رغم أن البنك الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولية لا يعترف إلا بلغة الأرقام إلا إنني خلال زيارتي الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية التي التقيت خلالها بعدد من كبار المسئولين في هذه المؤسسات التي تقع في قلب العاصمة الأمريكيةواشنطن شعرت أن هذه المؤسسات بدأت تدرك مؤخرا أن لغة الأرقام ليست بالضرورة هي اللغة المناسبة في التعامل مع دول العالم المختلفة خاصة الدول النامية ، بل ربما لا تحقق هذه اللغة النتائج المرجوة ، لذا لمست تغيرا ملموسا في استراتيجيات تعامل مثل هذه المؤسسات بالذات مع شعوب منطقتنا وهو ماتجسد خلال الحوارات التي أجريتها في واشنطن ، ومنها هذا الحوار مع شخصية اقتصادية مرموقة هو أسعد عالم المدير الاقليمي للبنك الدولي والمسئول عن عدة دول منها مصر واليمن وجيبوتي وهو هندي الجنسية وحاصل علي الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة كولومبياالأمريكية ومكتبه الرئيسي بالقاهرة وقد اكتشفت خلال الحوار أنه علي الرغم من توليه مهام عمله منذ أقل من عام إلا أنه يعرف عن القاهرة أكثر مما يعرفه بعض سكانها. منذ متي تسلمت مهام عملك الجديد وماهي خبراتك السابقة التي أهلتك لهذا المنصب الهام؟ - انضممت كخبير اقتصادي إلي البنك الدولي ضمن برنامج المهنيين الشباب عام 1993. وعملت في مناطق مختلفة من العالم من بينها أفريقيا وآسيا الوسطي وشرق آسيا وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية.وتسلمت مهام عملي كمدير اقليمي لمصر واليمن وجيبوتي اعتبارا من الأول من يوليو 2015 وأدير مهام عملي من القاهرة واحب هذه المدينة حبا كبيرا رغم فترة اقامتي القصيرة وسفري المتعدد واعرف بعض الأماكن التي ربما لا يعرفها سكان القاهرة أنفسهم ودوري الوظيفي هو تعزيز جهود التنمية وتنفيذ أطر التعاون الاقليمي بين البنك الدولي والبلدان الثلاثة وهي مصر واليمن وجيبوتي. وقبل هذا المنصب،كنت أعمل كمدير اقليمي لمنطقة جنوب افريقيا وتشمل كلا من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وليسوتو وناميبيا وسوازيلاند. وقبلها كنت المدير القطري لجنوب القوقاز وتغطي هذه المنطقة أرمينيا وأذربيجان وجورجيا. ماهي أبرز الخبرات التي تري أنك قد اكتسبتها خلال خدمتك في تلك المناطق؟ - عملي في مناطق مختلفة من العالم أكسبني خبرة عملية واسعة في مجال قضايا التنمية بما في ذلك الإنتاجية والنمو وخلق فرص العمل والحد من الفقر والتجارة والمالية العامة. وقد كتبت عدة دراسات في العديد من الموضوعات منها دراسات حالة مختارة للإصلاحات المؤسسية في جنوب أفريقيا ومحاربة الفساد في الخدمات العامة والتسلسل الزمني للإصلاحات في جورجيا وإطلاق العنان للرخاء ونمو الإنتاجية في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي سابقا والنمو والفقر وعدم المساواة في شرق أوروبا مصر والبنك نعود إلي مصر ونود في البداية التعرف علي تطور علاقة البنك الدولي مع مصر خلال الفترة الماضية وانعكاساتها علي الفترة المقبلة؟ - علاقة البنك الدولي ومصر علاقة تاريخية وممتدة عبر الزمن ساهم فيها البنك في تمويل العديد من المشروعات المهمة في مصر ونعتبر أن مصر من الدول النموذجية في التعامل مع البنك وسنبدأ خلال أيام اتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة لتوفير التمويل لمصر بعد موافقة البرلمان علي برنامج الحكومة فدعم البرلمان للاصلاحات الاقتصاديه مهم جدا خلال هذه المرحلة ، لذا رصد البنك 8 مليارات دولار لمصر وفقا لاستيراتجية التمويل حتي عام 2019منها 6 مليارات دولار للمشروعات التنموية، و2 مليار دولار كاستثمارات مباشرة من خلال مؤسسة التمويل الدولة في مختلف القطاعات . وما توقعات البنك الدولي لمستقبل الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة؟ - هناك مؤشرات إيجابية تعزز من قدرات الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة،منها ارتفاع معدلات تنفيذ المشروعات التنموية والاستثمارية للبنك في مصر من 8% إلي 23% وهي من النسب المرتفعة جدا وتعد دليلا علي حرص مصر الواضح علي تنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي والتي يضعها المسئولون المصريون وفقا لظروف الطبقات الأكثر تأثرا ببرامج الاصلاح. صالة المطار هل هناك مشروعات مصرية محددة ساهم فيها البنك في الفترة الأخيرة؟ - سيتم قريبا افتتاح صالة جديدة بالمطار بتكلفة 280مليون دولار ممولة من البنك كما يدرس البنك كيفية المساهمة في تمويل علاج فيروس سي في مصر بعد أن لمسنا الاهتمام الكبير بهذا الأمر أما القضية المصيرية بالنسبة للشعب المصري فهي قضية التعليم وكل مصري يعرف أن التعليم هو القضية الأساسية للاصلاح وهو ما يشير إلي إدراك واسع لأهميه التعليم للمواطنين ولمستقبل مصر وقد سبق أن قام البنك الدولي بتقديم خبرة اصلاح التعليم في بلدان عديدة مثل تشيلي وهونج كونج بالاضافة إلي الجانب المصري غير أن لكل بلد ظروفه ومصر هي التي تقرر أي نهج تختار ومن حسن الطالع ان البنك الدولي يولي اهتماما كبيرا بتطوير التعليم في الدول التي يتعاون معها ومنها مصر، والبنك علي استعداد لتقديم أي مساعدة فنية او مالية تطلبها مصر لتطوير التعليم واعادة تأهيل الشباب وفقا لاحتياجات سوق العمل . كيف يمكن أن يساعد البنك في زيادة معدلات النمو الاقتصادي؟ - أتوقع أن تستفيد مصر من القروض التي يتيحها البنك للدول وهي قروض بفوائد بسيطة جدا يتم توجيهها إلي مشروعات سوف تسهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي والتنمية، بما يخلق المزيد من فرص العمل. ما أهم التحديات التي تري أن مصر تواجهها خلال المرحلة الحالية غير التعليم؟ - من وجهة نظري اعتبر أن غياب العدالة الاجتماعية وزيادة نسبة الفقر هما التحديان الأساسيان اللذان يواجهان مصر حاليا، ورغم ان الحكومة المصرية نجحت في القيام باصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية إلا أنها لا تزال تواجه هذين التحديين الأساسيين.وكذلك مصر تحتاج إلي إدخال اصلاحات هيكلية، تتعلق بكيفية تطبيق برنامج الاصلاح الخاص بها،واستفادة الشعب منه، لتجعل الاقتصاد قادرا علي تخفيض الفقر،وخلق فرص عمل،وتحقيق العدالة الاجتماعية. مؤسسات الفقراء هل هناك روشتة يمكن للبنك أن يقدمها لمصر لتحقيق أهدافها المرجوة؟ - يجب علي الحكومة المصرية العمل علي ثلاثة محاور أساسية،الأول تحسين نظام الحوكمة،والمقصود به مساندة وتقوية المؤسسات التي تعمل لصالح الفقراء،بالاضافة الي خلق نوع من التواصل بين الحكومة والفقراء خلال الفترة القادمة. ويعد خلق وظائف العمل هو المحور الثاني الذي يمكن الحكومة من القضاء علي الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية،والبنك الدولي من ناحيته يركز في برنامجه مع الحكومة المصرية في الفترة ما بين 2015-2019 علي مساندة مشروعات البنية الأساسية،وعلي الاستثمار في البنية البشرية والانسان المصري،وتحسين التنافسية للعامل المصري وهنا لا يجب أن نغفل دور القطاع الخاص الفعال في هذا المجال حيث لم تعد الحكومة قادرة بمفردها علي توليد وظائف جديدة أما المحور الثالث،فيتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية،وذلك لن يتم الوصول إليه إلا من خلال سماع صوت المواطن المصري.حيث أن التنمية الحقيقية لم تتحقق حتي الآن بسبب غياب التكامل بين مختلف مجالات التنمية.وأن الاستثمار في البشر يجب أن يتم علي التوازي مع الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية الأساسية ولا يجب فقط التركيز علي محور واحد فقط.أود هنا التأكيد علي أن كلا من الحكومة المصرية والشعب المصري علي دراية جيدة بالمشكلة، لكن التحدي يكمن في إيجاد حل المشكلة،لذا أعتبر أهم التحديات التي تواجه الحكومة هي القدرة علي تنفيذ البرنامج وتوصيل الخدمات إلي مستحقيها. ماهو تقييم البنك الدولي لمعدلات الدين الخارجي والداخلي المصري؟ - معدل الدين الخارجي في مصر لايزال منخفضا مقارنة بالدول الأخري،وهو ما يجعل من مصر دولة موثوق بها قادرة علي الاقتراض والالتزام بالسداد.لكن إحدي المشكلات الكبري للاقتصاد المصري تتمثل في الدين الداخلي وليس الخارجي لأن نسبه الدين الخارجي إلي الناتج ليست كبيرة بالمقارنة بدول اخري وليس لدي البنك اي مخاوف بشان قدره مصر علي سداد ديونها . كفاءة الأداء هل هناك عناوين رئيسية لاستراتجية البنك في التعامل مع مصر مستقبلا؟ - الاستراتيجية الجديدة للعمل مع مصر تركز علي رفع مستوي كفاءة الأداء والشفافية والحوكمة وإزاله العقبات أمام إنطلاق القطاع الخاص ما خطوات المرحلة الاولي لتحويل الشريحة الاولي من القروض لمصر؟ - يتم التنسيق حاليا مع الحكومة المصرية بهذا الشأن لاتمام تحويل المرحلة الاولي من القروض والبنك الدولي يعمل علي كل ما من شأنه أن يدعم النمو والعدالة الاجتماعية في مصر طوال الوقت والعمل لا ينقطع في مشاريع لها أولوية لدي حكومة مصر مثل الطاقة والمياه النقية والصرف الصحو والرعاية الصحية والتعليم والعناية بالاطفال ورفع الانتاجية الزراعية في الأراضي القديمة أو الجديدة.وقال أن مصر لديها سجل رفيع في الالتزام بسداد قروض البنك الدولي. فرص العمل هل هناك تمويل من البنك لمشاريع في منطقة قناة السويس؟ - البنك الدولي لم يقدم بعد تمويلا لمشاريع في منطقه قناة السويس لكنه يعمل في مدن القناة مثلما يعمل في الصعيد ومستعد للمساهمة في اي مشاريع تخدم التنمية وتحقيق الأهداف الجديدة في مصر. معظم بلدان العالم التي تتعاون مع البنك غير قادرة علي الاستفادة القصوي من اموال البنك في تحقيق التنمية اللازمة بما ينعكس علي فرص العمل وغيرها من القضايا التي اصبحت موضع اهتمام الجميع فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟ - البنك الدولي يولي اهتماما كبيرا بالمشروعات الخاصة بتحقيق التنمية الاجتماعية وتشغيل الشباب ، ولذلك فان التركيز في هذه المرحلة كان علي توفير التمويل اللازم لمشروعات الاسكان والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ، واستهداف المناطق المحرومة من الخدمات والفقيرة مثل محافظات الصعيد في مصر وكل المناطق الفقيرة في الدول التي نتعاون معها .فالبنك يعمل علي تجديد فكرة التضامن الاجتماعي واعادة النظر في عمليات الدعم العيني او السلعي واستبداله بفكرة الدعم النقدي،مع استخدام تكنولوجيا الكروت الذكية لضمان وصول الدعم لمستحقيه ، علما بان هناك العديد من التجارب الدولية مثل البرازيل والمكسيك أثبتت نجاحا كبيرا في هذا المجال . هل طول اجراءات البنك في التعامل مع اي دولة منذ الاتفاق وحتي تحويل هذا الاتفاق الي واقع ملموس جعل كثيرا من الدول تتردد عند طلب المساعدة من البنك الدولي؟ - البنك يعمل حاليا علي اختصار اجراءات منح القروض لاتاحتها في وقت اسرع بما يلبي احتياجات الدول المقترضة في الوقت المناسب .ولا بد هنا من الاشارة إلي أن القروض التي يمنحها البنك لها العديد من المزايا أهمها طول فترة القرض التي تصل الي 25 سنة مع فترة سماح مدتها 5 سنوات وفائدة تتراوح بين 1.5 % الي 2% . هل تعتقد أن بنك الاستثمار الآسيوي يعتبر منافسا للبنك الدولي في طبيعة عمله والدور الذي يؤديه؟ - لا يوجد أي تعارض بين عمل البنكين ، بل علي العكس تماما فان البنك الجديد سيتيح فرصا اكثر للتمويل،وهو الامر الذي تحتاج اليه المنطقة بشدة في الفترة القادمة. ولعل البنك الجديد يكون فرصة لفتح شهية كثير من المؤسسات العالمية التي قد تتعاون فيما بينها لانشاء كيانات مماثلة فالعالم الآن في اكثر اوقاته احتياجا لمؤسسات عملاقة تساعد الدول الفقيرة وتأخد بيدها إلي آفاق التنمية. مكافحة الفقر هناك تضارب في تحديد نسبة حقيقية للفقرواعداد الفقراء في مصر والعالم..فهل من الصعب الوصول للنسبة الحقيقية للفقراء حتي يمكن وضع حلول واقعية للقضاء علي هذا الفقر؟ - الأهم من تحديد عدد الفقراء من وجهة نظري هو تحديد الوسائل التي يمكن لأي دولة ان تتخذها إذا كانت لديها رغبة حقيقية في التخلص من الفقر وتقليص اعداد الفقراء وليس انهاء مشكلة الفقر بشكل قاطع فكل دول العالم تعاني من الفقر بشكل او بآخر وهو مايستلزم ارادة حقيقية للتعامل مع هذه القضية. نصيحة أخيرة تقدمها لمصر وللمصريين؟ - لن أمل من تكرار أهمية قضية العليم لمصر في المرحلة الحالية لأن التعامل الجيد مع قضية التعليم سيفتح الطريق لحل جميع المشاكل الاخري التي يعاني منها الاقتصاد المصري وكل مصري يدرك أهمية هذه القضية وبقي أن تلتقي الارادة الحكومية لاصلاح التعليم مع الارادة الشعبية للاتفاق علي اطر اساسية للبدء فورا في اصلاح التعليم دون تأخير.