مها عبدالفتاح أتمني لو اهتم الرئيس محمد مرسي أن يتقابل مع مهاتير محمد، أو مع سيلفا دا سوزا رئيس البرازيل السابق ليسمع منهما ويعرف مباشرة اسباب تحاشيهما لقروض صندوق النقد الدولي وقت أزماتهما الاقتصادية الخانقة، ثم كيف حقق كل منهما ان يخرج ببلاده من عنق الزجاجة بل وحققا بعدها طفرة، وبلا احتياج الي قرض من صندوق النقد الدولي ولا اذعان لمتطلباته... الاقتصاد المتبع حاليا يحتاج لوقفة.. فطالما اريد تحقيق عدالة اجتماعية، والتي كان غيابها أحد الاسباب الرئيسية التي ادت لانضمام الكتل الشعبية الكبري الي الثورة وبلوغها كل انحاء مصر، كيف اذن تتحقق هذه العدالة مع اتباع النظام الاقتصادي السابق، ذات النظام الاقتصادي السابق بحذافيره؟! منذ التسعينيات وكلمة الليبرالية الجديدة (نيو ليبراليزم) تطلق علي نظام السوق الحر، بل صارت تسمية حديثة للرأسمالية، ولحرية التجارة العالمية وللعولمة.. أهم ظواهرها العامية سواء كانت هذه التسمية أو تلك، انها تثري الاثرياء وتفقر الطبقة الوسطي وتطحن الطبقات الدنيا.. أصبحت علامة مسجلة لعدم التكافؤ في المجتمعات الديموقراطية ذات الثراء ذاتها.. الليبرالية الجديدة أو حرية الاسواق المطلقة تلك لها شروط تفرض فرضا بحذافيرها علي من يقع في قبضة المؤسسات المالية القوية بالخصوص صندوق النقد الدولي... مهاتير محمد رفض قرض الصندوق عندما طلبوا منه تخفيض العملة الماليزية (رينجيت) ورفض معها كافة الشروط الاخري وذلك خلال الازمة الاقتصادية الكبري للنمور الآسيوية 1997 1998... قرأت بعدها قولا له منشورا في تقارير أجنبية يقول فيه انه عندما وقعت الازمة المعروفة للنمور الآسيوية اختار لماليزيا ألا تلجأ لصندوق النقد الدولي، فاستطاعت عبور الأزمة بسلام وبنحو أحسن مما أدي بالنمور الآسيوية الاخري من الذين "انحنوا" لضغوط الصندوق. أما في الحديث معه بمكتبه في مطلع هذا العام وكنت مع (أربع شخصيات مصرية) حضور في مؤتمر انعقد بكوالا لومبور، فسألته يومها عن رأيه في قروض صندوق النقد الدولي، وكان بالقاهرة يومها وفد من الصندوق يجري محادثات قرض تدفعنا اليه الظروف الاقتصادية الصعبة بعد الثورة.. يومها قال مهاتير محمد بالنص: صندوق النقد الدولي هذا قد سبق واقترضنا منه، ولهذا لم نجدد التجربة بعدها، فلم نعدها وامتنعنا عن الاقتراض منه خلال ازمة النمور الآسيوية (1997 1998) لهذا خرجنا من الازمة معافين بأسرع مما حقق من اقترضوا منه.. فإن للصندوق شروطا وبرامج وتوصيات تضر ولو اتبعناها لأدت الي افلاسنا! وبالمناسبة كان سؤالي الآخر اليه هو لماذا لم تحقق أي دولة اسلامية من ذوات الثراء العريض مكانة عالمية أو تصل بثرائها الي شأن دولي بالمفهوم العالمي الحديث؟! فأجاب قائلا ان العبرة بما يفعلونه بهذا الثراء، فهم يستثمرون معظمه هناك... يشترون به سندات الحكومة الامريكية، ويشترون منهم اسلحة يحارب بها بعضنا بعضا، فنحن لا نتصرف كأمة اسلامية، بل ولا وجود اليوم لما يعرف بأمة اسلامية سوي بالاسم فقط، فنحن ننتمي لقوميات ندين لها بالولاء، بل وعلي استعداد ان نقتل بعضنا بعضا، ونتحالف مع الغير في حروبهم ضدنا... المسلمون انحدروا لأسباب لا نلوم عليها غير أنفسنا، فهل تستخدم أموال الثروات في إحداث نهضة علمية ومعرفية؟! الاموال في حد ذاتها تفقد قيمتها، بينما بالعلوم وبالمعارف تتحقق المهارات والخبرة والاشياء ذات القيمة المضافة. الاسلام هو ما أطلق الأولوية للمعرفة، أي العلم، أليست أولي سور القرآن "اقرأ" والآية التي تليها تحض بوضوح علي السعي إلي المعرفة، في الآية الكريمة كيف خلق الله الانسان من علق والله يعلم الانسان بالقلم ما لم يعلم... إذن القراءة والسعي وراء العلم والمعرفة من أول الأسس في صحيح الاسلام، ولهذا درس وتعمق المسلمون الاوائل في جميع ألوان المعارف، وركزوا علي العلوم والرياضيات والفيزياء ونبغوا... أما كيف انحسرت الحضارة الاسلامية وهوت فقد حدث عندما توقف المسلمون عن الانغماس في العلوم واقتصروا علي دراسات الفقه والمذاهب وأوجه الاختلاف والخلاف وهجروا العلوم... فانحسرت الحضارة الإسلامية، في الوقت الذي التقط فيه الاوروبيون دراسات ونظريات العلماء المسلمين النوابغ، ومنها بدأت أوروبا بناء حضارتها...!" انتهت اجابة مهاتير محمد. واضح أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير تريد ان تتبع اصلاحا ماليا اقتصاديا - مستقلا - ولسوف نستطيع ونتمكن طالما لدينا ولا يزال بنوكا مملوكة للدولة وأفلتت من الخصخصة واذا وجدت حكومة مستعدة للتصالح مع كل فئات الشعب بدون استثناء طالما غير واقعين تحت طائلة القانون.. لابد ونوجد سياسات مالية بديلة تؤدي للتنمية والاستثمار والتشغيل واستقرار الأسعار بدون حاجة إلي قروض المؤسسات الدولية.. ثم يهمني في هذا السياق أن أثير همة خبراء الاقتصاد أو استفزازهم برأي يسترعي الانتباه لتكراره بنحو أو آخر، هو أن الحكومات العربية عامة تفتقد أو تفتقر إلي أهم عوامل التقدم: تعرفوا ما هي؟ "الخيال الاقتصادي"! فإذا اتخذنا نماذج الاستثمارات بمصر لنقل في العشرين عاما الماضية، لوجدنا الاستثمار في معظمه لم يتركز في غير مشروعات العائد السريع، مشروعات استهلاكية، واستثمارات في الاراضي العقارية، وبناء قري سياحية من التي لا يشغلها أحد لأكثر من شهرين كل عام.. يعني معظم مشروعات الاستثمار لا متسقة ولم يسبقها تخطيط فلم يجمع بينها رؤية مستقبلية ولا شاملة، والأخطر أنها نادرا ما تتجه الي الصناعة! كان الاجدي لو اتجهت الاستثمارات الي المشروعات التصديرية، فهذه ما توجد الوظائف الجديدة، وحاجتنا من الوظائف وفق تقدير الخبراء لا يقل عن نصف مليون وظيفة جديدة سنويا، بينما بالنظام الاقتصادي السابق كان يحقق نحو 200 ألف وظيفة فقط... اذن المرحلة كانت - وما تزال - بحاجة "لسياسة تصديرية" متوسعة، صحيح بدأت متأخرة، في الأعوام القليلة التي سبقت الثورة علي يدي رشيد محمد رشيد عندما جمع بين الاقتصاد والتجارة الخارجية، لكن لم يتح الوقت. السؤال الذي لم نجب عليه بعد: هل من رأسمالية مع عدالة اجتماعية بحق وحقيقي؟ الاجابة: ممكن ولهذه السطور بقية: إلي اللقاء.