد اتفاق وقف إطلاق النار    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    مهرجان الموسيقى العربية ال33 يحتفي بأساطير الطرب.. ثروت وناجي يعيدان سحر حليم ووردة| صور    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    دوي صفارات الإنذار في تجمعات سكنية قرب غزة.. وبيان عاجل من الجيش الإسرائيلي    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    مجموعة "كايرو ثري إيّه" تدعم وحدة زراعة الكبد في مستشفى الناس بمبلغ 50 مليون جنيه    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي: وحدة الكنيسة ليست خيارًا بل طاعة لنداء المسيح    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الاقتصادي.. في أيدي السياسيين
د. أحمد جلال الخبير الاقتصادي الدولي: لا يمگن الاستهانة بالتحديات لگن الإرادة القوية لم تخمد بعد
نشر في أخبار اليوم يوم 04 - 01 - 2013

لا يمكن الاستهانة بالتحديات التي تواجه مصر، بداية من مشهد التحول السياسي الذي لم تكتشف بعد جميع أبعاده.. إلا أن الإرادة القوية لم تخمد بعد، تلك الإرادة التي تصر علي التحول السلمي إلي دولة حديثة يتمتع فيها المواطنون بالكرامة والحرية والعدالة.. وعلي العكس تماماً نلاحظ أن هناك تقدماً ملموساً يوماً بعد يوم وذلك بفضل روح ميدان التحرير ويقظة المصريين.
إن النجاح علي الصعيد السياسي هو طوق النجاة الذي سيمكن مصر من التقدم علي صعيد التنمية الاقتصادية.
تلك »بداية« ل »ختام« روشتة كتبها خبير اقتصادي دولي مرموق كان يتولي منصب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي.. إنه الدكتور أحمد جلال الذي يتولي حالياً رئاسة منتدي البحوث الاقتصادية، هذه الروشتة قدمها منذ أيام لرئيس الوزراء د.هشام قنديل الذي طرح يوم الأحد الماضي مبادرة لحوار مجتمعي وصولا إلي التوافق الاقتصادي والسياسي وهو ما بدأ بالفعل من جانب عدد من مراكز البحوث ومنظمات الأعمال.. هذه الروشتة ترسم رؤية مستقبلية للاقتصاد المصري وتحديد أبعاد التحديات التي تواجه مصر في المرحلة الراهنة. هي باختصار تمثل خارطة طريق لمستقبل التنمية الاقتصادية في مصر بما تشمله من اقتراحات حول ما يمكن القيام به.
بدأ د. أحمد جلال كلامه مؤكداً أن ثورة 52 يناير لا شك تعطي مصر فرصة تاريخية لإحداث تحول جذري وإيجابي في نظام الحكم. وقال إن هذا التحول السياسي يمهد لتغيير استراتيجي أيضاً من شأنه أن يسمح بالجمع بين النمو الاقتصادي السريع والتوزيع العادل لعوائد التنمية علي أساس مساهمة المواطنين واحتياجاتهم وليس علي أساس علاقاتهم بالنظام الحاكم.. وأضاف مشيراً إلي أنه خلافاً مع هؤلاء المهمومين بشكل مبالغ فيه بالخسائر الاقتصادية قصيرة المدي المصاحبة لعملية التحول السياسي فإن التحولات السياسية المشابهة في تجارب الدول الأخري تشير إلي أن هذه الخسائر ستكون متواضعة إذا ما قورنت بالمكاسب المحتملة متي توفر الأمن من جديد ومتي ثبتت مصداقية الحكومة وقدرتها علي الوفاء بتعهداتها.
هذا التفاؤل الذي يطرحه د. أحمد جلال ليس عفوياً بل منطقي ويسهل التعبير عن أسبابه وكما قال فإنه في المجتمعات الديمقراطية حتي تحترم الحريات ويكون الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واضحاً، وحيث تطبق القوانين بكفاءة وعدالة وينتخب المواطنون قادتهم بحرية، وحيث يستقر مبدأ المساءلة والمحاسبة وتتغير القيادات في حال لم تحقق طموحات المواطنين.. عندئذ تنشأ سياسات اقتصادية تتمتع بسمات المساواة والكفاءة والفاعلية والمصداقية والثقة.. وأضاف د. أحمد جلال قائلاً إنه من المسلم به أن التحول إلي نظام حكم جديد سيستغرق بعض الوقت حتي يتحقق، بل والمزيد من الوقت حتي ينضج. لكن السرعة التي سيتم بها هذا التحول بدأت من وضع إعلان خارطة طريق واضحة للإصلاح السياسي من شأنها أن تُحدث التعافي الاقتصادي السريع، وأن ترسي في الأجل المتوسط أساساً متيناً لنمو اقتصادي مستدام يتسم بالعدالة الاجتماعية، إذ أنه لا يمكن تحقيق التقدم إلا إذا توافر قدر معقول من الشعور بالأمن وتوافر قدر كبير من الثقة في نظام الحكم.
ولا يعني ذلك أننا يجب ألا نقلق بشأن السياسات الاقتصادية قصيرة المدي أو بشأن أهمية وجود رؤية مستقبلية واضحة لسياسات التنمية الاقتصادية. علي العكس من ذلك ففشل السياسات المتبعة في الماضي قد خلف فراغاً فكرياً اتضح منه بجلاء أننا بحاجة إلي الإجابة علي الأسئلة التالية:
أي نموذج من نماذج التنمية ينبغي علي مصر اتباعه في أعقاب الثورة؟
وما الذي يمكن عمله علي المدي القصير لمعالجة الانكماش الاقتصادي مع ضمان ألا تضر الإجراءات التي يتم اتخاذها بسياسات الإصلاح الاقتصادي في المستقبل؟
وما الذي يمكن القيام به لتحقيق نمو اقتصادي أسرع مع قدر أكبر من العدالة والمساواة بين المصريين، وذلك بعد أن تستقر الأمور؟
ولتكن البداية مع أول سؤال بحثاً عن نموذج للتنمية.. ما الخطأ الذي حدث علي مدار العقود القليلة الماضية؟
قال د. أحمد جلال: نظراً لأن من كانوا يتولون السلطة في مصر حتي يوم 11 فبراير 1102 لم يكونوا ممثلين لغالبية الشعب المصري، ولم يكونوا خاضعين للمساءلة والمحاسبة بشكل فعلي، فقد سعوا وراء نموذج تنمية يخدم مصالحهم ومصالح الدائرة الضيقة المحيطة بهم، وقد ركز هذا النموذج في المقام الأول علي زيادة الاستثمار »المحلي والأجنبي«، والنمو الاقتصادي بالاعتماد علي نظام السوق والقطاع الخاص، مع أقل قدر من تدخل الدولة، ولإرضاء مساندي هذا النظام، كانت تُعقد صفقات تتعلق علي سبيل المثال بتوزيع الأراضي ومنح العقود الكبيرة »مثل عقود الغاز الطبيعي، ومشاريع الإنشاء«، أو حتي من خلال صياغة بعض السياسات »مثل سياسات المنافسة ودعم الصادرات«. وكان يُعتقد بناء علي تجربة شرق آسيا أن النمو الاقتصادي السريع يتحقق من خلال عدد من كبار رجال الأعمال، وبالتالي تم خلق طبقة من رجال الأعمال تتمتع بغني فاحش ونفوذ مذهل، وقد بلغ هذا النموذج ذروته في مصر عندما تحول بعض كبار رجال الأعمال إلي مسئولين سياسيين فجمعوا بين الثروة والسلطة.
فقر مدقع
وأضاف قائلا: لقد كان الزعم السائد هو أن عوائد النمو الاقتصادي السريع ستتساقط وتصل للطبقات الأدني في نهاية المطاف من خلال عدد من القنوات وأهمها إتاحة فرص عمل، ونظراً لبطء هذا التساقط، استشعر النظام ضرورة أن يبدو وكأنه يفعل شيئاً ما للحد من الفقر المدقع. وبخلاف أنها فكرة أتت تالية لهدف النمو، كانت التدابير المتخذة في هذا الصدد جزئية إلي الحد الذي لا يتيح إحداث تغير ملموس في حياة الملايين من المصريين الفقراء. ومثال واضح علي ذلك ما يسمي بمشروع أفقر 0001 قرية، والذي استهدف تخفيض الفقر في تلك القري خلال خمس سنوات، متجاهلين المدي الزمني الذي قد يستغرقه هذا التحول وتكلفته والأخذ في الاعتبار بأولويات الفقراء. ويظهر المثال الآخر في استمرار دعم المواد الغذائية والطاقة، علي الرغم من أن العديد من الدراسات أوضحت أن هذا الدعم لا يستهدف الفقراء وأنه يتضمن أشكالاً خطيرة من التسرب ولا يصل كله إلي المستفيدين الشرعيين.
إن الخلل الأهم في ذلك النموذج التنموي هو أنه لم يشرك النسبة الأكبر من المصريين في عوائد النمو، بحيث أصبح السؤال المتكرر دائماً هو: أين ذهبت عوائد النمو المرتفع؟ وفي الحقيقة ليست هناك بيانات كافية لقياس ما حدث لتوزيع الدخل والثروة في مصر، إما لأن هذه البيانات لم يتم جمعها »الخاصة بالثروة« بتعمد أو لأنها غير متاحة للاستخدام. إلا أنه يمكن الاستدلال علي أن عوائد النمو لم تصل لعدد كبير من المصريين ببعض المؤشرات في مقدمتها أن النمو الاقتصادي لم يقدم فرص عمل كافية لاستيعاب المستجدين في سوق العمل مع وجود بطالة صريحة مستمرة تقدر ب9٪ من قوة العمل، وتصل إلي 12٪ بين الشباب »بين 51 42 سنة«. كما انخفض نصيب الأجور إلي إجمالي الدخل القومي من 82٪ في 9991/ 0002 إلي 52٪ في 8002/ 9002.
وكذلك لم يشهد القطاع غير الرسمي، الذي يمثل 03٪ من إجمالي الناتج المحلي ويوظف نحو 04٪ من القوة العاملة، أي نوع من التحسن في بيئة العمل بحكم أنه يعمل خارج إطار القانون. وأخيراً، لم يكن هناك جهد منظم لإتاحة فرص اقتصادية متساوية للمصريين. إذ لم تقدم الحكومات المتعاقبة سوي محاولات هزيلة إن وجدت لتحسين نوعية التعليم والخدمات الصحية.
لا ضرر ولا ضرار
وباختصار كان نموذج التنمية المتبع معيباً، حيث كان منحازاً للطبقة الحاكمة وللأغنياء، وقد منح هذا النموذج امتيازات لأصحاب رؤوس الأموال علي حساب العمال والفلاحين والمستهلكين، واعتمد بشكل مبالغ فيه علي آليات السوق دون اتخاذ الإجراءات الفعالة التي من شأنها الحد من سوء استغلال قوي السوق، أو منع الفساد أو الحد من الفقر المدقع.
وبحثاً عن نموذج أفضل للتنمية قد ينجذب البعض لفكرة تبني نموذج ينحاز للتوزيع بدلاً من نموذج ينحاز للنمو. أو نموذج يستبعد القطاع الخاص علي اعتباره فاسدا، ولكن كلا الفكرتين يجانبهما الصواب، فعلي الرغم من أن النمو وحده لا يكفي، فقد يعني التوزيع مجرد المساواة في الفقر إذا لم يكن هناك ما يمكن توزيعه، واستبعاد القطاع الخاص لأنه فاسد فيه ظلم للغالبية العظمي من رجال الأعمال الشرفاء، وظلم للاقتصاد ككل. وعليه فإن ما نحتاج إليه هو نموذج متوازن يرتكز الاقتصاد فيه علي قوة كل من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. إن نموذج التنمية المقترح لمصر لا يعلي من قيمة الأسواق علي حساب الحكومات ولا العكس.
وإلي سؤال آخر: ما الذي يمكن القيام به علي المدي القصير؟
يرد د. أحمد جلال ملخصاً الإجابة في كلمتين هما: »لا ضرر ولا ضرار«.. وأضاف قائلاً إنه قبيل ثورة يناير كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري في عام 0102/ 1102 بنسبة 6.5٪ وذلك علي الرغم من أصداء الأزمة الاقتصادية العالمية في 8002. صحيح ان نسبة البطالة كانت مرتفعة »حوالي 9٪« كما كانت نسبة التضخم »أكثر من 01٪«، وكان العجز في الميزانية يمثل مشكلة »حيث تجاوز 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي« إلا أن المشكلة الأكبر كانت تكمن في الدين العام الداخلي »76٪ منذ عام 8002« أما ديون مصر الخارجية فلم تكن ضخمة، حيث بلغت حوالي 53 مليار دولار تمثل 7.41٪ من الناتج المحلي الاجمالي في ديسمبر 0102 وهي في معظمها ديون طويلة الأجل. كذلك، كان لدي البنك المركزي مستوي مرتفع من الاحتياطيات الدولية »34 مليار دولار في شكل احتياطيات رسمية وودائع عملات أجنبية«، كما كان سعر الصرف مستقرا نسبياً. وكانت الفلسفة السائدة حينذاك أن تعافي الاقتصاد العالمي سيعقبه استئناف الاقتصاد المصري لمسار نموه المتزايد وتحسن باقي المؤشرات الخاصة بالاقتصاد الكلي بالتبعية.. وفي أعقاب ثورة 52 يناير كان لانعدام الأمن ومشاعر القلق إزاء مسار التطورات السياسية تكلفة اقتصادية مرتفعة، فقد خرجت من مصر تدفقات هائلة من رأس المال في الفترة ما بين يناير ومارس2011، بما في ذلك 6 مليارات دولار في صورة مبيعات الأجانب لسندات الخزانة. وانخفضت عائدات مصر من النقد الأجنبي الناتج عن الصادرات والسياحة وتحولات المصريين من العاملين في الخارج. وقد تباطأ الإنتاج المحلي لأسباب عدة، منها المخاوف الأمنية، والإغلاق المؤقت للبنوك والبورصة، والاعتصامات المطالبة بزيادة الرواتب والتي بدأت في الظهور بعد التحسن النسبي في الوضع الأمني، كما تضررت بعض الممتلكات الخاصة والعامة في المرحلة الأولي من الثورة، وامتنع معظم المصريين والأجانب عن اتخاذ قرارات طويلة الأجل فيما يتعلق بالاستهلاك والاستثمار والادخار، وذلك تحسباً لتطور الأحداث علي الصعيد السياسي. ونتيجة لكل ذلك، فإن مؤشرات النمو الاقتصادي للعام المالي المنتهي في يونية 1102 لم تتجاوز 1٪ أو 2٪. مع ارتفاع معدل البطالة، ليس فقط بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي ولكن أيضاً عودة المصريين العاملين في ليبيا. هذا بجانب استمرار معدل التضخم مرتفعا مدفوعاً بارتفاع أسعار السلع الغذائية وهو ما يضر الفقراء بشكل خاص.
أول خطوة
ولمعالجة هذه المشكلات ليس الحل الأفضل هو الاعتماد علي توليفة من إسقاط الديون والسحب من أرصدة الاحتياطات الدولية لمواجهة الانخفاض في عائدات النقد الأجنبي، كما أنه لا ينبغي اتباع سياسات مالية توسعية، ولا سيما من خلال فتح باب التعيين في القطاع الحكومي الذي يعاني من تضخم في حجم العمالة »5.5 مليون موظف« أو من خلال التراخي في تحصيل الإيرادات.
الخطوة الأولي والأساسية لوقف تدهور الوضع الاقتصادي في مصر ليست بأيدي الاقتصاديين، بل إنها بأيدي السياسيين. فمصر في حاجة ماسة إلي استعادة الثقة علي وجه السرعة وذلك من خلال إعطاء الأولوية إلي استعادة أمن الأفراد والممتلكات، وأيضاً من خلال طرح خارطة طريق واضحة لإجراء التحول السياسي علي أن تحظي هذه الخريطة بتأييد عريض من مختلف طوائف الشعب.. باختصار لابد من توافق مجتمعي. ولا شك في أن الوضع الأمني حالياً يعتبر أفضل من ذي قبل، إلا أنه لابد من بذل المزيد من الجهد للتصدي لحالة التراخي في تطبيق القانون. وتأتي أهمية استقرار الأمن واتباع خطة واضحة خلال المرحلة المقبلة من أنها ستساعد الجميع »مستهلكين ومستثمرين« علي تكوين توقعات إيجابية لمستقبل الاقتصاد المصري، ومن ثم سيمثل ذلك تشجيعاً لهم علي استئناف الإنتاج والتصدير والاستثمار، ويساعد أيضاً علي عودة النشاط السياحي إلي ما كان عليه وأفضل.
وماذا بشأن التوازن بين النمو والتوظيف والتوزيع، وما الذي يمكن القيام به علي المدي المتوسط؟
قال إنه لإحراز تقدم ملموس، ستحتاج مصر إلي جهد يتسم بالجدية علي ثلاث جبهات:
أولها: الحفاظ علي استقرار الاقتصاد الكلي خاصة فيما يتعلق بالسيطرة علي عجز الموازنة العامة، وحجم الدين العام. كما ينبغي أن تتحرك السياسة النقدية لاستهداف التضخم، لما له من آثار سلبية، خاصة علي الفقراء.
وثانيها: العمل علي تعزيز المدخرات المحلية بمدخرات أجنبية، بحيث يصل إجمالي الاستثمار إلي 52٪ من إجمالي الناتج المحلي علي الأقل وينبغي ألا يكون التركيز علي حجم رأس المال الأجنبي وإنما علي جودته من حيث قدرته علي إتاحة فرص عمل، وتحقيق التنمية المستدامة.
وثالثها: إصلاح نظام التعليم والتدريب، ليس فقط لتلبية الطلب في سوق العمل، ولكن أيضاً لتمكين الفقراء من الاستفادة من استثماراتهم في اكتساب رأس المال البشري، وبالتالي الاستفادة من الفرص التي يتيحها النمو الاقتصادي.
وفي النهاية كما يقول د. احمد جلال فإن الأمر يحتم إعادة النظر في أساليب الإنفاق العام بما يحقق قدراً أكبر من العدالة الاجتماعية. وكذا التخلص التدريجي من الدعم المالي للطاقة، مع إعادة النظر في النظام الضريبي لتحقيق عدالة أكبر دون المخاطرة بخفض الإيرادات الحكومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.