فقدنا خلال الأيام الماضية مجموعة من الأساتذة والزملاء الأعزاء في الصحافة والفنون والآداب وكان قدري أن أرتبط معهم جميعاً بصداقة وعلاقات حب ومودة بل أن بعضهم قد تعلمت منه واستفدت كثيراً من خبراتهم في مجال عملي الصحفي عندما كنت أصعد درجات السلم الأولي في دار أخبار اليوم العريقة عام 1974 الذي شهد خروج اسمي علي صفحات أوسع صحفنا انتشاراً أخبار اليوم الغراء. وداخل »أخبار اليوم« المؤسسة العريقة التقيت بالكاتبة الكبيرة حُسن شاه التي فارقتنا منذ أيام وكانت نجمة ذائعة الصيت تعمل بالنقد السينمائي وتتولي مسئولية الإشراف علي صفحة أدبية مهمة داخل صحيفة »الأخبار« شقيقتنا العزيزة ثم زادت وتوطدت علاقتي بالأستاذة »حُسن« من خلال مبني ماسبيرو فقد تزاملنا في العديد من لجان اتحاد الإذاعة والتليفزيون حتي جمع بيننا العمل في مجلة »أخبار النجوم « التي كان لي الشرف في تأسيسها مع كتيبة من الأساتذة الكبار بقيادة كاتبنا الصحفي القدير إبراهيم سعده وكانت حدثاً صحفياً مهماً في سوق الصحافة الفنية المتخصصة. وتمر السنوات وتزداد أواصر الصداقة بيني وبين الراحلة الكبيرة حُسن شاه بعد أن قام أستاذي د.فوزي فهمي أحمد رئيس أكاديمية الفنون الأسبق باختيارنا بصفته رئيساً للجان مشاهدة الأعمال الدرامية بالتليفزيون لنكون من بين أعضاء تلك اللجنة وقد أتاح وجودي إلي جوارها لأيام ولأسابيع كثيرة التعرف علي جوانب كثيرة مضيئة في شخصيتها خاصة في الجانب الآخر من حياتها فقد كانت نموذجا للعطاء الإنساني والعمل الخيري التطوعي ولها العديد من المواقف التي تتميز بالشهامة ونبل الأخلاق وظلت هكذا إلي أن تعرضت لأزمة صحية طاحنة فكانت تكلفني نيابة عنها في مهام خاصة أسأل الله سبحانه وتعالي أن يضعها في ميزان حسناتها. وبرحيل حُسن شاه الكاتبة والناقدة والسيناريست الرائعة تكون مصر قد خسرت في أسبوع واحد ثاني قمة إعلامية كبيرة بعد أن ودعنا قبلها رمزاً غالياً من رموز الصحافة المصرية في عهدها الذهبي وهو كاتبنا المحترم سلامة أحمد سلامة الذي شاء قدري أيضاً أن أعمل إلي جواره لعدة سنوات عندما أنشأ الرئيس الراحل الأسبق أنور السادات صحيفة »مايو« وأشهد إنها كانت تجربة ناجحة لم يفسدها سوي محاولة السطو عليها بعد وفاته حيث جاء مبارك بعصابته ليدمروا هذا الكيان بعد أن أصبح بوق للفساد ومتحدثاً باسم المفسدين في الحكومة والحزب الوطني المنحل بعد ثورة 52 يناير العظيمة. كان سلامة أحمد سلامة قامة عالية من قمم الصحافة المصرية عاش شامخاً وجريئاً في الحق ولم ينحن سوي لله سبحانه وتعالي وعندما انتقل من شقيقتنا وزميلتنا العزيزة »الأهرام« ليساهم في تأسيس جريدة »الشروق« مع أساتذة وزملاء أعزاء نجحوا جميعاً في إصدار صحيفة أخذت الكثير من صفاته الإنسانية والمهنية فكانت عنوانا للصدق والنزاهة والشفافية ونافذة تدعو للحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحمل مشاعل التنوير وكلها ترسم في حقيقة الأمر ملامح ومنهج تفكير هذا الفارس النبيل الذي تركنا ورحل في لحظة فارقة ونحن في أشد الحاجة إلي تواجده معنا ليكون قائداً ومعلماً في إرساء قواعد الممارسة الصحفية الجادة خلال المرحلة المقبلة التي يعاد فيها صياغة خطابنا الإعلامي الجديد في كل المجالات المقروءة والمرئية والمسموعة. وكأنني كنت طوال الاسبوع الماضي علي موعد مع القدر لوداع الأحباب والأعزاء فقبل أن تجف دموعي علي رحيل العملاقين سلامة أحمد سلامة وحسن شاه أتلقي خبر رحيل الدكتور والموسيقار جهاد داود وكيل المعهد القومي للموسيقي »الكونسرفتوار« ومدير أوبرا الاسكندرية الأسبق ونجل كاتبنا الصحفي الراحل سامي داود وهو أحد المبدعين في مجال العمل الموسيقي الأوركسترالي وله أبحاث ودراسات علمية علي جانب كبير من الأهمية وتتلمذ علي يديه عشرات من الموسيقيين في مصر والعالم العربي. ويتزامن مع رحيل د.جهاد داود أن يغادر أيضاً دنيانا المخرج د.هشام أبوالنصر أستاذ الإخراج بالمعهد العالي للسينما وهو صاحب عدة أفلام سينمائية جديرة بالإحترام أذكر من بينها »الأقمر« و»قهوة المواردي« و»الغيبوبة« وله العديد من المقالات في العلوم السينمائية التي استفاد منها الهواة والدارسين بأكاديمية الفنون. إنني أدعو د.سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون إلي إعداد التكريم اللائق لكل من جهاد داود وهشام أبوالنصر اللذين ظلا حتي اللحظة الأخيرة من حياتهما يفخران بعضوية سلك هيئة التدريس بمعهدي الكونسرفتوار والسينما وكانا يعملان في صمت ولم تسعدهما حياة النجوم واختارا أن يعطيا خبرتهما داخل هذا الصرح الأكاديمي ولا يغادرا لأية جهات أخري رغم الإغراءات المادية. رحمهما الله وعوضنا عنهما كل خير. وتزداد أوجاع قلبي عندما يتصل بي أحد أصدقائي لينقل لي خبر رحيل أديبنا العظيم محمد البساطي صاحب الأعمال الأدبية والقصصية الرائعة والحاصل علي العديد من الجوائز داخل وخارج مصر وهو أيضاً أحد أهم قيادات الجهاز المركزي للمحاسبات خلال السنوات الماضية قبل أن يتقاعد من وظيفته الحكومية ليتفرغ تماماً لعمله الأدبي والثقافي. ياليت أجهزتنا الثقافية والإعلامية تتحدث خلال المرحلة المقبلة عن حياة هذا الأديب الكبير الذي لم يكن عاشقاً للشهرة والأضواء وكان يري سعادته في خروج أعماله حاملة توقيعه إلي عشاقه ومريديه وهؤلاء ينتظرون أيضاً تكريماً لائقٍا من وزارة الثقافة وأسرة الثقافة الجماهيرية التي أعطي لها أحلي سنوات عمره وخبرته حتي رحيله تاركاً وراءه رصيداً هائلاً من الأعمال سوف تخلده إلي الأبد.