عندما تختلط الاوراق وتتباين الآراء ،وتكثر الاقاويل ،وتتعدد الاتجاهات تتوه الحقيقة ، وتصبح الصور ضبابية ، واليقين أبعد ما يكون الي الواقع ، ويبقي الإنسان الطيب تائها بين ما يراه وما يسمعه وما يشعر به بالفعل ،وما يهمس به قلبه لعقله ، ويقف حائرا بين هذا وذاك ، ويكون العقل والفكر المستنير والرأي المعتدل هو صاحب الدفة المتوازنة لدفع المركب الي بر الأمان .. ما نعيشه في هذه الايام من فوضي وصراخ يعطل دور العقل في حسم الأمور وتذليل العقبات وفهم الاحداث الحقيقية لما نحن عليه وما وصلنا إليه وما نأمل ان نحققه في مستقبلنا كشعب خلقه الله علي الفطرة الطيبة .. تعلمنا من الاديان السماوية أن مبدأ الاعتدال يقود الانسان والمجتمعات بشكل عام الي الطريق السليم ، وأن التطرف مهما بلغ من صواب من وجهة نظر صاحبه لن يقود أحد الي الطريق الصحيح ، لأنه في النهاية يعبر عن فئة دون سائر الجميع وإذا كان البعض يجهل دينه أو تاريخه عليه التريث والتدبر والتفكر قبل اتخاذ أي قرار متسرع قد يؤدي به إلي نهاية مؤلمة او غير ما يريده لنفسه ، ليس عيبا ان تقف وتقول وتعترف انك أخطأت أو أسأت الاختيار وإنما الخطأ الحقيقي هو ان تسير في الحياة وأنت معصوب العينين معتقدا أنك تري الصورة كاملة أو انك تدرك الحقيقة كلها ، فالإنسان مهما وصل من علم فهو في احتياج الي أخذ مشورة ورأي الآخر ،أو علي أقل تقدير معرفة الرأي المخالف لرأيه ، لأن العند كما يقال في الامثال القديمة يورث الكفر، وقد حثنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم علي الاعتدال في كل أمور حياتنا فالاعتدال يجعل الحياة متوازنة وعلينا أن نتخذ من رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة ، فقد كان معتدلا مقتصدًا في كل أمر من أمور حياته ، فكان معتدلا في صلاته ، وكان معتدلا في خطبته ، فلا هي بالطويلة ولا هي بالقصيرة ، وكان يصوم أيامًا ويفطر أيامًا ، وكان يقوم جزءًا من الليل ، وينام جزءًا آخر الاعتدال ليس في أسلوب الحياة من أكل وشرب وملبس وإنما الاعتدال في الكلام أيضا الذي كثر من حولنا إلي حد الضوضاء والتأثير علي الرأي العام فالكلام الزائد عن الحاجة يصبح ثرثرة. وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا ، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون (الذين يكثرون الكلام دون ضرورة)، والمتشدقون (الذين يتحدثون بالغريب من الألفاظ ، المتفيهقون قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : (المتكبرون). أن الاعتدال يخفف الحساب يوم القيامة، لقول النبي صلي الله عليه وسلم : (وأما الذين اقتصدوا "اعتدلوا وتوسطوا" فأولئك يحاسبون حسابًا يسيرًا. والمسلم يحرص علي الاعتدال في جميع جوانب حياته ، حتي يتحقق له النفع في دينه ونفسه وحياته ، هل سألت نفسك اليوم قبل ان تدلي برأيك في قضية الوطن الحاسمة هل انت معتدل ام متطرف ام انت منساق ؟