هي القمة الأولي لحلف شمال الأطلنطي «الناتو» التي تعقد في بلد كان جزءا من الكتلة السوفيتية.. حيث تجري اعمال قمة الحلف في وارسو عاصمة بولندا.. اجتماع أمس وأول أمس ضم 28 دولة، هم أعضاء الحلف، وكان الاجتماع السابق في مقاطعة ويلز البريطانية عام 2014، ويبقي العامل المشترك بين الاجتماعين هو أجواء التوتر مع روسيا، فمنذ عامين ناقش المجتمعون سبل الرد علي قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، بينما علي رأس أجندتهم هذه المرة الخلل الاستراتيجي الذي سببه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهي القوة النووية الثانية في الحلف بعد فرنسا، لا سيما وأن موجة الصدمة غير معروفة المدي حتي الآن بعد تصريح الرئيس التشيكي ميلوس زيمان بأن بلاده أيضاً سوف تنظم استفتاء حول البقاء ضمن المنظومة الأوروبية الموحدة وحلف شمال الأطلنطي علي السواء. الأهم من ذلك إن اجتماع وارسو جاء لبحث نشر درع مضاد للصواريخ في بولندا، بناء علي طلب الولاياتالمتحدة التي تتولي القيادة المركزية العسكرية للحلف، وكذلك النقاش حول « قدرة التشغيل الأولية»، وبداية دخول الدرع ضمن منظومة الناتو رسمياً، وذلك بحجة أن «30 بلداً حصلت أو تسعي للحصول علي منظومة الصواريخ الباليستية» وبالتالي يريد الحلف «حماية نفسه» من هذا الانتشار الصاروخي، وهو ما تنظر إليه موسكو باعتباره تهديدا لامنها القومي. جاءت القمة في أجواء من الحرب الباردة، حتي إن شددت الدول الكبري: أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا علي أهمية الحوار مع الكرملين، حيث تعرب دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا- مولدافيا-إستونيا) ومعها بولندا عن قلقها من استعراض العضلات العسكرية التي تقوم به روسيا علي حدودها، في ظل تحليلات تقدمها مراكز أبحاث استراتيجية أمريكية وعلي رأسها Rand Corporation تفيد بأن موسكو لديها القدرة علي اجتياح إستونيا وليتوانيا علي الأقل في ثلاثة أيام مالم ينشر الناتو بهما 7 كتائب مسلحة، وأول أمس الجمعة أعلن ينس ستولتنبرج الأمين العام للناتو أن الحلف سينشر 4 كتائب متعددة الجنسيات في الدول المذكورة. روسيا تري في مظلة الغربيين المضادة للصواريخ، بما تشتمل عليه من رادارات وأجهزة اعتراض، «تهديداً لأسلحتها الاستراتيجية وتؤكد ان هذه المظلة ليست موجهه لإيران» كما يدعي الأمريكيون ومن ورائهم الأوروبيون، ويرد الناتو علي الاتهامات الروسية قائلاً في بيان رسمي أصدره منتصف يونيو الماضي، وجاء فيه: « ما تردده روسيا في هذاالشأن يدخل في نطاق الأساطير التي لا وجود لها». مشروع الدرع أمريكي في الأساس يشكل خرقاً لاتفاقية SLAT 1 التي وقعتها واشنطن مع ما كان يُعرف بالاتحاد السوفيتي عام 1972، بهدف الحد من المواقع العسكرية التي تشتمل علي قواعد إطلاق صواريخ يمكنها حمل رؤوس نووية، وكانتSALT 1 قد انتهكت من قبل الأمريكيين أيضاً عام 1983 حينما أطلق الرئيس الأسبق رونالد ريجان مشروع دفاع استراتيجي عُرف آنذاك ب« حرب النجوم»، قبل أن يعلن البيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش انسحاباً أحادياً من المعاهدة عام 2002، ويؤكد الأمريكيون أنهم يهدفون من مشروع الدرع الصاروخي الحالي أن يجعلوا « الأسلحة النووية غير فعالة وعديمة القيمة اذا ما تم استخدامها»، غير أنه من المؤكد أن الدرع المزعوم ليس قادراً علي اعتراض الصواريخ بنسبة 100%. ونشرت واشنطن بالفعل، كمرحلة أولي، بطاريتين أرضيتين لمضادات صواريخ في ولايتي آلاسكا وكاليفورنيا، ورادارات في الدنمارك وبريطانيا. وتشتمل الأجهزة علي أقمار صناعية ورادارت للإنذارالمبكر وأجهزة أخري لمطاردة أي هدف طائر علي أي ارتفاع، إضافة لصواريخ مضادة للصواريخ، ويتطلب المشروع مليارات الدولارات برقم إجمالي غير محدد حتي الآن، وتسبب في خلافات داخل حلف الأطلنطي نفسه، حيث ترفض فرنسا أن تكون قيادة تشغيل الدرع أمريكية أو أن يكون التشغيل بقرار سياسي أمريكي، ليبقي من غير المعروف حتي الآن من سيأمر باعتراض ماذا؟ الدرع الأمريكية الصاروخية منشورة بالفعل في الدنمارك واليابان وفي صحراء النقب الإسرائيلية وفي دولة الإمارات بتكلفة بلغت عام 2008 ما يقرب من 200 مليار دولار، ويدور الحديث انه منشور في بولندا منذ عام 2007، ومنذ ذلك الحين تحذر موسكو من «تهديد خطير» لأسلحتها النووية وكانت الولاياتالمتحدة علي وشك البدء في نشر الدرع ببولندا ولكن اعتراضات موسكو الحادة آنذاك أرجأت الأمر إلي حين. وتؤكد واشنطن أنه بحلول عام 2020 ستكون الدرع المضادة للصواريخ قد غطت «كل أوروبا لحمايتها من صواريخ إيران وكوريا الشمالية علي السواء». ويري برونو ترتيا رئيس منظمة الأبحاث الاستراتيجية الأوروبية أن خطاب روسيا تجاه أي مواجهه نووية محتملة مع الغرب «أمر يشوبه الغموض، وأصبح ذلك واضحاً بشكل أقوي من أي وقت مضي علي مدار العشرين عاماً الماضية، ورغم أن المواجهه بين روسيا والغرب كانت علي أشدها في الستينات من القرن المنصرم لكن موسكو كانت حريصة علي عدم الإشارة لأسلحتها النووية كما يفعل فلاديمير بوتين اليوم». أما جريج تييلمان العضو البارز في منظمة السيطرة علي الأسلحة، فيري أنه علي «الغرب أن يتحلي بالموضوعية ويعيش الواقع الجديد فإيران وقعت معه اتفاقية أبريل 2015 في لوزان والتي بموجبها تنازلت عن تطوير ترسانة نووية ومنظومة صواريخ باليستية، لذا فلا داعي لإنفاق مزيد من المليارات، أو لإثارة التوتر نووياً مع روسيا».