خرجت النساء الغاضبات إلي الشوارع والميادين ليقلن "لا " للتجاهل والإهمال والاستقواء علي المرأة، رفعن شعار "لا" لدستور يسلب منهن مكتسباتهن وحقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خرجن يعلن رفضهن لدستور يغتصب حقوق بنات حواء ويعصف بإنسانيتهن، دستور يعيد المرأة المصرية مرة أخري إلي بداية طريق النضال بعد أن قطعت فيه شوطا طويلا، وكافحت سنوات ممتدة! أصوات نساء مصر كانت حاضرة بقوة في مشهد يدعو للفخر والاعتزاز والزهو، تسابقت الابنة والأم والجدة للمشاركة في المرحلة الأولي للاستفتاء علي مشروع دستور خلق حالة من الانقسام والاستقطاب لم تشهد مصر لها مثيلا من قبل، ومثلما كانت المرأة تتصدر المشهد منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير، ووقفت جنبا إلي جنب الرجل، كانت أيضا البطل الحقيقي في مشهد الاستفتاء، لم تثنها ساعات الانتظار الطويلة والاستقواء السياسي والألاعيب الانتخابية عن ممارسة حقها، ولم تقوضها مشاهد الانتهاكات والمخالفات والخروقات، وإنما زادتها تحديا وإصرارا علي أداء واجبها الوطني، ورفضت الانصياع والاستسلام لمن يريدون تهميشها واستغلال صوتها لمصلحة فصيل بعينه! والحق إنني فخورة بأن يصل الوعي السياسي لدي مئات الآلاف من النساء، وحرصهن علي مباشرة حقوقهن السياسية إلي غلق طريق رئيسي في مدينة الإسكندرية تعبيرا عن غضبهن، ورفضهن لما حدث من تباطؤ وإهمال متعمد بهدف حرمانهن من الوصول إلي صناديق الاقتراع داخل اللجان! وأن يصل إدراك الكثيرات بأهمية دورهن الوطني إلي قيامهن بتصوير فيديوهات بكاميرات الموبايل للخروقات والانتهاكات التي تمت علي الملأ وفي وضح النهار، لتكون شاهدا حيا لصور التلاعب وعمليات السطو غير المسلح علي حقوقهن!! وسعيدة بأن تبادر امرأة بالتصدي لما يفعله حازم أبو إسماعيل وتتقدم ببلاغ تتهم فيه المرشح الرئاسي السابق بالتعدي علي أرض الدولة، واتخاذ مدخل مدينة الإنتاج الإعلامي موطنا لأتباعه وعشيرته، تذبح فيه العجول والجمال، وترتفع عنده جدران دورات المياه!! وسعيدة بأن تعود المناضلة السياسية »شاهندة مقلد« التي قادت ثورة الفلاحين منذ 46 عاما لتقود اليوم ثورة الجماهير الرافضة للاستبداد، وتتحدي محاولات تكميم صوتها! وسعيدة أيضا بشجاعة السيدات اللاتي ارتفعت هتافاتهن الرافضة، وصيحاتهن الغاضبة في مواجهة خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي حضر إلي مقر لجنة الاستفتاء محاطا بحراسته الخاصة المثيرة للاستفزاز، والمشكوك أصلا في قانونية تصويته ومباشرة حقوقه السياسية، هذا القيادي الإخواني الذي منح لنفسه الحق في الإدلاء بتصريحات تشعل نيران الفتنة والحرب الطائفية!! بالله عليكم ألا تستحق تلك المرأة العظيمة والشجاعة أن يحفظ لها دستور وطنها حرياتها، ويصون مكتسباتها؟! ألا تستحق أن يضمن لها الدستور المساواة في الحقوق والواجبات ويقضي علي جميع أشكال التمييز الكريهة ضدها؟! ألا تستحق أن يضمن لها الدستور حياة كريمة تصون كرامتها وتحفظ آدميتها وإنسانيتها؟! ألا تستحق أن تلتزم الدولة بمحاربة الموروثات والعادات والثقافات والمفاهيم الخاطئة التي تنتهك حقوقها وحريتها، ألا تستحق بنات حواء أن يكون دستور وطنهن حصنا منيعا يحول بين الاتجار بهن في سوق النخاسة!! لقد انخدع الملايين من البسطاء بالأصوات التي روجت للدستور، ليس باعتباره وثيقة أو عقدا اجتماعيا ينظم علاقة الحاكم بالمحكومين وبمؤسسات الدولة، ولكن باعتباره »العصا السحرية« أو »مارد مصباح علاء الدين« الذي سيفتح أبواب الرزق وينعش الأسواق ويحقق الرخاء للمواطنين، ويوفر الوظائف للعاطلين، ويحل جميع مشاكل مصر الاقتصادية، ويعيد الأمن والأمان والاستقرار للوطن، تلك الأصوات التي ضللت الناخبين من أجل أن تحصل »نعم« علي الأغلبية مهما كان الثمن.. ولا عزاء للوطن والمواطنين!!