كتبا عديدة قدمت جوانب من أسباب انهيار دولة مبارك ونظامه،وتعرضت لاسرارا وكواليس ..لكن محمد علي خير يقدم سفرا ضخما يعرض فيه تفاصيل عديدة نشرها متفرقة حول ايام الثورة ال18 والمرحلة الانتقالية بعناصرها المختلفة متناولا بشكل تحليلي دور العسكر والإخوان في عبور هذه المرحلة بحلوها ومرها يعرض خير في كتابه الجديد "في انتظار وطن" الصادر مؤخرا عن دار صفصافة للنشر، وهو الثاني له بعد كتابه "الطريق إلي قصر العروبة" الذي تنبأ بالثورة وصدر قبلها بأيام ليشهد تحقق نبوءته وحبر المطابع لم يجف عليه بعد ويتناول خير في كتابه الجديد الأسباب التي أدت إلي سقوط نظام حكم مبارك، وأسرار ملفات الضبعة وفساد نخبة الحكم وملف التوريث، كما ينفرد بنشر أسرار وكواليس أيام الثورة الثمانية عشر ومقدماتها، ومن بين أشهر المعلومات التي أوردها المؤلف في كتابه، قصة التقرير العاجل الذي قدمته شخصية سياسية رفيعة المستوي إلي الرئيس السابق مبارك لمنع وصول أعضاء الإخوان المسلمين إلي برلمان 2010 ويذكر المؤلف في كتابه تلك الشخصية وفق مصادره ويخصص الزميل محمد علي خير الجانب الأكبر من كتابه للفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة يناير، مقدما عرضا وافيا بالنقد والتحليل والمعلومات حول ملابسات الاستفتاء علي التعديل الدستوري وصراع النخبة المثقفة وكذلك مشروع النهضة لجماعة الإخوان وتناول خير في الكتاب عددا من القضايا التي ناقشها في مقالاته خلال الشهور الماضية ومن بينها مشروع النهضة، حيث انتقد خير جماعة الاخوان المسلمين وقال إن قيادي في الجماعة أكد له أن الجماعة لم تنته من إعداد المشروع وأنها طرحته قبل اشهر لاسباب انتخابية وطرحت جماعة الإخوان وحزبها السياسي "الحرية والعدالة" مشروع النهضة ضمن حملة الانتخابات الرئاسية الماضية التي فاز فيها مرشحهم الدكتور محمد مرسي ورفض خير الإفصاح عن اسم القيادي بالجماعة مكتفيا بالقول إنه كان مسئولا بالتنظيم الدولي للجماعة، مشيرا إلي أن هذا التصريح تم خلال صيف العام الجاري ونقل عنه القول إن إعداد مشروع النهضة سوف يستغرق نحو 5 سنوات علي الأقل وسيتم بمشاركة 55 خبيرا وعالما بينهم مصريون وعرب وأجانب مقدمة الكتاب جاءت بقلم الإعلامي الكبير حمدي قنديل، الذي قال فيها: رغم أن الأستاذ محمد علي خير يعمل بالصحافة منذ نحو 25 سنة؛ فإننا لم نلتق سوي مرات معدودة.. أما الاتصالات التليفونية بيننا؛ فكانت شبه دائمة.. عندما يتصل؛ أظن أنه كان يبحث عن رأي، وإذا ما اتصلت أنا؛ فسؤالي غالبًا ما يكون عن معلومة.. ما يميز محمد علي خير أنه لا يكتب موضوع إنشاء مرسلا مثل المقالات التي عرفتها الصحافة المصرية في صدر تاريخها.. صحيح أن مقالاته في معظمها مقالات رأي، لكنها دائمًا ما تكون قائمة علي معلومات غائبة في كثير من الأحيان عن القارئ العادي.. وهو دائمًا ما يوظف هذه المعلومات من دون مبالغة من أجل القضية التي عاش من أجلها: الحرب ضد الاستبداد والفساد.. قضية الديمقراطية ومحمد علي خير كان واحدًا من طليعة الكتاب الذين لم يهادنوا في كشف فساد عهد مبارك وقمعه، والذين مهدوا بذلك ل25 يناير وفقا لقنديل الذي يري أننا في حاجة إلي أن نتذكّر من جديد كيف كانت أحوال البلد قد تردت إلي الحضيض في ذلك العهد ويقول "محمد علي خير يذكّر كل من لانت عزيمته وكل من ارتد وكل من يحاول إغراقنا في المستنقع مرة أخري بالدوافع التي جعلتنا نثور علي الطاغية، بل هو يذكّرنا جميعا؛ إذ أن أحدًا منا لم يكن يدرك مدي الخراب الذي لحق بمصر ولا الانهيار الذي أودي بمكانتها" ويحاول الكاتب الإجابة عن السؤال: "لماذا سقطت دولة مبارك" في فصل بنفس الاسم؛ حيث يتحدث عن دولة رجال الأعمال وملايينهم السهلة، وعن النهب المنظم للأراضي الصناعية، وعن تعطل مشروع "الضبعة"، وعن عقود السخرة في "توشكي"، وعن تقنين الفساد في أرض السليمانية، وعن الاحتكار في الصناعات الغذائية والأسمنت وفي فصول أخري يروي لك أساطير عن الفساد الذي استشري، من بيع المغربي وزير الإسكان لمليون متر من أراضي الدولة لابن خالته بثمن تشجيعي، إلي المال السايب في وزارة البترول الذي أنفق منه الوزير 5 ملايين جنيه لدعم أحد النوادي، إلي بيزنس اللحوم، إلي الرِّشا التي أعلنت شركتا "سيمنز" و"مرسيدس" أنهما دفعتاها لمسئولين حكوميين بارزين، إلي الهدر المالي في المشروع القومي لإسكان الشباب، ويكشف عن الصحف التي فاحت من صفحاتها رائحة البترول، واشترت فيها الإعلانات الحقائق والآراء.. يسترجع الكتاب لنا أيضًا صفحات أليمة من سنوات مبارك الثلاثين في الحكم طُويت فيها قضايا البلاد الكبري تحت بساط الإهمال والجهل وسوء الإدارة، مثل قضية مياه النيل، وقضية التعليم (انظر مثلًا عشوائية إنشاء الجامعات المصرية حكومية وخاصة)، وقضية سيناء (التي كان النظام يعامل أهلها كما لو كانوا جالية أجنبية مقيمة في مصر)، وقضية احترام القانون الذي لم تنفذ الدولة أحكامه بالإفراج عن المعتقلين، أو ببطلان انتخابات مجلس الشعب في عشرات الدوائر، أو بإعادة "حزب العمل" ولا يتردد محمد علي خير في كتاباته في أثناء حكم مبارك في أن يصوّب قلمه إلي الطاغية نفسه، وإلي رحلاته الخارجية التي بلغت 56 رحلة إلي فرنسا وحدها، ويطالب بأن يطلعنا الرئيس علي أسباب هذه الرحلات ونتائجها وتكاليفها.. ويتساءل أيضًا عن زيارات ابنه جمال، خصوصًا لأمريكا، واجتماعاته بكبار المسئولين فيها (هل أصبح رسم السياسة العليا للدولة شأنًا عائليًا؟) ويفضح مشروع التوريث. ويعرض الكاتب لرجال الرئيس "فقراء الفكر والطلة" واحدًا واحدًا، ومنهم الوزراء التسعة الذين ترشحوا لعضوية مجلس الشعب وحولوا وزاراتهم إلي "تكايا" تساندهم في حملاتهم الانتخابية، ويكشف ما وراء الخطب النارية لزكريا عزمي في البرلمان، وأسرار السيناريو الرديء لإعفاء محمود أبو زيد من وزارة الري، وفضيحة تعيين محمد إبراهيم سليمان رئيسًا لشركة الخدمات البترولية البحرية بعد خروجه من الوزارة "للاستفادة من خبراته الواسعة"، ودولة يوسف بطرس غالي داخل الدولة. لا يدهشنا أن المآسي الكبري في عهد مبارك لا تزال تطل برأسها حتي اليوم.. هذا إرث لن يمكننا التخلص من عبئه قبل عدد من السنين.. الذي يثير الأسي حقًا؛ أن الإرادة لم تتوافر حتي اليوم لاكتساحه.. وها هي أزمات الأمس لا تزال ماثلة، ومنها لغز استيلاء الحكومة علي أموال التأمينات والمعاشات، ولغز السولار، ولغز استرداد المجرمين الذين هربوا إلي الخارج (ومنهم ممدوح إسماعيل صاحب عبارة السلام الذي قضي حكمًا نهائيًا بحبسه 7 سنوات، وتجاهلت الحكومة تقديم طلب لبريطانيا لاستعادته)، ولغز تقارير عشرات الأجهزة الرقابية عن الفساد في حكم مبارك التي لم يتعرض لها النائب العام حتي اليوم. المسئولية هنا تتحملها السلطة التي تولت حكم البلاد بعد 25 يناير، والتخبط الذي مارست به الحكم والذي يتناوله محمد علي خير بتفصيل وافٍ لا بد أن تختلف حوله الآراء طبقًا لتفاوت المعتقدات الأيديولوجية والسياسية.. إلاّ أنك لا بد أن تعترف للكاتب بأنه تناول هذه المرحلة الحرجة التي لا نزال نعيشها من تاريخ البلاد بتجرد ملحوظ في الجزء الأخير من الكتاب، رغم أن هذه الفترة ستظل عصية علي التقويم لزمن آخر قادم. أما الجزء الثاني الذي يدور في معظمه حول مفاجأة نظام مبارك بالثورة؛ فهو يروي حكايات شائقة لها مغزاها حول ما دار في تلك الأيام في أروقه القصر الجمهوري، وفي كواليس الحزب الوطني "الأرستقراطي"، وفي مختلف دوائر الحكم وفي مقدمتها وزارة الداخلية، ويذكّرنا فيه بأحداث ربما تكون قد تاهت في زحام الأيام الثمانية عشر المجيدة وما بعدها، مثل زيارة المبعوث الأمريكي "فرانك ويزنر"، والتحضير لموقعة الجمل، وما تردد حول رحلة مبارك إلي السعودية وعلاجه في تبوك. محمد علي خير كاتب بارع بدأ يمارس الصحافة في عام 1986 وحصل بسببها علي جوائز ليس فقط في المقالة السياسية، وإنما أيضًا في الحوار وفي التحقيق الصحافي، وكذلك في إخراج الصحف.. ولا بد أن يكون هذا الكتاب شهادة ناصعة أخري في سجله.