كان الله في عون الدستور ظلموه وأهانوه.. ثم وضعوه في رقبة الجمعية التأسيسية بصورتها الحالية حيث يترأسها علم من شيوخ القضاء العظام المستشار حسام الغرياني بتاريخه العريق.. ومعه نخبة من جميع أطياف المجتمع.. ممن يعلمون بدروب القانون.. ومن لا ينتمون إليه من قريب أو بعيد! هناك ملاحظات كثيرة تستحق أن نتوقف أمامها سواء في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور أو مواصفات أعضائها.. وأسلوب عملهم جميعا.. أولها.. اللجنة وبحكم عملها كان يجب أن تضم 08٪ من أعضائها من قمم وخبراء القانون الدستوري.. ممن يمثلون جميع التوجهات السياسية.. لأنهم الأعلم والأكفأ.. والأحرص علي إعداد وصياغة دستور الثورة الذي تحلم به جميع القوي الوطنية ومازال الباب مفتوحا لعلاج هذا القصور أو العوار بلغة القانون! ثانيها.. مصر بها أعرق خبراء القانون الدستوري.. وهؤلاء أعدوا لها أربعة دساتير لاتقل عن مثيلها في أمريكا وغيرها من أعرق ديمقراطيات أوروبا.. بدءا من دستور 3291.. و4591 الذي أعده السنهوري باشا ورفاقه من جهابذة القانون.. يليهما دستور 1791 الذي أنجزه المستشار الدكتور ابراهيم درويش ولجنته ولم يؤخذ به.. ثم الدستور الذي أعدته المجالس القومية المتخصصة وصفوه أهل القانون بها في عام 0002.. ولم يحظ بالمرور من دهاليز الفساد في الحزب الوطني وبرلماناته! الجمعية التأسيسية الموقرة تجاهلت وربما عمدا تلك الدساتير.. التي أعدتها أبرز وألمع عقول أهل القانون في بلدنا وكان الأجدر بها أن تستفيد منها وتأخذ بها.. وتعدل وتضيف ما تستلزمه الظروف الحالية.. وفي هذا توفيرا للوقت.. وتخفيف للجهد.. وإعلاء لمبدأ الأخذ بما انتهي إليه خبراؤنا وعلماؤنا.. بدلا من ردم الماضي.. والبدء من فراغ لن يكون أبدا بحجم ما هو موجود فعلا من ثروة قانونية أعدها أساطين القانون الدستوري! ثالثها.. من متابعة أعمال الجمعية التأسيسية يبدو لنا أنها شديدة الإعجاب بدستور مبارك الذي طالبت جميع القوي السياسية بتغييره.. وعلي سبيل المثال مجلس الشوري الذي لم يشارك في انتخاباته سوي 01٪ ممن لهم حق التصويت.. ورغم ان هذا يعد بمثابة استفتاء بالرفض علي وجوده.. فإن جمعية الدستور رأت استمراره باسم مجلس الشيوخ! أيضا الخلاف علي نسبة العمال والفلاحين التي وضعتها ثورة يوليو في الستينيات.. وأصبحت الآن مصدرا للمشاكل والطعون الانتخابية.. وتقتضي العدالة إلغاءها من مبدأ عدم التمييز بين فئات المجتمع.. وتغير الظروف الاجتماعية التي اقتضت وجودها.. تلاحظ لنا وجود اتجاه للإبقاء عليها.. ولا نعلم مبررات ذلك! تأتي بعدها النصوص الخاصة بسلطات الرئيس وعلاقته بالبرلمان والحكومة.. والتوجه داخل الجمعية يوحي بأنها ستأتي علي غرار ما كان في الدستور الملعون الذي تم إلغاؤه.! الرئيس فيما أعلن سوف يتمتع بسلطات رئاسية كاملة من حل البرلمان.. إلي تعيين رئيس الوزراء وكبار المسئولين وغيرها.. وعلي ما يبدو أن هناك حرصا علي عدم تغيير النظام الرئاسي.. حتي لا يطعن علي استمرار الرئيس محمد مرسي إذا ما استجدت نصوص تشريعية تجعل من النظام الرئاسي مختلطا بالبرلماني! رابعها وأخطرها ما تردد عن وجود توجه في اللجنة للسماح بأن يكون الرئيس القادم حاملا لجنسية مزدوجة.. وأيضا ألا تكون الأم مصرية، وترك الرأي للاستفتاء العام.. وهو توجه يشبه حقا يراد به باطل لأن الاستفتاء سيتم علي مواد الدستور مجتمعة.. وليس علي مادة أو مواد عليها اعتراض عام! الجنسية المزدوجة هي بمثابة ولاء مزدوج.. والأم غير المصرية لرئيس الجمهورية كلام غلط..! مصر تريد رئيسا يحمل جنسيتها فقط ومن أم وأب مصريين.. مصر تريد دستوراً جديداً يعبر بها من الديكتاتورية والفرعونية إلي الديمقراطية. لكن ترقيع مواد الدستور.. وتفصيله علي غرار دساتير الفساد مرفوض.. مرفوض!