لا يستطيع أحد التشكيك في حقيقة أن صعود التيار الإسلامي إلي السلطة في مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية كان تعبيرا صادقا عن توجهات الجماهير وقناعات الشارع السياسي خلال هذه المرحلة بالتحديد بكل ما تعنيه من ضغوط وتوترات وطموحات. ولكن الخطأ، كل الخطأ، أن تتوهم بعض القوي الإسلامية أن هذه هي نهاية التاريخ وأن الجماهير قالت كلمتها وانتهي الأمر إلي الأبد.. ولم يعد مطلوبا من الحكام الجدد سوي إدارة شؤون الأمة بطريقتهم وتجاهل القوي الأخري سواء بسبب التشكيك في صدق عقائدهم ونواياهم أو لأنهم ببساطة لم يحصلوا علي ثقة الناخبين وخذلتهم الديمقراطية التي يطالبون بتطبيقها ! هذا المفهوم الذي تتبناه بعض القوي الإسلامية الآن باعتباره الوضع النهائي كانت له سابقة شهيرة علي المستوي الدولي.فمع نهايات القرن الماضي، انهارت الكتلة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي ليختفي المنافس الإيديولوجي للرأسمالية. وظهرت في الغرب نظريات عديدة تؤكد أن العالم أصبح أحادي القطب وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية صارت هي القوة الأعظم الوحيدة. ووصلت الأمور إلي درجة أن مفكرا أمريكيا كبيرا مثل فرانسيس فوكوياما تحدث عن الرأسمالية صراحة باعتبارها "نهاية التاريخ" بعد أن دانت لها السلطة المطلقة والمنفردة علي الساحة الدولية. ولم تمر سوي سنوات معدودة حتي تأكد أصحاب هذه النظرية أنهم أخطأوا، وأن هناك قوي وثقافات وحضارات أخري ما زالت تتحدي الهيمنة الأمريكية. وظهرت نظرية المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون عن "صراع الحضارات" والتي أكد فيها أن التاريخ لم يصل إلي نهايته بعد وأن القوة الأمريكية الأعظم ستدخل في صراعات مع قوي عالمية أخري ربما كانت أخطر من العدو الشيوعي أو الاشتراكي السابق الذي اختفي في غياهب التاريخ. واضطر فوكوياما نفسه إلي الاعتذار والاعتراف بخطأ نظرية "نهاية التاريخ" بعد انفجار صراع المصالح والثقافات والحضارات دون أن يجرؤ أحد، حتي الآن، علي التنبؤ بنتيجته. وإذا كانت تجربة نهاية التاريخ قد أثبتت فشلها علي الساحة الدولية فإنها بكل تأكيد سوف تلقي نفس المصير علي الصعيد المحلي في دول الربيع العربي حيث تراجعت كل القوي السياسية أمام زحف التيارات الإسلامية التي أثبتت قدرتها علي هزيمة كل القوي الأخري حتي باستخدام آليات يرفضها قطاع كبير من الإسلاميين مثل الديمقراطية الغربية. وحتي لا يتفاجأ الإسلاميون، مثل الأمريكيين، بأن التاريخ لم يصل إلي نهايته بعد فإن عليهم الوعي بعدة حقائق. أولا: أن الثقة التي منحتها لهم الجماهير ليست زواجا كاثوليكيا لا ينفصم أو شيكا علي بياض لا يمكن التراجع عنه، بل هي مرتبطة بأداء شديد الجدية لحل مشاكل الشعب والحفاظ علي هذه الثقة لأطول مدة ممكنة .وفي السياسة كما هو الوضع في الحياة فإن دوام الحال من المحال. ثانيا: إن تجاهل القوي الأخري في المجتمع، سواء من منطلق المبالغة في تضخيم الذات أو الاستهانة بثقل وفاعلية الآخر ، يمثل خطأ سياسيا فادحا خاصة إذا ارتبط بمفاهيم ذات طابع عنصري أو فاشي من ذلك النوع الذي ورد علي ألسنة بعض رموز التيار الإسلامي عندما اتهموا الليبراليين والعلمانيين واليساريين بالكفر وأفتي أحدهم بان من ينضم إلي حزب ليبرالي كافر بينما قال آخر وهو بالتحديد، الشيخ محمد الظواهري إن قبول الإسلاميين بآليات الديمقراطية معصية، وأن الديمقراطية مضادة للإسلام ومن يكتم ذلك آثم. مثل هذه الآراء ليست فقهية ،بكل تأكيد، ولكنها تعكس مواقف سياسية وحالة ذهنية تعتقد أنها تحتكر الصواب والسلطة وأننا بالفعل وصلنا إلي نهاية التاريخ ! كل النظريات السياسية تحذر من وهم السلطة الأبدية المطلقة. أما التحذير الأكبر فجاء في القرآن الكريم بقوله تعالي "حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلا ونهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون." صدق الله العظيم