أن تولد مسلما فهذا فضل عظيم ، وأن تصلي وتصوم رمضان فتلك فروض روحانية تقربك من الله فتشعر بسعادة ورضا وتفاؤل وحمد بكل ما مضي وكل ما هو آت ، ولكن وأنت في رحاب روحانيات هذا الشهر الكريم تذكر أن هناك مسلمين يعيشون في بقاع منسية فوق هذه الأرض يقتلون ويحرقون ويغرقون في البحر من أجل صلاتهم وصومهم ودعائهم ، تذكر أن هناك أبرياء يعاقبون لانهم ولدوا مسلمين. في بورما البوذية يعيش الروهنجيا المسلمون مأساة عظيمة تجعلنا نتذكر كفار قريش وما كانوا يفعلونه بالمسلمين في بداية الدعوة الإسلامية ، فهم كفار هذا العصر الذين استباحوا دماء الأبرياء ونكلوا بهم علي مدار سنوات طويلة والعالم يتابع في صمت مخز، والدول العربية والإسلامية تكتفي بالشجب والإدانة إذا توفر لديها الوقت للحديث عن مسلمي بورما وسط انشغالاتهم السياسية. أمام هذا الواقع المؤلم أردنا أن نكسر حاجز الصمت المطبق وان نلقي الضوء علي حياة مسلمي الروهنغيا في حديث مع أحد الأصوات التي حملت علي عاتقها مهمة نقل الحقيقة وتوصيل ذلك الصوت المنكسر وهمهمات المقهورين إلي آذان هذا العالم الأصم الأبكم . حديثي مع صلاح عبد الشكور مدير المركز اﻹعلامي الروهنجيا ورئيس تحرير وكالة أنباء أراكان ، الذي يعمل مع فريق من المتطوعين الروهنيين من أجل أن يأتي ذلك الغد الأفضل لمسلمي الروهنغيا. وإليكم ما دار في الحوار. الإرهاب البوذي قتل وشرد الآلاف ويمنعنا من الصلاة بالمساجد العالم يعيش حالة نسيان «قسري» لاضطهاد المسلمين نعتمد علي وسائل التواصل الاجتماعي في فضح جرائم الإبادة ساعدونا بإيصال صوتنا للعالم ومواجهة التعتيم الإعلامي يعيش مسلمو الروهنجيا في ميانمار (بورما) وسط معاناة كبيرة ممتدة منذ سنوات طويلة في ظل انتهاك حكومة ميانمار لحقوقهم اﻷساسية وتأليب البوذيين الراخين عليهم وتركهم يواجهون القتل والقمع والتشريد علي أيدي البوذيين بشكل ﻻ مثيل له في العالم . حيث يعاني أكثر من مليون ونصف المليون من أقلية الروهنجيا من اضطهاد اﻷكثرية البوذية لهم بدعم وتأييد من الحكومة الميانمارية. فالروهنغيا مصنفون في البلاد علي أنهم دخلاء ومحبوسون في مخيمات بالية تنعدم فيها أدني مقومات الحياة وﻻ يستطيعون العمل ومحرومون من اﻹنجاب أكثر من طفلين وﻻ توجد لهم أي مستشفيات أو مراكز صحية وهذا الوضع مع الأسف قائم حتي هذه اللحظة التي يعيش فيها المسلمون أجواء رمضان بينما مسلمو الروهنغيا يحلمون بفتح مساجدهم التي أغلقتها السلطات البوذية ويحلمون باﻻجتماع علي موائد اﻹفطار. وقد منعت حكومة ميانمار المنظمات الإنسانية والمؤن الغذائية من الوصول إليهم وباتوا يعيشون أوضاعا غير مستقرة. أما من يهرب من جحيم البوذيين فهو يصل إلي بعض دول الجوار في آسيا بعد رحلة شاقة ومتعبة وخطرة في البحر وإذا نجا من الغرق فهو يعيش حياة الشتات والغربة في أي بلد يذهب إليه. الإنسانية المفقودة قوارب الموت مأساة مشتركة يعيشها الروهنجيا منذ سنوات مثلما عاشها اللاجئون السوريون مؤخرا منذ اندلاع الحرب في سوريا وقد شهدتم كيفية تعاطي الدول الاوروبية مع الأزمة كما فعلت بعض الدول الآسيوية مع قوارب الروهنغيا.. فمتي ستعود الانسانية المفقودة لهذا العالم في ظل هذا الأداء المتواضع للمنظمات الدولية؟ - فعلاً كانت أزمة قوارب الموت التي شهدتها القضية الروهنجية إحدي المحطات المؤلمة في مشوار معاناة هذا الشعب وقد زرت شخصياً مجموعة من اللاجئين الذين خاضوا هذه التجربة المريرة ووصلوا إلي إندونيسيا وسمعت منهم قصصاً مهولة عما لقوه في البحر جراء محاولتهم الفرار من حياة القهر والظلم والعذاب في ميانمار. وهنا أمر لابد أن يعرفه الجميع وهو أن الروهنجيين الفارين من بورما لم يتركوا ديارهم من أجل المال أو تحسين وضعهم المعيشي ولكن هم فروا من ديارهم بسبب الاضطهاد الممنهج ضدهم ومنعهم من العيش والتضييق عليهم والاعتداء علي حرماتهم. وقد سألت مجموعة من اللاجئين لماذا تهربون عبر هذه القوارب المتهالكة وأنتم تعرفون خطورة هذا الأمر وقد سبق أن سمعتم بغرق عشرات القوارب فقالوا بصوت واحد: إن الغرق في البحر أهون علينا من حياة الاضطهاد. وأخبروني أيضاً أنه لا أمل في البقاء في بورما في ظل استمرار الانتهاكات المرتكبة بحقهم وعدم وجود أي جهة أو مؤسسة تضمن لهم الحياة الكريمة، ومن هنا أستطيع القول: إننا نعيش فعلاً أزمة إنسانية فمن تابع كيف تعاملت بعض الدول مع قوارب اللاجئين يدرك أن الإنسانية قد خفت ضوؤها وأننا بحاجة إلي إعادة النظر في إنسانيتنا في التعامل مع قضايا الإنسان . لا يعرف كثير منا حقيقة ذكري النكبة التي حلت ذكراها قبل أيام وما ترتب عليها من أحداث أثرت في قضية مسلمي الروهنجيا..فما هي نكبة الروهنجيا؟ - منذ أكثر من سبعين عاما يعيش مسلمو الروهنجيا ظروف القهر والقتل واﻹبادة الجماعية والتمييز العنصري وكل أنواع الجرائم التي عرفتها البشرية، إﻻ أن العاشر من يونيو 2012 كان يوما تاريخيا للروهنغيا حين تجددت اﻷزمة بالمحرقة الكبري التي نفذها «البوذيون الراخين» بدعم وتشجيع من الحكومة ضد الروهنجيين العزل في أراكان ، فأحرقت قري أراكان وتشرد آﻻف من الروهنغيا واستشهد اﻵﻻف وغدا ذلك اليوم ذكري لتجدد نكبة الروهنجيا في العصر الحديث. ونقلت بعض وسائل اﻹعلام صورا مروعة لعمليات القتل واﻹحراق والتدمير والسحق وكان رجال الدين البوذيون يشجعون علي تنفيذ هذه العمليات وبذلك شهد العالم صورة حقيقية من صور اﻹرهاب البوذي والفاشية البوذية بحق أقلية الروهنجيا ورغم ذلك لم يصنف إرهابا في نظر العالم حتي اليوم. والنكبة نقطة سوداء في تاريخ الروهنغيين تضاف إلي تاريخ معاناتهم الطويل. تراجع ملحوظ نشهد تراجعا ملحوظا في تناول القضايا التي تتعلق بالاضطهاد الديني والعرقي للمسلمين مع استمرار الحكومات في ارتكاب جرائمها دون محاسبة ..في رأيكم متي قد يتحرك العالم لنصرة المسلمين ومحاسبة المجرمين؟ - بالفعل هناك تراخ كبير في الاهتمام بقضية الروهنغيا ربما لأن الفترة الحالية تشهد صراعات عديدة وخاصة في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط . وعموما هناك حالة من النسيان القسري لكثير من قضايا الاضطهاد ومن بينها قضيتنا، وفي نظري أن العالم بحاجة إلي إعادة النظر في الطرح الإعلامي الذي يحرك الشعوب ويحرك المنظمات بكل أشكالها لتقديم ما يمكن تقديمه في مثل هذه الحالات لأننا نلاحظ أن المنظمات بل وحتي الدول لا تتحرك إلا بالإعلام القوي الموجه وقضيتنا لازالت تعاني من تهميش إعلامي كبير من غالبية وسائل الإعلام المؤثرة. عنصرية الاختيار ما مدي اهتمام الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية والانسانية حول العالم بمشكلة مسلمي الروهنجيا؟ - هيئة اﻷمم المتحدة وغيرها من الهيئات والمنظمات الحقوقية لها جهود ولكن هذه الجهود ضعيفة وﻻ ترتقي إلي المستوي المأمول ففي كثير من اﻷحيان تكتفي هذه الهيئات ببعض البيانات واﻻستنكارات التي نراها في وسائل اﻹعلام. ثم إذا بحثنا في الواقع لم نجد شيئا من هذا من جهة ومن جهة أخري هنالك تأكيدات من عدد من المهتمين بقضايا المسلمين أن هناك تمييزا وانتقائية في التعامل مع ملفات المسلمين من بينها ملف الروهنجيا، وأما علي صعيد المنظمات الحقوقية فهناك بعض التحركات لرفع دعاوي قانونية ضد حكومة ميانمار ونجحت بعض المنظمات في ذلك إﻻ أن هذه التحركات تحتاج المزيد من المتابعة واﻻهتمام. هذا يدفعنا للتساؤل ..لماذا لا توجد حتي الآن حملة دبلوماسية عربية اسلامية من أجل الضغط علي حكومة بورما للاعتراف بحقوق مسلمي الروهنغيا ؟ - أشرت سابقا إلي أن معرفة الدبلوماسيين بقضية الروهنغيا غير مكتملة فكثير منهم ﻻ يعرفون أبعاد قضيتنا وﻻ يرون إﻻ ما تنقله بعض وسائل اﻹعلام من صور القتل واﻻضطهاد . والتحرك الدبلوماسي يحتاج إلي إحاطة بجوانب القضية من كل زواياها وأعتقد أن هذا سبب رئيس في عدم وجود حملة دبلوماسية للمطالبة باﻻعتراف بحقوق الروهنجيا كعرقية أصلية في ميانمار . وأمر آخر أيضا قد يكون وراء ضعف التحرك الدبلوماسي وهو انشغال المجتمعات العربية وسياسييها بملفات وقضايا بلدانهم وعدم وجود مراكز بحثية توفر المعلومات لصانعي القرار والسياسيين للقيام بواجبهم حيال الروهنغيا ومن في حكمهم. تخاذل مشين كيف تصنفون إهتمام الاعلام العربي والإسلامي بقضية مسلمي الروهنجيا؟ ولماذا في رأيكم هذا التخاذل المشين في إثارة القضية وتبنيها كما يجب أن يكون الحال؟ - اهتمام الإعلام العربي والإسلامي بقضية الروهنغيا ضعيف وبطيء ولا أستطيع أن أعتبره تخاذلاً لأن هناك جهودا إعلامية مبذولة من قبل مجموعة من وسائل الإعلام ولكن هذه الجهود قليلة وضعيفة ولا ترقي إلي المستوي المأمول. وهذا الضعف في تناول قضية الروهنغيا إعلامياً يرجع لعدة أسباب في نظري: أولاً: عدم استيعاب كثير من إعلاميي المنطقة العربية لما يجري في بورما من انتهاكات وما يحصل للمسلمين الروهنجيا من اضطهاد ربما لبعد المكان وهذا أدي إلي ضعف الاهتمام. ثانياً: الحصار الإعلامي المفروض علي قضية الروهنغيا من قبل الحكومة الميانمارية وهذا الحظر لا زال حتي اليوم فكثير من الطواقم الإعلامية تمنع من دخول مناطق المسلمين. ثالثاً: عدم وجود الكفاءات والكوادر الروهنغية المتخصصة سواء في الإعلام أو في السياسة وهذا أدي إلي ضعف انتشار القضية ولكن بحمد الله خلال السنوات الأربع الأخيرة حصلت هنالك صحوة في صفوف الروهنغيين فظهرت مراكز إعلامية ووكالات للأنباء وشبكات إخبارية وهنالك نشاط ملحوظ من قبل الروهنغيين في وسائل التواصل الاجتماعي وأنا متفائل بأن القادم سيكون أفضل فيما لو أدركت وسائل الإعلام العالمية دورها ومكنت الشباب الروهنغيين من أداء رسالتهم من خلال المنصات الإعلامية الكبيرة . إعلام روهنغيا في ظل إعتمادكم علي وسائل التواصل الإجتماعي بشكل كبير لنشر قضيتكم حول العالم ما التأثير الذي احدثتموه حتي الآن ؟ ولماذا لا نشهد حملات دعائية كبيرة تشارك فيها كل شعوب الدول العربية والإسلامية؟ - نعم نحن نعتمد كثيراً علي وسائل التواصل الاجتماعي ولدينا أيضاً شراكات مع عدد من وسائل الإعلام التقليدية لإظهار القضية كما أننا نزود عدداً كبيراً من وسائل الإعلام بالمعلومات والأخبار والصور عن قضية الروهنجيا واستطعنا بحمد الله تحريك القضية في الوسط العربي خصوصاً ونعمل بحمد الله علي عدة مسارات إعلامية ولدينا كوادر تدربت علي مهارات الإعلام ولا زلنا في البداية، وأما بخصوص الحملات الإعلامية الكبيرة فنحن نحاول أن نقوم بما نستطيع وأوجه ندائي إلي المؤسسات الإعلامية التي لها حضور في الوطن العربي كي تمد يدها إلينا لنستطيع إيصال صرخات المضطهدين الروهنغيا إلي العالم. ما هي وكالة أنباء اراكان ومن صاحب فكرة انشائها وطبيعة التأثير والدعم الذي تحصل عليه من دول العالم وكذلك الصعوبات التي تواجهك كرئيس تحرير من أجل الاستمرار؟ - وكالة أنباء أراكان جاءت نتيجة فكرة مشتركة بين مجموعة كبيرة من الروهنجيين المهتمين بقضايا شعبهم وخاصة بعد اندﻻع أحداث اﻻضطهاد البشعة عام 2012 ونظرا للتعتيم اﻹعلامي المفروض علي قضية الروهنغيا في ميانمار ولعدم وجود أي وسائل إعلام عربية يمكنها نقل ما يجري داخل أراكان . توافرت همم مجموعة من اﻹعلاميين الروهنجيين فأطلقوا هذه الوكالة ورتبوا كل ما يتعلق بها من احتياجات سواء في داخل أراكان من مراسلين سريين أو ما يتطلبه العمل من محررين وغير ذلك حتي انطلقت الوكالة وأصبحت مصدرا لكثير من وسائل اﻹعلام العالمية. وأستطيع القول إننا كسرنا جزءا كبيرا من الحصار اﻹعلامي المفروض علي قضية الروهنغيا فأصبح العالم يتلقي الخبر الموثق وبأسرع وقت ووجدت وسائل اﻹعلام من يزودها بأخبار الروهنغيا بعد سنوات طويلة من التكتم والحصار . وأما عن الصعوبات فالحصول علي الصور والفيديوهات في نظري أكبر تحد أمامنا ﻷن السلطات الحاكمة في ميانمار تحظر علي الروهنغيا استخدام اﻻنترنت والهواتف الذكية وتمنع الإعلاميين من الوصول إلي أماكن اﻷحداث وتحظر عليهم التصوير ونقل اﻷخبار. وقد اعتقلت السلطات عددا من مراسلينا وبعضهم ﻻيزال قيد التحقيق بتهمة نقل اﻷخبار، ونحن ماضون بإذن الله في غايتنا بمساندة الشرفاء حتي تعود الحقوق ﻷصحابها والله غالب علي أمره. لم يتبق سوي سؤال تقليدي بسيط.. كيف نساعد الروهنجيا ؟ - ساعدوا الروهنجيا بإيصال صوتهم إلي العالم .. وكل الشكر لصحيفة الأخبار المصرية علي اهتمامها بقضيتنا.