مفيد فوزي ، كاتب صحفي علي درجة مشاغب ، ومحاور تليفزيوني جرئ لدرجة شائكة ، اعتاد أن يقتحم اعقد القضايا، وان يفجر معاقل الفكر بأسلوب رشيق ، لأنه ببساطة يمتلك قاموسا خاصا بمفردات كلماته التي تحمل مذاق مخلوط بالصدق والمرارة والحب فتشتبك مع العقل والقلب ، وغالبا ما تنتصر كلماته في معارك الكتابة الصحفية، لأنها تنبع من رجل عشق شيئا واحداً في حياته هو "الكلمة". في هذه الأيام فاجأنا الكاتب المشتبك بالكلمات بأحدث كتبه التي تحمل عنوان " كلام مفيد " والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في طبعة أنيقة وسعر زهيد تماما مثل ما يحتويه الكتاب من رؤي حياتية عميقة لكاتب مجرب بأسلوب رشيق وسلس ، فالكتاب يضم مجموعة مقالات متنوعة مابين السياسة والأدب والفكر والحياة الثقافة ، ولكنها كلها تحمل صفة "الهموم "،فهو الكاتب الذي حمل همه حيثما ذهب و ارتحل ، سافرت معه همومه علي متن مقالاته التي مازالت تقيم معه رغم هبوط طائرته علي ارض هذا الكتاب . يبدأ الكاتب الصحفي مفيد فوزي كتابه بمقالة تحت عنوان " اعتذار " يعتدز فيها عن ظهور سلوكيات وثقافات لم تكن موجودة في حياتنا من قبل ورغم انه في الواقع ليس مسئولا عنها إلا انه استطاع أن يرصدها بعين الكاتب الذي أوجعه حب الوطن فيقول : أعتذر عن النهش في الكلمات واستنباط معان أخري لا علاقة لها بمضمون الحروف ، ولا خطر ببال المجمع اللغوي حارس لغة الضاد ان الزمن أعطي لهذه الكلمات مذاقا مختلفا تعافه النفس الأبية . أعتذر للعشاق العشاق ، فحدائق الغناء صارت مزروعة صبارا واضطرت الفراشات أن تهاجر ،الود أصبح بالأجر ، ورعشات الأصابع بفاتورة والعناق بالخناجر الناعمة ، والرسائل الزرقاء بالموبايل ، بساتين الحب صارت جدباء والخصوصية غدت مخترقة. اعتذر عن الغش : المياه الملوثة والخضار المسموم والفاكهة المحقونة هرمونات اعتذر لشباب الجامعات عن التسطيح ، فالأساتذة مشغولون بالانتدابات ، والمدرسون مشغولون بالترقيات والمعيدون مشغولون بإعداد الرسائل الجامعية ، والعمداء عيونهم علي الوزارة . ويقدم الكاتب العديد من الاعتذارات عن كل ما طفا واستقر في مجتمعنا وحياتنا من سلبيات حتي بدت جزءا من سلوكياتنا العامة وفي مقال تحت عنوان "مشوار المشاوير" كتب يقول : علمتنا السحابة البشرية السوداء قيما غريبة ، صرنا نتلون ، ونتذاكي ، ونتغابي ، ونتسيس ،نبيع ، ننحط ،نهادن ، نفتي ،نصرخ ، فلا يسمعون ، نحتج فلا يأبهون، نتشقلب، فلا يلتفتون. وأحيانا نتسأل هل نحن أدوات مائدة ؟ شوكة وسكينة وملعقة ؟ ربما ! وفي مقال بعنوان "أنت صدفة علي رمال شاطئ الحياة" يقول الكاتب مفيد فوزي : بداخل صدفة كل إنسان منا رغبات مدفونة في اللاوعي وعلامات استفهام تستعصي علي الإجابة ، بداخل صدفتك جروح وقروح وحرائق وزلازل وبراكين ، لكن المجتمع يخمدها وينزع منها فتيل الاشتعال ، قد تأتيك هذه الرغبات في أحلام يقظتك وربما ترسمها في لوحات عبثية وتتخلص من ثورتك بصدام الألوان . ومن مقال بعنوان " صداقة هذا الزمن ! " يقول :كان توفق الحكيم يعتقد أننا نصادق من نستلطفهم ونكره من يصارحنا برأي يؤلمنا فرؤيتنا للصداقة انفعالية وليست موضوعية ، لماذا تموت بعض الصداقات المعمرة ؟ حين تختلف بحدة زاوية الرؤية وحين يصبح المال - لا الدفء - سيد الحياة وحين يختلف ترتيب المشاعر .. وتتراجع قيمة الصداقة وتصبح عبئا ! وليس من المهم أن يكون أقرب الناس إلينا جغرافيا، فالجغرافيا لا تصنع صداقة، ولكنها التاريخ !. وفي مقال " هل اليأس أم التحديق أكثر" يوجه الكاتب مفيد فوزي كلمة للقارئ يقول فيها: عزيزي القارئ اللبيب الذي كتب يقول لي :بين سطورك يسكن شيء من الأسي وربما كانت كلماتك مبتلة باليأس " ويرد الكاتب مفيد علي قارئه قائلا : وأقر واعترف انك شرحت حالتي أكثر مني وجعلتني أقف لأري نفسي في مرايا الذات ، حيث نهرب منها لفرط صدقها .