الحوار مع د. حافظ غانم نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال افريقيا يمثل لي متعة خاصة من عدة نواحي، أولها أنني في ضيافة شخصية مصرية دولية مرموقة يحتل موقعا متميزاً في واحدة من أعرق المؤسسات المالية الدولية، ثانيا تتمتع هذه الشخصية بخبرة طويلة في مجال عمل المؤسسات الدولية حيث قضي مايقرب من 30 عاما مابين العمل في البنك الدولي وغيره من المنظمات حتي استقر مؤخرا في البنك من جديد، ثالثا علمه الغزير وتواضعه الجم وهوشيء ليس بمستغرب من د. حافظ غانم الذي ورث كل هذه الصفات الطيبة من والده المرحوم د. محمد حافظ غانم الاقتصادي والسياسي البارز الذي تولي الوزارة عدة مرات خلال عهدي الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات صاحب المؤلفات العديدة عن المنظمات الدولية جاء اللقاء في مكتبه بواشنطن فرصة لالقاء الضوء علي العديد من القضايا الاقتصادية خاصة فيما يتعلق برؤية البنك للخطوات التي يخطوها الاقتصاد المصري منذ بدء ثورات الربيع العربي واستراتيجية التعاون المشترك مع البنك خلال الفترة المقبلة والعديد من القضايا الاخري. التعليم هو أكبر تحد يواجه مصر استحداث وزارة للتعليم الفني خطوه مهمه علي الطريق الصحيح في البداية هل كثرة انتقالكم بين عدة وظائف دولية مابين البنك ومؤسسات مالية واقتصادية اخري قبل العودة مرة أخري للبنك قد أثر علي متابعتكم للشأن المصري بشكل عام؟ لا أريد أن أردد شعارات رنانة لكني لا أعتقد أن هناك مصريا يمكن مهما وصل لمناصب في شرق العالم وغربه، شماله أوجنوبه أن ينسي ولولحظة انه في الاساس مصري المولد والوطن والاسم وكل شيء، متابعتي لما يحدث في مصر هي هواية أن صح التعبير وأنا لا أستطيع الحياة بدون هواياتي المفضلة التي تصطحبني في أي مكان وفي أي موقع..مصر بداخلي وأحرص علي متابعة كل مايجري فيها بكل دقة، أضف إلي ذلك طبيعة عملي كمسئول عن ملف منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي. كيف تقيم علاقة البنك الدولي بمصر خلال السنوات الماضية وماهوتوقعك لمستقبل هذه العلاقة خاصة في ظل التطورات المتتالية التي يشهدها الاقتصاد المصري ومحاولته تحقيق قفزة تؤثر ايجابا علي المواطن المصري بشكل مباشر؟ علاقة البنك الدولي بمصر علاقة قديمة وقوية ولها تاريخ طويل من الشد والجذب فترة والاتفاق فترة والاختلاف فترة وهذا شأن أي علاقات دولية صحية لكن استطيع أن أقول أن العلاقة بين البنك ومصر في هذه الفترة من أفضل الفترات في تاريخ هذه العلاقة، فمصر قطعت شوطا كبيرا في النهوض من عثرتها الاقتصادية والبنك لديه رغبة صادقة وقوية في دعم مسيرة النجاح وفقا لما تتطلبه الظروف المصرية ولعل الزيارة التي قامت بها بعثة البنك لمصر برئاسة جيم يونج كيم، رئيس البنك الدولي ومشاركته في قمة التكتلات الاقتصادية بشرم الشيخ دليل جديد علي ان البنك حريص جد علي التعامل مع مصر في كل العصور كما حرص رئيس البنك الدولي علي المشاركة بنفسه في القمة حتي يري مصر (الجديدة) ويلتقي خلالها بالرئيس عبد الفتاح السيسي والمهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء والمسئولين .هذه الزيارة تم خلالها ايضا التعرف علي احتياجات مصر من البنك خلال الفترة القادمة والجهود التي يمكن ان يقوم بها البنك لمساندة مصر علي تنفيذ اجراءات الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي . شهادة قوية هل هناك نية لزيادة حجم التمويل المتاح من جانب البنك للمشروعات المصرية دعما للاقتصاد المصري بعد ان كثر الحديث في الفترة الماضية عن حجم التمويل الذي يقدمه البنك لمصر؟ أود أولا التأكيد علي أن إدارة البنك تقدر الجهود التي تقوم بها القيادة المصرية من اجل الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وقد وافق مجلس ادارة البنك علي زيادة حجم التمويل لمصر خلال السنوات الأربع القادمة ليصل الي 5 مليارات دولار، بواقع 1.2 مليار دولار سنويا، وذلك حتي تتمكن من اجتياز تلك المرحلة الحرجة، وأود في هذا الصدد التأكيد علي أن دعم البنك ووقوفه بجانب مصر يعد شهادة قوية من قبل اهم مؤسسة مالية عالمية للاقتصاد المصري وهومايؤكد ان مصر تسير علي الطريق الصحيح . تسلمت مصر من البنك الدولي خلال الشهرين الماضيين بعض التمويل المخصص لمشروعات محددة فما هي الفلسفة التي تحكم عمل البنك في تمويل مشروعات بذاتها؟ - يمثل القضاء علي الفقر المدقع وتحقيق رخاء يستفيد منه الجميع من خلال خلق الفرص الاقتصادية جزءا من صميم رؤية البنك للعملية التنموية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وهذه هي الفلسفة الاساسية التي تحكمنا لذا قام البنك خلال الشهرين الماضيين بمنح مصر نحو900 مليون دولار، عبارة عن 500 مليون دولار لمشروع المليون وحدة سكنية الذي تنفذه وزارة الاسكان، و400 مليون دولار لمشروع ( تكافل وكرامة ) الذي تنفذه وزارة التضامن الاجتماعي .وعلي فكرة راعي البنك ماتمر به المنطقة كلها وليست مصر بمفردها ماتمر به دول المنطقة من احداث تستلزم عمليات تمويل كبيرة لذا قرر مجلس ادارة البنك زيادة التمويل الممنوح لدول منطقة الشرق الاوسط لتمويل عمليات التنمية، وان مصر تأتي في مقدمة هذه الدول باعتبارها أكبر هذه الدول وأكثرها حاجة للتمويل اللازم لعبور هذه المرحلة الحرجة. معروف ان شركات الاستثمار الكبري في المنطقة تنظر دائما لعملية التقييم التي يقوم بها البنك الدولي قبل اختيار المنطقة التي تتوجه إليها بمحافظها الاستثمارية فهل تتوقع أن يكون تقييم البنك لمصر ايجابيا بما يعطي الضوء الأخضر لهذه الشركات بالتوجه الي مصر؟ البنك لا يتدخل مباشرة عند أي جهة ولا يمكن ان يقول لاي شركة اين تتجه باستثماراتها لكن بلا شك ان زيادة التمويل لمصر يعكس ثقة البنك في قدرات الاقتصاد المصري، وتحسين السمعة العالمية له، وهوالامر الذي سيكون له أثار ايجابية كبيرة علي المستثمرين الاجانب الراغبين في اقامة مشروعات استثمارية في مصر . الاستفادة القصوي لاتزال معظم بلدان العالم التي تتعاون مع البنك غير قادرة علي الاستفادة القصوي من أموال البنك في تحقيق التنمية اللازمة بما ينعكس علي فرص العمل وغيرها من القضايا التي أصبحت موضع اهتمام الجميع فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟ البنك الدولي يولي اهتماما كبيرا بالمشروعات الخاصة بتحقيق التنمية الاجتماعية وتشغيل الشباب، ولذلك فان التركيز في هذه المرحلة كان علي توفير التمويل اللازم لمشروعات الاسكان والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، واستهداف المناطق المحرومة من الخدمات والفقيرة مثل محافظات الصعيد في مصر وكل المناطق الفقيرة في الدول التي نتعاون معها .فالبنك يعمل علي تجديد فكرة التضامن الاجتماعي واعادة النظر في عمليات الدعم العيني أوالسلعي واستبداله بفكرة الدعم النقدي، مع استخدام تكنولوجيا الكروت الذكية لضمان وصول الدعم لمستحقيه، علما بأن هناك العديد من التجارب الدولية مثل البرازيل والمكسيك أثبتت نجاحا كبيرا في هذا المجال . روتين دولي هل طول إجراءات البنك في التعامل مع أي دولة منذ الاتفاق وحتي تحويل هذا الاتفاق الي واقع ملموس جعل كثير من الدول تتردد عند طلب المساعدة من البنك الدولي؟ البنك يعمل حاليا علي اختصار اجراءات منح القروض لاتاحتها في وقت أسرع بما يلبي احتياجات الدول المقترضة في الوقت المناسب .ولا بد هنا من ضرورة الاشارة إلي أن القروض التي يمنحها البنك لها العديد من المزايا أهمها طول فترة القرض التي تصل الي 25 سنة مع فترة سماح مدتها 5 سنوات وفائدة تتراوح بين 1.5 % الي 2% . ماهوفي رأيك التحدي الأساسي الذي يواجه مصر خلال الفترة القادمة وكيف يمكن لها ان تتعامل معه؟ بدون شك يعتبر التعليم هو أكبر تحد ممكن ان يواجه مصر خلال السنوات المقبلة ومن حسن الطالع ان البنك الدولي يولي اهتماما كبيرا بتطوير التعليم في الدول التي يتعاون معها ومنها مصر، لا أقصد التعليم العام فقط بل تركيزنا ينصب اكثر علي التعليم الفني بصفة خاصة، ولعل استحداث وزارة للتعليم الفني في مصر يأتي كخطوة مهمة علي الطريق الصحيح، والبنك علي استعداد لتقديم أي مساعدة فنية أومالية تطلبها مصر لتطوير التعليم الفني واعادة تأهيل الشباب وفقا لاحتياجات سوق العمل . تقارير دولية هناك عدة تقارير دولية اشارت إلي أن الاقتصاد غير الرسمي في مصر وعدة دول أخري هوالذي خفف عن المواطنين أعباء الاصلاح الاقتصادي، فما هو تقييمكم لهذه العبارة وكيف تتعاملون معها؟ مع احترامي لأصحاب هذه التقارير إلا أنني أري ضرورة ان تبذل الحكومة جهودا أكبر لضم الاقتصاد غير الرسمي الي اقتصاد الدولة، ونحن في البنك الدولي أيضا علي استعداد للمساعدة في هذا المجال ومقترحاتنا المحددة في هذا الشأن ضرورة تغيير القوانين والتشريعات والاجراءات اللازمة لاقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع تسهيل الحصول علي التراخيص، والقضاء علي البيروقراطية،وسهولة التعامل مع الادارة الضريبية، بالاضافة الي منح حوافز للعاملين في هذه المشروعات حتي يمكن تشجيعهم علي الانضمام للاقتصاد الرسمي للدولة .والبنك يعمل بالفعل علي مساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر من خلال التعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يمنح قروضه للشباب في اطار رسمي. خطوة تأخرت قامت مصر مؤخرا بخطوة هامة وحققت مطلبا ظل البنك يلح عليه طويلا ألا وهوتخفيض دعم الطاقة فكيف تقيم نتائج هذه الخطوة حتي الآن؟ لابد من التعامل بشفافية مع هذه القضية فدعم الطاقة كان يذهب أغلبه للفئات التي لا تستحق الدعم ولا يستفيد منه الفقراء بالصورة التي ينبغي أن يكون عليها خاصة أن هذا الدعم غالبا ماكان يلازمه إسراف في استهلاك الوقود المدعوم لرخص اسعاره..والشيء الذي نؤكد عليه دائما ضرورة تنفيذ سياسة اجتماعية بالتوازي مع هذا التخفيض في الدعم لحماية الفقراء من آثاره السلبية ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من تجارب دول أخري خطت علي نفس الطريق مع تقديم روشتة لتجنب الآثار السلبية مع ضرورة أن تكون هذه الروشتة ملائمة لظروف البلد فقد يحدث الدعم النقدي للفقراء مثلا نتائج ايجابية في بلد ولا يحقق بالضرورة نفس هذه النتائج في بلد آخري.ونحن هنا في البنك الدولي علي استعداد لتقديم اي مشورة تطلبها مصر في هذا المجال كما اننا علي استعداد لتوفير التمويل اللازم لمشروعات الطاقة والغاز التي تحتاجها مصر بشدة خلال الفترة القادمة . خرج مؤخرا الي الوجود بنك الاستثمار الآسيوي فهل يعتبر منافسا للبنك الدولي في طبيعة عمله والدور الذي يؤديه؟ لا يوجد أي تعارض بين عمل البنكين، بل علي العكس تماما فان البنك الجديد سيتيح فرصا اكثر للتمويل، وهوالامر الذي تحتاج اليه المنطقة بشدة في الفترة القادمة. ولعل البنك الجديد يكون فرصة لفتح شهية كثير من المؤسسات العالمية التي قد تتعاون فيما بينها لانشاء كيانات مماثلة فالعالم الآن في اكثر اوقاته احتياجا لمؤسسات عملاقة تساعد الدول الفقيرة وتأخد بيدها إلي آفاق التنمية. اعداد الفقراء احترنا في تحديد نسبة حقيقية للفقرواعداد الفقراء في مصر وكل مؤسسة سواء مصرية أودولية تعطينا رقما مختلفا عن الآخر..فهل من الصعب الوصول للنسبة الحقيقية للفقراء حتي يمكن وضع حلول واقعية للقضاء علي هذا الفقر؟ الأهم من تحديد عدد الفقراء من وجهة نظري هوتحديد الوسائل التي يمكن لأي دولة ان تتخذها إذا كانت لديها رغبة حقيقية في التخلص من الفقر وتقليص اعداد الفقراء وليس انهاء مشكلة الفقر بشكل قاطع فكل دول العالم تعاني من الفقر بشكل أوبآخر وهومايستلزم إرادة حقيقية للتعامل مع هذه القضية.