يري الكثيرون ، خاصة المنتمين لتيار الاسلام السياسي والمتعاطفين معهم، ان الليبراليين والعلمانيين وانصار الدولة المدنية بالغوا في رفضهم للتطورات الاخيرة علي الساحة السياسية المصرية لمجرد ارتباطها من قريب او بعيد بالنظام الجديد او الاخوان المسلمين. ووصلت الامور الي حد اعلان التيار الليبرالي اصراره علي اسقاط الدستور الجديد وايضا الامتناع عن قبول اي دعوة للحوار الا بشروط مسبقة ربما يصعب علي الطرف الاخر قبولها . هذا الموقف ، الذي يصفه البعض بالتعنت والعناد ، يعكس مخاوف الليبراليين من احتمالات عودة النظام القمعي الذي اطاحت به ثورة 25 يناير بحيث تتوقف كل منجزات هذه الثورة عند مجرد خلع حسني مبارك لتحل محله دكتاتورية اخري ذات ملامح مختلفة ! ويخشي هؤلاء الليبراليون من اقامة دولة دينية في مصر وفقا للنموذج الايراني الذي يهدد الحريات ويطبق فكرة " ديمقراطية الكلينكس " اي اللجوء للخيار الديمقراطي لمرة واحدة فقط مثل المناديل الورقية بهدف الوصول الي السلطة وبعد ذلك تعود " ريمة لعادتها الاستبدادية القديمة " وهو ما يحرم دعاة الدولة المدنية من حقهم في تداول السلطة . والحقيقة ، ان هذه المخاوف مشروعة بل وطبيعية ولايمكن تفسيرها ، كما يحاول بعض المتشنجين ، وفقا لنظرية المؤامرة التي تعتبر المدنيين والليبراليين مجرد مجموعة من الكفار الذين ينفذون مخططا ضد الاسلام والمسلمين أو يعملون في خدمة مخططات وأجندات أجنبية. لقد عاني المصريون ، بكل توجهاتهم ، لعقود طويلة من الاستبداد لدرجة جعلت من المنطقي اصابتهم بفوبيا الخوف من الدكتاتورية . ولايعني ذلك ابدا ان هذه المخاوف مجرد اعراض مرضية لهذه الفوبيا بقدر ماهي سلوك منطقي بل ومطلوب في اي مرحلة انتقالية لكن المشكلة أن هذا السلوك تغذيه فكرة ان من " لدغه ثعبان القهر والقمع لابد ان يشك حتي في حبل الديمقراطية والحرية". اما قلق دعاة الحداثة ومؤيدي الدولة المدنية من خطر اقامة دولة دينية فهو مشروع ايضا في ضوء اجتياح الاسلام السياسي لبلدان الربيع العربي ، مع التحفظ علي تشبيه ماحدث ومازال يحدث " بالربيع " فهو بالقطع ليس اجمل فصول السنة في المنطقة العربية التي تشهد خلاله اعتي العواصف ورياح الخماسين الشهيرة. ومما يشعل هذا الخوف أو القلق ، تلك المواقف والتصريحات التي يدلي بها بعض من ينتمون للتيار الاسلامي وتعكس حالة من التربص بالحريات والاصرار علي إلغاء كل المنجزات الحضارية المصرية ، بما فيها ماحققته ثورة يناير ، والدفع بالبلاد الي الوراء نحو هاوية الظلامية والجهل والتخلف. ومع الاعتراف بأن هذه الاصوات ربما لاتعبر بدقة عن توجهات النظام المصري الجديد أو سياسات الاخوان المسلمين ، الا ان تطرفها لابد ان يشعل مخاوف كل مواطن حريص علي حقه في الحياة والحرية والديمقراطية. الخروج من هذا المأزق ، بكل تأكيد ، تقع مسئوليته في الاساس علي الرئيس محمد مرسي، الذي لابد ان نشهد له بقدر كبير من سعة الصدر مع معارضيه ، وفي نفس الوقت نطالبه بالكثير من الخطوات التي تساهم في ازالة مخاوفهم او الحد منها علي اقل تقدير. مطلوب من الرئيس مرسي المزيد من الديمقراطية للقضاء علي فوبيا الاستبداد التي يعاني منها قطاع كبير من المصريين . ومزيد من الحريات لإقناعهم بأن مصر لن تكون ابدا دولة ثيوقراطية دينية، او ظلامية متخلفة.