هل يمكن أن نتكلم عن تجديد الخطاب الديني، بينما الرؤية المقترحة لصياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية، هي توحيد خطبة الجمعة في محافظات مصر كلها، عبر نص مكتوب توزعه وزارة الأوقاف علي الأئمة!!.. فقد أعلنت وزارة الأوقاف بالفعل عن تشكيل لجنة علمية، لإعداد وصياغة خطب الجمعة، بما يتفق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وتعميمها مكتوبة، تجنبا لتجاوزالأئمة فوق المنابر، بالإطالة أو الخروج عن الموضوع، أو الدخول في أمور سياسية وحزبية!..وأظن أن السبب الأخير هو ما استدعي هذا القرار الضيق، بحثا عن السيطرة علي المساجد، وتأميم المنابر، وتأميم العقول، وإحكام القبضة الأمنية علي الخطيب.. فتوحيد خطبة الجمعة بنص واحد مكتوب هو تجميد للخطاب الديني لا تجديده، منهجية في التلقين والطاعة، وشكل من الانغلاق، والقضاء علي روح الإبداع والابتكار، وحرية الخطيب في أن يكون نفسه، دون تسلط علي عقله، بمن يفكر نيابة عنه، أو يتكلم نيابة عنه.. المشكلة ليست في قراءة الإمام للخطبة مكتوبة.. لكن المشكلة في توحيد نص الخطبة، في فرض الصوت الواحد، والكلام الواحد، والرؤية الواحدة.. ممارسة أقرب إلي ممارسة الجماعات المتطرفة في السمع والطاعة..! توحيد خطبة الجمعة بنص مكتوب، أيضا يتجاوز احتياجات المصلين واهتماماتهم من مكان إلي آخر.. (لا يمكن أن تشهد قرية قتلا وسيل دماء ومعارك طائفية عنيفة بين أبنائها، بينما خطبة الجمعة المكتوبة، قد يتصادف أن تكون حول طقوس الاحتفال بمناسبة دينية مثلا)!!..الناس لا تذهب إلي خطبة الجمعة، ولكن يجب أن تذهب خطبة الجمعة إلي الناس..هذا هو المعني من ورائها.